«أفراح القبة» من السرد إلي عرض هندسة الزقازيق

«أفراح القبة»  من السرد إلي عرض هندسة الزقازيق

العدد 931 صدر بتاريخ 30يونيو2025

من بين العروض جيدة الصنع المشاركة في مهرجان جامعة الزقازيق للمسرحيات الطويلة والمقام علي مسرح الجامعة للعام الجامعي 2025م شاركت كلية الهندسة بمسرحية «أفراح القبة» وهذه المسرحية معدة عن رواية شهيرة لأديب نوبل «نجيب محفوظ» تحمل نفس الاسم بسبب أنها سبق تم تقديمها علي المسرح العائم بالقاهرة من إنتاج مسرح الشباب التابع للبيت الفني للمسرح عام 2020م، وحققت نجاح كبير وعرضت أيضاً كمسلسل تلفزيوني شاهده ملايين المشاهدين في كل أنحاء الوطن العربي إلا أن العرض الذي قدمته كلية الهندسة جامعة الزقازيق والمأخوذ عن الرواية نفسها لم يعتبر بأي مما فات أو يستأنس بأي من هذه التجارب والمحاولات وقرر أن يقدم تجربة ذاتية تعتمد مباشرة علي الرواية المحفوظية متخذا لنفسه منظورا جديدا ورؤية مختلفة هي رؤية المخرج ومعد المسرحية (عماد طارق) وهو أحد شباب مخرجي الزقازيق من خريجي الكلية نفسها وقد قام بنفسه بإعداد رواية محفوظ للعرض المسرحي الجامعي متوقفاً عند مواقف بعينها ومقاطع محددة ليجعلها الأكثر أهمية في مغامرته المسرحية ورهانه الدرامي الذي لم يتخذ كما فعل الآخرين من الشخصيات الرئيسية الأربعة للرواية التي أوصي بها أستاذ السرد محور تركيز ونقطة انطلاق كما هو متبع ومتوقع وإنما أفسح المجال المسرحي لظهور شخصيات هامشية بالرواية الأصلية علي نفقة الشخصيات الأصلية من هذه الشخصية شخصية «سرحان الهلالي» مدير المسرح الذي ظل حاضرا وتم التركيز عليه في أغلب مشاهد العرض وحدث ذلك أيضا مع شخصية المخرج معتمدا علي الجزء الأول للرواية الأصلية وقد ذهب في رؤيته نحو ذلك متجاهلا ما حدث بعد ذلك بالرواية من حضور طاغي ولافت للشخصيات التي كانت في البدء هامشية أو ثانوية لكن نوه عنها نجيب محفوظ في افتتاح الرواية وهي بالمناسبة الرواية الوحيدة التي بدأها أمير السرد العربي بتعريف بعض الشخصيات لتبدو وكأنها مسرحية وهي الوحيدة من بين رويات محفوظ التي تجري أحداثها بين أعضاء فرقة مسرحية، وفي عرضه المسرحي الجامعي قسم المخرج مسرحه إلي مناطق ومستويات تقسيم يعتد بالخيال والواقع والحقيقة والوهم وأهم هذه المستويات الأعلي الذي احتل أعلي منتصف المسرح وجرت فيه مقابلات الفرقة واجتمعاتها فهو مكتب المدير وفيه يتم كل ما هو رسمي وفيه أيضا تتم الجلسات الخاصة التي يشملها العرض و تتخذ فيه أهم القرارات المتعلقة بالدراما أما المستوي الطبيعي فيشمل منزل “عباس” ذلك الفتي الغض الذي يكبر قبل أوانه بسبب تقلبات أحداث العرض ومن الشخصيات التي احتفظت بوضعها إلي حد ما شخصية «طارق» الممثل المغمور الذي بسبب دوره في الحياة كان له دورا كبيراً بالمسرحية وكذلك دور الممثلة «درية» الذي قسم في إلي دور بالواقع في مشاهد العودة إلي الوراء (فلاش باك) ودور في المسرحية التي كتبها “عباس كرم” إبن كرم يونس ملقن الفرقة الذي تزوج بائعة التذاكر فانجب هذا المؤلف الصاعد وقد بدأ العرض بأن نقل (طارق) الممثل المغمور الذي أداه بشكل جيد جدا الطالب “زياد حاتم” بأن جعل هيئته الخارجية هيئة فنان يبحث عن موقع جيد علي خارطة الإبداع وهو في بدء العرض يتجه إلي منزل “كرم يونس” كي يوقع بينه وبين ولده عباس مؤلف المسرحية الجديدة التي قرر مدير المسرح تقديمها وقد حدثت الموافقة لأول مرة بعد محاولات عديدة وسلسلة من الرفض وهو يعتقد أن ذلك جري لأن عباس اقتبس مسرحيته من الواقع الواقع الذي يفضح كل ما يحيط بهم وما يجري في بيتهم من مفاسد وموبيقات حكي لهم أن العرض الجديد يعرض حياتهم فيعرض كيف أن أبنهما الوحيد هو الذي أوشي بهما وهو الذي أودي بهما إلي السجن وهو الذي قتل زوجته بطلة الفرقة التي خطفها من أحضانه وتزوجها ليقتلها ويقتل ولده وقال أنه سوف ينتحر يوماً كما جاء في نهاية هذه التجربة المسرحية التي استخدمت نجيب محفوظ من دون أن تتبع منهجه أو تتبني أفكاره، وقد قام ببطولة هذه المسرحية بروح شبابية وخفة ظل كبيرة نخبة طيبة من مهندسي الغد طلبة وطالبات كلية الهندسة بجامعة الزقازيق وكان من أكثر هؤلاء الطلاب قبولاً واستحساناً من قبل مشاهدي العرض الطالب «مصطفي محمد» وفي العرض يسعد «كرم يونس» الملقن الذي أفني حياته بالمسرح أن تقدم الفرقة نفسها رواية تمثيلية من تأليف إبنه الوحيد ويحكي العرض كيف تزوج والدته “حليمة» التي فقدت عزريتها داخل تلك المؤسسة المسرحية وكان أول من وضعها علي طريق المجون المدير الفرقة ثم تنقلت بين أحضان الجميع إلي أن وصلت إلي أن ارتمت بحجر الملقن «كرم يونس» الذي تزوجته لا لشيء إلا لأنه امتلك بيتاً في الوقت الذي احتاجت فيه إلي سكن ولم يحاول أن ينهرها أو ينهاها عما هي فيه لأن أمه علمته منذ نشأته أن يبقي ضمن حدوده وآلا يتدخل فيما لا يعينه كي لا يلقي ما لا يرضيه فنشأ علي آلا يبالي بمسألة الشرف والعرض وهكذا أصبح البيت الذي ورثه علي حد تعبير العرض غنيمة بيد السقهاء يجتمع فيه أعضاء الفرقة يشربون الخمر ويسكرون ويلعبون القمار وهكذا تنتقل مأسي المسرح الي ذلك البيت بكل أبطالها وجميع ضحاياها الذين يترفعون عن الصراع الذي يتم عرضه علي خشبة المسرح وهم واقفون بهذا البيت الخرب صفاً واحداً إلي جانب الشر، الكل يمثل ولا شيء حقيقي إلا الكذب وهكذا انطلق صناع هذا العرض من رائعة نجيب محفوظ الخالدة التي نفث فيها عن غضبة من المسرح وعدم رضاه عن المسرحين في تلك الرائعة السردية ذات التفاصيل النادرة التي تختلف كما شهدنا عن كثير من رويات الأستاذ، وانطلاقاً من وجود حكاية حقيقية وقصة محبوكة عزف العرض علي انغامها قدمت هندسة الزقازيق بمهرجان الجامعة مشاهده جيدة وممتعة مستخدمة كل ما هو متاح من عناصر العرض مثل الديكور الذي اتخذ من الرواية منهجا لتفيذه كبيت قديم يحمل بعض اللوحات التشكيلية واللمسات الجمالية وكذلك إقتربت الملابس إلي أجواء سبعينات القرن العشرين وهو الزمان الذي دارت فيه أحداث العرض أما الموسيقي فقد اختيارها بعناية من كلاسيكات الموسيقي المصرية للفترة الزمنية المقصودة لتأكيد طبيعة الأحداث ولأجل كل هذه الجهود حققت هذه الرواية الممسرحة مشاهدة طيبة.


محمود كحيلة