«لا تقل أبيض..لا تقل أسود» قوتنا فى وحدتنا

«لا تقل أبيض..لا تقل أسود» قوتنا فى وحدتنا

العدد 919 صدر بتاريخ 7أبريل2025

قدمت الإدارة العامة لثقافة الطفل والتابعة للإدارة المركزية للدراسات والبحوث بالهيئة العامة لقصور الثقافة على مسرح قصر ثقافة العمال بشبرا الخيمة التابع للإدارة العامة للقصور المتخصصة العرض المسرحى لا تقل أبيض.. لا تقل أسود تأليف وأشعار صفاء البيلى ومن إخراج محمد عبدالفتاح.
تدور الفكرة الرئيسية للعرض حول مناقشة التنمر والتميز بين الأفراد فى المجتمع من خلال الغراب ومجموعة طيور الغابة.
وتحكى الأحداث عن غراب يشعر دائمًا بأنه غريب وذلك لأن لونه أسود وتحاول طيور الغابة خاصة ذات السن الأكبر (اليمامة الام، والعصفورة الأم) بأقناع الغراب أنه ليس غريبُا وأنه جزء من طيور الغابة فهو واحدُا منهم، لكنه مصر على أنه غريب لأن الكثير من الطيور لا يتعامل معه، كما أن طيور الغابة صغار السن دائما يتنمروا عليه ويضحكون على كل حركة أو تصرف يقوم به ولعل يكون ذلك كما يعتقد الغراب (بسبب ريشه الأسود أو صوته المزعج الذى يصدره) ولكن البومة تفسر السبب ب (إنه تاريخ من الأفكار الخاطئة التى توارثته أطفالنا من الطيور والحيوانات والبشر) وعلى الرغم من محاولات طيور الغابة الكبار نهيهم عن ذلك، فنجده دائما يشعر بالوحدة وأنه ليس لديه أصدقاء، ويتحدث بحزن ويغنى أغانى حزينة، لكن البومة تذكرة بأنه له مواقف جيدة فقد دافع عن صغيرها عندما داهم الصقر عشهم ووقف الغراب بجانب البومة وأنقذ فرخها، ولا فرق بين الأبيض والأسود، لكنه لا يقتنع وعندما يرى زوجة المزارع تعجن عجين لصناعة الخبر فيجدها فرصة ويغطس فى العجين ليتحول لونه إلى اللون الأبيض، حيث يعتقد أن لونه الخارجى هو من يحدد هويته، وعندما يسقط المطر لا يستطيع الطيران ليذهب لعشه، حيث ثقل العجين جسده ومنعه من الطيران، لكن ماء المطر يغسل العجين ويسقطه على الأرض فيستطيع الطيران ليحتمى بعشه من المطر، وعندما يهجم النسر على أعشاش الطيور يقف مع باقى الطيور ضدة لينتصر على الصقر عدو الطيور، فالشدة هى التى تظهر معدن الآخر ويرسل العرض رسالة للأطفال بأنه فى الاتحاد قوة، وفى التفرقة ضعف، ومن عاش لنفسه فقط ما أستحق أن يولد، ومهما كان الاختلاف فى اللون أو اللغة أو العرق أو الجنس أو الدين لابد أن تتقبل الآخر وتعيش معه فى سلام وأمان، والذى اختصرته المؤلفة فى العنوان أنه لا تقل أبيض ولا تقل أسود، فالحماية ونهضة الأمم تكون باحترام وتقدير الغير وعدم التميز والتعاون والاتحاد، وذلك هو من  يخدم ويحافظ على المجتمع.
وتقول مؤلفة العرض صفاء البيلى إن:
(التنمر ليس مجرد كلمات أو أفعال مؤذية، بل هو اعتداء على كرامة الإنسان وحقوقه. يجب علينا أن نكون صوتًا واحدًا ضد هذه الظاهرة، وأن ندعم الضحايا ونقف بجانبهم. تذكروا، قوتنا تكمن فى وحدتنا، وفى رفضنا لكل أشكال العنف والتمييز).
كان الديكور (خالد الخريبى) عبارة عن منظر واحد يمثل غابة، وفى وسط عمق المسرح نجد فريم مربع وضع على فى مستوى خلفى مرتفع عن المستويات الأمامية الأخرى للطيور، يمثل منصة لتعبر على مكانته العالية ومدى تسلطه على كل طيور الغابة، وفى المقدمة يمين المتلقى يوجد عش الغراب منفردُا على شكل دكة يجلس عليها، وعلى مسافة صغيرة للداخل جهة اليسار بجوار عش الغراب يوجد عش البومة وفرخها الصغير، والذى سقط على الارض ومهدم من أعلى (مكسور)، وفى المقدمة على شمال المتلقى توجد أعشاش بعض الطيور، وفى عمق المسرح يمينُا ويسارُا توجد أعشاش أخرى للطيور لكنها مهجورة لتوضح كيف يقوم الصقر بهدم هذه الأعشاش.
أما الملابس (نهلة حلمى محمد – سناء عبدالحق محمد – فوزية رمضان حسن) فهى مجموعة موتيفات مختلفة الشكل والألوان ارتداها الممثلون لتعبر عن مجموعة متنوعة من الطيور، حيث أن الشخصية الدرامية معبرة عن نفسها بالحوار والأغانى ولكن هذه الموتيفات للتفرقة بين أنواع الطيور وتأكيد الشخصية، ويوجد شخصيتان فى العمل الفرق بينهما واضح وهما الغراب والبجعة، فالغراب يرتدى ملابس سوداء قاتمة وعلى الصدر ما يشبه الريش الأسود والبجعة ترتدى ملابس بيضاء كلون الثلج وعلى الصدر بين الموتيفات المفضلة البراقة، والبغبغان يرتدى ألوان مختلفة برتقالى وأبيض وأحمر وعلى راسه قناع متعدد الألوان ومنقار صغير، والصقر كان يرتدى اللون البصلى المائل للبني، وينتشر على الصدر بعض الموتيفات المفضضة حتى يصبح مميزًا، وهو يمثل السلطة، وعلى رأسه قناع من نفس اللون، وله منقار أكبر بكثير من البغبغان، والبومة ترتدى لونًا رماديًا، وعلى رأسها تضع توكة لها أذن صغيرة لإظهار ملامح الوجه، أما الطيور الصغيرة (العصافير واليمام) فكانت ترتدى اللون الرمادى وكذلك اللون المائل للروز، ليعبر الحب والبراءة على الرغم من تنمرهم على الغراب.
استخدمت الإضاءة (حمادة عزت الليثي) للإنارة فى أغلب الأحيان وسلطت البؤر الضوئية على الممثلين لإظهار التعبيرات الدرامية، وخاصة فى حالات تنمر الطيور الصغيرة، واستخدم الفلاشر مع المؤثرات الصوتية فى حالات الصراع وهجوم الصقر على عشش الطيور لبيان الخطر، وكذلك فى حالة المطر.
الألحان والتوزيع (عبدالله رجال) وكانت مسجلة، حيث أن الأغانى جزء أصيل من الدراما فكانا وحدة واحدة متشابكة يكمل بعضها بعضا، حيث وجد بالعرض أكثر من عشر أغانٍ، فمن الممكن أن نصنف العرض على أنه عرض غنائى حركى ولذلك قام الملحن بتلحين كل أغنيه على حسب الحالة الدرامية فنجدة أغنية توضح حالة الحزن التى يشدوا بها الغراب وأن لونه الأسود الذى لا يعجبه، وذلك لتنمر الطيور صغيرة السن عليه، وكذلك حالة الفرحة التى تنتابه عندما تشكره البومة لإنقاذ صغيرها، وقد كانت الأغانى ليست للطرب ولكن كان الحوار والألحان البسيطة القريبة من الريستاتيف.
كانت الدراما الحركية بسيطة مناسبة للعرض فنجد على سبيل المثال مشهد مغنى ودراما حركية بين البومة والغراب وكلُا منهما يشكو حالة للآخر نظرا لان كل المخلوقات تتشاءم من الغراب والبومة على الرغم من أنهما عكس ذلك، فغنى الغراب للبومة بقوله (عيناك نجمتان فى الليل تبرقان) وترد عليه البومة (وصوتك الجهورى بالحب والعرفان) وقام كلُا منهما بفرد جناحية وتقديم الدراما الحركية مع الغناء، وتوجيه خطاب للمتلقى بأن لا تقل أبيض.. ولا تقل أسود، فلا تنظر أبدًا للألوان.
وأخيرًا أستطيع القول بأن هذا العرض لو أتيحت له إمكانيات مادية، وإمكانيات تكنولوجية ووسائط فنية متعددة وخشبة مسرح أكبر من خشبة مسرح قصر ثقافة العمال كان سيخرج بصورة مبهرة، لكن ما شاهدناه وبتلك الإمكانيات التى توافرت فهو عرض مناسب من حيث متعة المتلقى المعتاد على المكان، وقد وصلت الرسالة التوعية والتربوية للمتلقى فى كيفية التعامل واحترام الآخر فنحن نحتاج إلى مثل هذه النوعية من العروض.
كل الشكر لكل المشاركين فى العرض، الممثلون: (رقية أحمد، محمد مجدي، وليد جلال، ريهام السيد، محمود جوهر، رقية عادل، رغد عادل، باسل أشرف، عادل أسامه، منى عمرو، مالك عمرو، هنا أشرف، عائشة سيد، روان سيد)، والمخرج المنفذ (سارة الخطيب)، صوت (هانى إبراهيم أحمد)، خدمات معاونة (محمد عبدالحليم عطية)
والشكر موصول للمؤلفة صفاء البيلى والمخرج محمد عبدالفتاح على خروج هذا العرض بهذه الصورة المتزنة رغم الجهد الكبير المبذول من المخرج محمد عبدالفتاح، حيث إن عددًا ليس بالقليل من الممثلين الهواة يقف لأول مرة على المسرح خاصة الأطفال ويحتاجون إلى فترة تدريب كبيرة.


جمال الفيشاوي