«هاديس» الذين اشتروا الحياة الدنيا

«هاديس» الذين اشتروا الحياة الدنيا

العدد 918 صدر بتاريخ 31مارس2025

 تحت رعاية الأستاذ الدكتورة غادة جبارة، رئيس أكاديمية الفنون، وبإشراف المخرج ومصمم الديكور محمود فؤاد صدقى المشرف العام على مسرح نهاد صليحة بأكاديمية الفنون، والمدرس المساعد بالمعهد العالى للفنون المسرحية، قدم المعهد العالى للفنون المسرحية تحت إشراف عميد المعهد الأستاذ الدكتور (أيمن الشيوي) العرض المسرحى هاديس، (تأليف: أحمد العوضى ودراماتورج: أسامة القاضى ومن إخراج: عمرو عادل).
هاديس أو كما يقال حاديس كلمة يونانية معناها الحرفى «ما لا يُرى» أو «ما خفى على الأبصار”. وهاديس هو إله العالم السفلى فى أساطير اليونان، وقد استعار العرض من اسم هاديس المكان فقط.
عند دخول الجمهور إلى صالة العرض يجد جميع ممثلى العرض على خشبة المسرح والإضاءة خافتة ولم تظهر أية ملامح لأحد منهم وجميعهم فى حالة من التيه والدوران داخل المكان دون معرفة أين يتجه كل منهم، وكل منهم مشغول بحالة ونلاحظ شجرة فى عمق المسرح متساقط أوراقها هى الغالبة على الصورة حتى يدخل الجمهور تمامًا فى الحالة العامة للعرض وبعد دقائق يعلن عن بدء العرض، وأعتقد أن الغرض من ذلك هو تهيئة الجمهور لاستقبال العرض ويبدأ فى التفكير ماذا بعد.
تدور الفكرة الرئيسية للعرض حول الذنوب التى يفعلها الإنسان فى الدنيا وإن كانت تبدو أنها بسيطة، لكن عقابها شديد فى الآخرة.
تدور أحداث العرض عن الذنوب التى ارتكبها الإنسان أثناء حياته تقدم فى ست لوحات فى العالم الآخر يتخللها لحظات رجوع لعالم الدنيا لنرى ما حدث، وكل لوحة تحكى عن ذنب معين اقترفه الإنسان، ومن هذه اللوح الخيانة الزوجية، هو وهى (الشيطان والقوادة)، العلاقة غير الشرعية، الولد المتلعثم، العين واللسان، وأخيرًا لوحة الختان، وفى كل لوحة قصة مختلفة يحكيها أصحابها بتوقف الزمن الحاضر والعودة للزمن الماضي، ويشعر الجمهور بأنه يتماس مع جزء ما من العرض.
تبدأ اللوحة الأولى الخيانة الزوجية بظهور رجل وامرأة طاعنان فى السن كان متزوجين وأثمر ذلك الزواج عن طفل، وعند مقابلة الرجل زوجته يتعجب لماذا تعذب ويذكر الرجل أنها كانت من أخلص النساء، لكنها تعترف له أنها كانت على علاقة غير شرعية برجل آخر كان يبادلها الحب فى عدم وجوده، وكان ينام تحت السرير فى وجودة ويسمع كل ما يدور بينهما ويعطيها حب وحنان أكثر ما كان يعطيها الزوج فأحبته اكثر، وعند سؤالها عن الطفل فتقول أن الولد ينسب للفراش، فهو ابنه لأنه زوجها، أما اللوحة الثانية هو وهى (الشيطان والقوادة) فنرى سيدة تقف أمام الشجرة وتحاورها بأنها لا يجب أن تكون فى هذا المكان وإذا فرض أن يوجد أحد هنا فهو الذى وسوس لى بأن أصبح هكذا، وعندما تراه تسأله أين أنت فيجيبها “أنا هنا معك فى أعماق ذاكرتك وحتى فى عقائدك» فتطلب منه مساعدته على الخروج من هذا المكان لكنه يجيبها بأنها فاقت توقعاته وفعلت أكثر بكثير من ما كان يتمنى أن تفعله “لقد تفوقتى على أستاذك وتغلبت عليه” ويظهر لنا قوة إقناعها لنساء كثيرات حتى القاصرات بفعل المعصية، وننتقل للوحة الثالثة العلاقة غير الشرعية فنشاهد رجل وامرأة طاعنين فى السن وجودًا فى هذا المكان، ولم يتعرفوا على بعضها لكنهما يتعارفا عندما يظهر لهما طفل غير مكتمل النمو نظرًا لارتكابهما حرمة الزنا وتخلصا من هذا الطفل الذى كان فى أحشاء المرأة، فيعودا إلى الماضى ويتذكرا ما حدث، واللوحة الرابعة الولد المتلعثم، يظهر ولد فى العالم الآخر ويتعجب بأنه ليس فى سريره المعتاد علية فهو فى مكان آخر ويتحدث بشكل عادى وتبدأ قصته بظهور أمه التى كانت فى الدنيا لا تهتم به بعد وفاة والدة وتتركه وحيدا فى غرفته ويسمع صوتها مع رجل يمارسان الحب وعندما يناديها توبخه وهذا الولد أصيب بحالة من التلعثم فى الكلام نظرًا لسلوك أمه المشين وأيضًا لفقده لوالده الذى كان دائمًا يتخذه رفيق يذهب معه فى أى مكان، فذلك الطفل يشعر بالقسوة عندما يقول «نعم أفتقد والدى ولكننى أفتقد أمى أكثر”، ثم لوحة العين واللسان، فنجد المسرح شبة مقسم إلى نصفين نصف للعين مع الرجل والآخر للسان مع المرأة، وكان الرجل شاب متزوج نظر إلى جارته اللعوب التى لفتت نظره إليها بلسانها، فاكتشفت زوجته الخيانة وواجهته لكنه صفعها على وجهها فتركت له المنزل ورحلت، وينتقل المشهد بأن يكون اللسان على أذن الرجل الشاب لأنه يسمع ما كانت تقوله له بلسانها لغوايته، وعين على وجه المرأة الشابة لأنها تتذكر نظراته إليها، فالحساب فى الآخرة يكون أيضًا على الكلمة والنظرة، وكانت اللوحة السادسة والأخيرة هى لوحة الختان والفتاة تتذكر طفولتها البريئة ولعبها فى الحديقة واللعب بالعرائس، ونجد الأم التى تمنعها من هذه اللعب لأنها بنت، أما لو ولد فهو مفضل على البنت لأنه رجل وتقول لأبنتها «أننا عرق أعوج ولنا أفكارنا الشيطانية”، وتصر أن يضرب الولد أخته، ويوضح ذلك بأن النساء فى الصعيد هن من يقهرن النساء، وهن من يدفعن الذكور على الثأر، وأن يأكل ميراث اخته بالباطل، فكان ذلك نموذج بأن المرأة هى من تساعد على بث التقاليد الخاطئة،  وقد ساهمت الام فى عملية الختان لطفلتها وأصبحت الطفلة كما قالت “ كنت دُميةً مستسلمة” وكان فكر الأم أن الختان للبنت حفاظًا على الشرف والتقاليد البالية، وكانت النتيجة أن الفتاة ماتت ولم تتزوج ونجد مشهد تعبيرى بالورود، فمن الأعراف والتقاليد فى العالم نرى أن العروس تقف وظهرها للفتيات الموجودين بالعرس وترمى حزمة من الورود تتصارع لالتقاطها الفتيات وعندما تلتقطها أى فتاة من الموجودين تكون بشرى بأنها ستلحق بالعروس وتتزوج، ولكن فى العرض كانت ترمى وردة ثم وردة أخرى وهكذا، ويتمزق هذا الورد ذو اللون الأبيض والذى يعنى الطهارة والنقاء مما يعنى أن تمزق وتناثر الورد يعبر عن أنه من الممكن أن يكون مصير كل فتاة مصير مظلم وتزف إلى القبر بدلًا من العريس، فعملية الختان تجرى لكل فتاة على حدة.
سيطرت المدرسة التجريدية على العرض وكان الديكور (هبة الليبي) عبارة عن خمسة سلالم وضعت فى عمق المسرح وعليها شجرة كبيرة ذات فروع كثيرة ومتساقطة الأوراق، وهى المسيطرة على المشهد المسرحي، وخلفها بعض الشجيرات الصغيرة وأيضًا أوراق الشجر متساقط من الفروع، لتمثل العالم الآخر، وسيطر على الديكور الون الرمادى الباهت
وبالنسبة للملابس (أزياء وماكياج ناريمان الملاح) كانت موحدة لكل ممثلى العرض سواء شباب أو شابات ففى العالم الآخر كلنا واحد، منها وإليها نعود، وكانت عبارة عن بنطلون وعليه جاكت مقفول ودون ياقة ومفتوح من على الرقبة على شكل الرقم سبعة، وكان لونها بيج تعنى أنها لجثث متوفاة حديثًا لم تتحلل بعد، وأصبح لونها هكذا من التراب الذى دفنت فيه الجثة.
أما الماكياج كان عبارة عن رسمة جذوع شجر على الجزء الأيمن لوجه كل الممثلين، وكأنها ختم مملكة العالم الآخر، وهى فكرة مستواه من الديكور حتى تكمل عناصر العرض بعضها بعضًا.
الإضاءة (أحمد أسامة) كانت عبارة عن كشافات وضعت داخل الكواليس، ففى الكالوس يمين الجمهور وضع كشاف نوره أبيض يمثل الجنة حيث النقاء والصفاء، وعلى يسار الجمهور وضع كشاف لونه أزرق يمثل الظلمة (الدرك الأسفل من النار)، وعبر اللون الأحمر عن حالة وسواس الشيطان للمرأة، وكذلك فى لوحة الختان، واستخدم اللون الأزرق فى لحظات إنكار الحقيقة (فى الزمن الحاضر)، وكانت البؤر الضوئية تسيطر على معظم إضاءة العرض لإظهار الانفعالات على وجوه الممثلين.
وكان الإعداد الموسيقى (أنس علاء الدين) معبرًا عن المشاعر الإنسانية والتى تغلب عليها حالة التوتر والقلق وكذلك الندم ومعظم الآلات المستخدمة فى تلك الحالات هى الآلات الوترية، وتناغم إيقاع أداء الممثلين مع الموسيقى، مثال لوحة الزوج والزوجة التى كانت تخونه ولحظة المكاشفة فكان تغلب على النغمة الحزينة التى تعزف على البيانو، والموسيقى التى كانت تعبر عن التوتر فى محاسبة الضمير فى الشيطان والمرأة، وكان تعلو فى بعض الأوقات وتنخفض فى أوقات أخرى، أو موسيقى الحلم فى لوحة العلاقة غير الشرعية من وجه نظر الجنينين غير المكتمل فكان يتمنى أن يكتمل وينزل للحياة لكن الأبوين فى العلاقة غير الشرعية قررت التخلص منه، وفى لوحة الولد المتلعثم نجد الموسيقى تمثل حالة الولد، ففى بداية اللوحة نسمع موسيقى التوتر الخفيف عبرت عنه الكمان عندما بدأ الولد فى اكتشاف المكان، ثم تنتقل بنا الموسيقى إلى حالة الحزن من فقدانه لوالدة وتصرف أمه، وفى لوحة العين واللسان عبرت عن حالة الرفض للعذاب وإنكار الذنب، لكن الذنب كان للرجل والمرأة، فكلاهما مذنب فكانت الموسيقى المعبرة عن الخطيئة تلازمهما معًا. وفى اللوحة الأخيرة لوحة الختام نسمع موسيقى تعزف بالكمان الصوت الرفيع الذى تطلقه الفتاة وتتوسل وتستنجد لينقذها أحد من هذه الضرر، ويتحاور معها التشيلو الذى يرد بالصوت الغليظ؛ حيث غلظة عادات أهل الصعيد وهذا هو المسلك السليم حيث العرف والتقاليد.
كانت دراما حركية (على يسرى) فى البداية والنهاية تعبر عن مدى المتاهة التى يعيش فيها الإنسان وهو يعذب فى مملكة النار وكيف يخنق ويقاوم ويرفض التعذيب ويكابر أنه لم يخطئ ويريد كل منهم العفو، لكن الشجرة توضح الحقيقة بأن من دخل هذا المكان لابد أن يعذب نظير جرائمه، ثم نرى بؤرة ضوئية تسلط على جميع الممثلين المجتمعين فى دائرة، ثم يتساقطوا على الأرض كلحظة خروج الروح من الجسد، ويمثل تشكيلهم على الأرض شكل وردة، وهى تحقق البنية الدائرية.
أجاد كل ممثلى العرض وكانوا على قدر عالٍ من المسئولية وفهم لطبيعة نوعية هذه العروض، وعملوا معًا بروح الفريق الواحد واحترافية عالية، وقام كل منهم بأداء أكثر من شخصية، وبذل كل منهم جهد متميز للمحافظة على إيقاع العرض؛ حيث يلعب الإيقاع دورًا هامًا للانتقال بسلاسة من حالة إلى حالة أخرى دون أن يحدث خلل ما شجع الجمهور على التركيز والانتباه من بداية العرض لنهايته.
كل التحية والتقدير لهم جميعًا والممثلون، هم: (هبة قناوى - أنس علاء الدين - سجود الحصرى - بهاء الدين - نوران يسرى - أحمد ناجى - ريم مدحت - أحمد فؤاد).
والتحية والتقدير لكل من شارك فى العرض مما تم ذكره سابقًا وكذلك المخرجان المنفذان (مصطفى محمد وماريا اسامة)، تنفيذ موسيقى (مصطفى محمد) تصوير بوستر (أحمد فرحات)، تصميم بوستر (محمد وحيد).


جمال الفيشاوي