ارتبط لفظ التكية ارتباطًا وثيقًا باللا وعى الجمعى للمصريين فى الأيام السالفة ذلك أنه جرى اللفظ على ألسنة العامة بأنه مكان الأكل اللا محدود للعوام من قبل السادة الوجهاء فدائمًا ما يجد الفقير طعامًا فى التكية بلا حد أو حدود كما ارتبط ذات اللفظ بالثقافة الشعبية كونه مأوى للمتصوفين الهاربين من ملذات الحياة فكان البقاء فى التكية يضمن البعد عن أعين الناس والذوبان فى حالة الوجد الصوفى ومع العرض المسرحى (التكية) لفرقة أبنوب المسرحية من تأليف/وإخراج/مارك صفوت - والذى عرض ضمن المهرجان الاقليمى لفرق اقليم وسط الصعيد بقصر ثقافة اسيوط مايو 2025 ضمن خطة الادارة العامة للمسرح لموسم (2024/2025) - كان الموضوع جد مختلفًا واحتفظ اللفظ بهالة من الغموض وكسر أفق توقعات المتلقى واحتفظ بأسراره التى كشفها رويدا رويدا حتى كأنه كشف عن محتواه ما أراد مبدعوه أن يكشفوا من محتواه وطالما استطاع المتلقى الالمام بالدلالالت وتفسيرها فى إطار (هنا/الآن) يتجلى المعنى ويتحقق أما إذا استوحش المتلقى اللفظ والمحتوى وبحث عن قوالب معينة ليؤطر رؤيته فسيتحقق الغربة المألوفة من اللفظ والمعنى ويتجلى الارتباك شاخصا فى التأويل والتفسير كون العرض المسرحى التكية ابتعد ابتعادا محمودا عن الشائع والمألوف وحاول حثيثا الاشتباك مع اللحظة الانية (تقنيا) و(ثقافيا) و(ايدلوجيا) فاقتحم القضايا الشائعة وحاورها للوصول الى محتواها وعلاقتها بالكينونة والهوية واضعًا نصب عيناه أن العرض يرنو إلى الثقافة الجماهيرية أن احتفظ المصطلح بجدواه وجديته. التكية مكان اخر يعرفنا فى زمان آخر نعرفه يفتح أبوابه بحنان ونعومة الحيات لاستقبال أصحاب الخيبات الهاربين من واقعهم المرير للتطهر من أدرانهم وكأنهم فى عطلة استشفاء من الدنس فكانوا ستة من الشباب الزاهين بشبابهم ثلاث من الفتيات ويقابلهم من الرجال ثلاثة كلهم فى سن الشباب ويعانون من مشكلات حياتية آنية وخيل لهم ان بهروبهم إلى هذا المكان (التكية) تحرر من الخيبات وتخلى عن الملذات فكانت فترة حياتهم خطة حقيقة للهروب من الدرن والاستشفاء من الخطايا وعلى الجانب الضد كانت كبيرة التكية (الشيخة) الفتاة الغامضة التى تملك وتحكم رجالات التكية وتفرض قانونها الخاص فمتى استقبلت من اصحاب الخيبات الهاربين من ماضيهم اقتلعتهم من ذواتهم الآنية وحياتهم الكاملة وصاغت لهم حياة ترتضيها ومستقبل تراه أليق بهم دون صوت أو فكر أو شعور وكانت خطتها أربعة خطط للهروب أولاهم الهروب من الصوت وثانيهم من اليد والفعل وثالتهم من الشعور والحس وآخرهم من الفكر والفعل والقدرة فشخصت حالات الشباب البائسين بالاستسلام الى الشعور واللذة والفعل والفكر فان تخلى الإنسان عن الحواس أصبح تابعًا محمودًا دون إرادة إلا التبعية ودون فكر إلا من خلال الشيخة وقانونها، ولأن الهاربين بائسون فقد ارتضوا التخلى عن آدميتهم فاتوا فعل الحيوانات فى تناول الطعام عندما أمرت الشيخة تابعيها بأن يتناول البائسون طعامهم من (الطبق) دون استخدام اليد فكان الانحناء إلى تناول الطعام بالفم كأنحناء الحيوان لطعامه حتى إذا ارتضى البائسين ذلك كان إزهاق نور العين وحجب الرؤية فارتبك الآنى والآتى حتى إذا ارتضوا كان التخلى عن الكلام بتخييط الفم كما كان الأسلاف فمع التخلى يأتى التخلى ومع الخنوع يبزغ الخضوع وتتجلى بين الأفعال الهاربة من الماضى ماضى أكثر قسوة للبائسين فهمو كانوا (زوجة خائنة وأخرى مهملة وثالثة خانعة خاضعة ورجل مارق وآخر سارق وثالث قاتل اباه) فاجتمعت الخيبات فى نسيج غير متجانس ونسخ بشرية غير متطابقة وإن تطابق المأوى والمرتجى.بدأ العرض المسرحى التكية بمقطع فيديو مرئى للبائسين كلا يعرض اسمه ووصفه وسعيه بارادته الحرة إلى الانضمام للتكية حتى إذا انضموا اندلعت نيران الأبواب والشبابيك فى التكية إيذانا بالاحتفاء بالوارد الجديد كحطب النار المنوط بحرقهه حفاظا على المأوى وعلى استمرارية المكان وجدواه، وهو استخدام لافت لتقنية الفيديو مابنج (أبانوب سلامة) تبعه استخدام آخر لذات الخلفية بعيون شاخصة/حارثة/مراقبة/محذرة وتتابعت الصور الإلكترونية المحققة للمتعة البصرية وللطرح الدرامى المغاير ليتجاوز الطرح محليته عن مجموعة بائسة غير متجانسة من الشباب يسعى لتغيير واقعة فكانت الواقعة بالرضوخ إلى نظام أكثر قسوة وعنف وتسلط ودموية فخاب من ثم سعيهم إلى التطهر ليصبحوا وقودًا لفساد أعرق وعلى المستوى النقيض تدور الصراعات داخل نسيج التكية ذاته بين التابع الامين المهادن للشيخة (راشد) وللصامت الأمين المؤمن بحتمية التكية كمعنى مجرد للاحتواء (عامر) فكان الصراع يحافظ دائمًا على غلبة الأقوى وقدرته على فرض شروط اللعبة وجدواها. ومع تشابك الأحداث وتطورها وعقاب المخالف لتعليمات واوامر الشيخة وتدخل الأمين الصامت لإعلاء قيم الانسانية بعد تخلى البائسين عن إنسانيتهم كان سرقة مفتاح ابواب الخروج الحل وكانت الخطة الخامسة لهروب البائسين من بؤسهم وماضيهم الدنس وحاضرهم المهين هو الاستمرار طواعية فى احضان التكية إعلاء لفرضية فقدان الامل والجدوى والاستسلام لواقع أكثر إيلامًا من الواقع.نقلت أشعار دكتور سيد عبدالرازق الطرح الدرامى والفكرى إلى أفق أكثر رحابة من المعنى اللفظى للتكية مستخدمًا تراكيب موحية (حين تخلى المجبور وجبر المتخلى وحيث تجلى المستور وستر المتجلى) فالتأطير للنظام الجديد واتخاذ الإطار الدينى والطقسى مدخلًا أوحى بدلالات أكثر عمقًا لذاك المتخلى عن وجوده سعيًا لوجود مهترئ فاهترأ. وعاونها بطبيعة الحال موسيقى (رومانى زاخر) والكريوجراف (مارك صفوت) الذى اكد ان الطرح متجاوز الوجد الصوفى الى التأصيل الى نظام جديد ارتضته الشيخة مصدرًا للراحة من الضغوط الحياتية والانصهار فى وجود اشمل واعم من الوجود الدينى والقبلى فلا اسم لأحد ولا شعور لأحد ولا رؤية لاحد ولأفعل لأحد يخالف فعلها. وجاء ديكور (مصطفى إبراهيم) موحيًا للشكل الصوفى شكلا المتوحد مع الأفكار الدالة على القلاع النائية مضمونًا فأشار إلى الدال والمدلول وحافظ على فراغ خشبة المسرح وساهم فى تكوين مستويات عليا من الرؤية استثمرها المخرج فى تأكيد تتلصص الشيخة واتباعها على البائسين والاستخدام اللافت لخطوط الضوء وزوايا الاسقاط لإضاءة (مايكل يعقوب) الذى حافظ على طزاجة الصورة وجدتها ومنع انتشار الظلال على مستويات الديكور فليس للبائسين انعكاسا على الارض فهمو موتى فى جسد احياء وليس للميت ظل بطبيعة الاحوال ومع استخدام المادة الفيليمة (تغيرت زوايا الإسقاط الضوئى والوانها) بوعى شديد يؤكد احترافية الطرح وتأكيد الدال والمدلول.التكية تجربة مسرحية كاشفة تتجاوز اللحظة لتحذر من ظلام النظام العالمى الجديد المتخفى فى عباءة الدين شكلًا والساعى الى ضحد الهوية وسحق الكينونة محتوى مستخدما مرادفات شعبية/طقسية/دينية دالة شكلا ومفرغة مضمونا للوصول الى كينونة منسحقة تحت إطار آخر مجهول أجاد الممثلون - دون استثناء - فى التعبير عن الشخصيات المركبة كرموز ودلالات يخفى مظهرها مخبرها وابتعد مصطفى غانم عن الكلاشيهات المسرحية للمتأمرين والاشرار فبدا شريرًا حقيقيًا، كما بدا أحمد عاطف مستسلمًا محاولًا إلا أن استسلامه سبق محاولاته ونجحت إسراء حمدى فى تشخيص السيدة العجوز فكرًا الشابة مظهرًا فبدت تجسيدًا حيًا للنظام العالمى الجديد ذلك الطرح المختفى وراء الإطار الصوفى/الدينى المتجدد الخطاب فى حين نجح سداسى البائسين الثلاث فتيات والثلاثة شباب فى تجسيد لا جدوى وجود الورد فى أرض بور فهم المستسلمون للخطة الخامسة للهروب من الواقع إلى الأمر الواقع. التكية بطولة (إسراء حمدى/الشيخة - أشرف بدوى/سليمان - مصطفى غانم/راشد - أحمد عاطف/عامر - محمد عيد/تيمور - خالد أشرف/جمال - ميرنا محمد/زينب - أمارة عصام/ليزا - أحمد سيد/خالد - راشيل باسم/حبيبه - أدهم وليد/الملثم - عبدالله محمد/يحيى - تقى ممدوح/الطفلة) (المريدون: إسلام أحمد - عبدالرحمن صلاح - لمياء غانم - هايدى هدية - مصطفى هاشم - ريهام حسين - أحمد مدحت - سلمى شاهين - وريموندا بولس - زياد أحمد - كيرلس ميشيل - مادونا مدحت - مصطفى محمد - عبدالرحمن عثمان) مخرج منفذ مصطفى عبدالبصير - مساعد مخرج أشرف محمد بدوى - مادة فيلمية أبانوب سلامة - ديكور وملابس مصطفى ابراهيم - تنفيذ ملابس ندا سيد - تنفيذ اكسسوارات فاطمه فاخر وولاء قناوى - أشعار دكتور سيد عبدالرازق - إضاءة مايكل يعقوب - تعبير حركى مارك صفوت - موسيقى وألحان رومانى زاخر - تنفيذ موسيقى محمد عبدالعال وأحمد عبدالعظيم - ماكياج كيرلس ظريف وريهام عبدالعظيم - إدارة مسرحية محمد عز ووسام ناصر - إعداد أندرو إسحاق.التكية تأليف محمود محمد سيد - إخراج مارك صفوت.