المسرح والتعددية والوسائطية: الأشياء والأجسام واللغة (1)

المسرح والتعددية والوسائطية: الأشياء والأجسام واللغة (1)

العدد 918 صدر بتاريخ 31مارس2025

تعتمد طبيعة المسرح كشكل فنى بشكل حاسم على قناتى تعبير رئيسيتين- سأشير إليهما باسم «الوسيلتين». الوسيلة التى تربط المسرح بالأشكال الأدبية الأخرى هى استخدام اللغة، ولكن الوسيلة التى تميزه، وتربطه أيضًا بالأشكال المستقلة عن اللغة مثل الرقص، هى الشكل المادى الذى يؤسس للتعبير اللغوى. وهناك أبعاد مختلفة للجانب المادى - الأجسام البشرية، والأشياء، والمسرح نفسه، والديكور، وما إلى ذلك، ومن المهم طرح أسئلة محددة حول دور كل منها فى تكوين النوع. إن طرح هذه الأنواع من الأسئلة مفيد أيضًا فى بناء روابط أقوى بين المناهج الادراكية للمسرح والمناهج الادراكية للغة. وتخضع الأخيرة الآن لتحول كبير نحو التعامل مع الجوانب المجسدة والبصرية للتواصل واستخدام هذه الحقائق للتأثير على الأسئلة المتعلقة بظهور المعنى اللغوى. إن المسرح، باعتباره شكلًا فنيًا متعدد الوسائط بطبيعته، يمكن أن يوفر قوة إضافية لهذه المساعى، من خلال تسليط الضوء على قوة التعدد الوسائط واللغة فى شكلها الإبداعى المكثف.

التعددية الوسائطية للمسرح
ان تعريف المسرح باعتباره فنًا متعدد الوسائط له عواقب تحليلية معينة. وهذا الوصف يربط المسرح بمجموعة من الأعمال الفنية؛ حيث يكون التعدد الوسائطى محوريًا للشكل والمعنى.
وبشكل طبيعى للغاية، يصبح المسرح قريبًا من الأوبرا - حيث يتم استخدام المسرح والأجساد على نحو مماثل، ولكن يتم التقليل من أهمية اللغة من أجل إعطاء أهمية أكبر للموسيقى. لكن أشكال الفن المعاصرة - الراقية والمتدنية والمتوسطة على حد سواء - تعتمد بشكل كبير على تعدد الوسائط أيضًا. والأمثلة متنوعة، وتظهر أشكال جديدة باستمرار. فقد تجمع الأشكال الفنية بين العرض البصرى والموسيقى وقراءة الشعر بطرق مختلفة، فى حين تمزج الأحداث فى الهواء الطلق غالبًا بين المسرح والموسيقى. وتجمع كل هذه الأشكال بين اللغة والصورة مع حلول مكانية وبصرية محددة. فيما يلى سأنظر فى بعض أمثلة التفاعل بين الفضاء والأشياء المادية واللغة.
إن فن الجرافيتى وفن الشوارع من الأمثلة المثيرة للاهتمام فى التعامل مع الفضاء. فهما يعتمدان غالبًا على العرض البصرى للغة مع استخدام الصور البصرية فى تركيبات مثيرة للاهتمام مع الأشياء المادية والأسطح التى تُعرض عليها. وبهذا المعنى، يستخدم فن الشوارع ما هو متاح فى العالم المادى، ويعيد تفسيره بشكل إبداعى. وغالبًا ما تعتمد مثل هذه إعادة التفسيرات على المكونات الأساسية للغاية للتطور المعرفى، والتى تسمى مخططات الصور. وفى مقال حديث، يزعم ماندلر وكانوفاس (2014) وجود عدة مستويات من الأسس المكانية للإدراك. ويوضحان أنه فى المراحل الأولى من نمو الطفل، يتعلم الأطفال فهم مفاهيم مثل “التحرك إلى”، أو “الانسداد”، أو “الحاوية”، لذلك لديهم حس مبكر جدًا بالأبعاد المكانية وإمكانية الوصول إلى الأشياء. ثم تتطور هذه المخططات بسرعة إلى هياكل أكثر تعقيدًا، وتندمج مع مفاهيم أخرى. والآن، غالبًا ما يلعب فن الشوارع على هذه الهياكل الأساسية للغاية، فيعيد تعريف التكوينات المكانية بطرق تشبه أحيانًا بشكل مدهش ما يفعله المسرح. على سبيل المثال، قام فنان الشوارع الألمانى، ايفول (1)، برسم كتلة مستطيلة من الخرسانة على حافة الرصيف لتبدو وكأنها كتلة من الشقق - على الطراز القبيح للهندسة المعمارية الخرسانية البسيطة. ولا يعتمد العمل فقط على القطعة المادية المتاحة من البيئة، ما يجعلها تمثيلًا لمبنى، ولكن أيضًا، من خلال اللعب بذكاء على الفرق فى الحجم بين الكتلة الخرسانية المطلية والمبانى المحيطة، فإنه يخلق تأثيرًا مفاجئًا وجذابًا.
كما أن البيئة بأكملها قد تغيرت طبيعتها من خلال هذا العمل الفنى. فى الواقع، الصورة الأولى فى المعرض الإلكترونى المشار إليه هنا بها عامل بناء يجلس على “المبنى”، ويتحدث على هاتفه، وهو ما يزيد من التأثير المدهش للحجم، ولكنه يجعل المشاهد يفكر أيضًا فى مدينة أخرى أصغر كثيرًا داخل المدينة الحقيقية، ويلاحظ الطرق التى قد تتعايش بها مثل هذه الحقائق. وعلى الخشبة المسرحية، تعد إعادة التفسير هذه حدثًا طبيعيًا - فالمبانى أصغر مما تكون عليه عادةً، فى حين أن الغرف قد تكون أكبر كثيرًا، وقد يتم الإشارة إلى البيئة الطبيعية من خلال شجرة واحدة، وغالبًا ما يتم تمثيل الطعام بأطباق فارغة، كبيرة بما يكفى لرؤيتها من مسافة بعيدة ومع ذلك فهى متناسبة بطريقة ما مع أجساد الممثلين. ومع ذلك، فإن هذه المادة الرمزية الموجودة (المناظر الطبيعية، الدعائم) تهدف إلى إعادة تعريف البيئة تمامًا - تحويل سطح مستوٍ من الألواح الخشبية إلى جزء صغير من عالم حى كامل - عالم القصة. إن ما يفعله فنانو الشوارع فى كثير من الأحيان، بالاعتماد على الجمع بين المرئى والمادى، هو ما يفعله المسرح أيضًا، بطرق خاصة بنوع معين. ويمكننا أن نزعم أن أسس الإدراك المكانى تشكل أساس كلا الشكلين من أشكال التعبير الفنى.
....................................................................................
الهوامش
1-  مكنالعثورعلىأمثلةلأعمالEvolعلىhttp://www.nimball.com/evol.
html.


ترجمة أحمد عبد الفتاح