«أرض النفاق» بين السرد والعرض بجامعة الزقازيق

«أرض النفاق» بين السرد والعرض بجامعة الزقازيق

العدد 935 صدر بتاريخ 28يوليو2025

اتجهت كلية الأداب جامعة الزقازيق فى عرضها المسرحى المشارك فى مهرجان الجامعة للمسرحيات الطويلة لهذا العام الجامعى 2025م إلى مسرحة الرواية؛ حيث اختار مخرجها الشاب الواعد محمد الجندي أن يعتمد فى عرضه على رواية يوسف السباعى “أرض النفاق”، والتى سبق تقديمها فى فيلم سينمائى ناجح ومعوف من بطولة نجم الكوميديا فؤاد المهندس وإخراج فطين عبدالوهاب قبل ما يزيد على نصف قرن وها هم شباب كلية الآداب يقررون العودة إلى الرواية نفسها وتقديمها فى شكل مسرحى كوميدى كما كان الحال فى المعالجة السينمائية، والسؤال هل نجحوا فى تقديم عمل موازٍ أم لم تكن المقارنة المتوقعة فى صالحهم، وقد بدأ العرض بمشهد جميل ومبشر لأب بجوار ولده يبادله أطراف الحديث فى المقعدين الأماميين للسيارة التى يقودها الأب ونفهم من حوارهما أن هذا الطفل بلا أم أى يتيم الأم وبينما يكلم الفتى والده يحدث تصادم للسيارة ويموت على أثرها الأب؛ ليصبح الطفل بلا أبوان ومن هنا ينطلق العرض الذى أعده للمسرح محمود عبدالرازق متجهًا فى إعداده إلى ما يجلب الكوميديا التى ظل صناع العرض يتمسكون بها حتى فى أكثر الأوقات إثارة للحزن والشفقة والتراجيديا، وهو ربما فى ذلك يحاول أنى يحاكى الواقع المؤلم الذى نعيشه رغم كل ما يحيط بنا من صعاب وما يتربص بنا من شرور لذلك يرحل الأب فى حادث سير أليم والناس يتربصون بهم بهواتفهم المحمولة يصورون الحادث دونما أدنى شفقه على القتيل (الأب) أو الجريح (الطفل) الذى من فرط بؤسه لفقد أبوية يحتاج إلى علاج نفسى ثم يهب حياته للبحث عن ترياق يحرر به الناس من حالة اللا مبالاة التى يعيشون فيها، ولذلك كان اكتشافه المهم وتركيبته الخاصة التى ألقاها بالفعل فى مياه الشرب وجاء إلى الشرطة بنفسه لكى يتلقى عقابه المرتقب، ويلتقى بالضابط خفيف الظل الذى قام بدوره فى هذا العرض المرح الطالب أحمد الإسكندرانى الذى يحاول فى المسرحية أن يستوعب الأمر مبدأيًا ليرى نتائج التحول الذى أصاب عموم الناس؛ حيث الموظف المرتشى يقضى أعمال الناس بكل حب وإخلاص ويعيد للراشين رشاويهم ويحرص على الصلاة وهكذا كافة النماذج الفاسدة ما أن يصلها المركب حتى تتحول عن شخصياتها وتودع النفاق وتتحول إلى نموذج صالحة وفى الدراما تحاول الإعلامية الشهيرة (ريهام المذيعة) أن تحقق فى الأمر لكى تحقق نجاحًا إعلاميًا بالوصول إلى النتائج الحقيقية التى تسعى للبحث عنها لكى تتبين مقدار الحقيقة فيما يعلن أو يذاع تذهب إلى جمال عبدالحق صاحب التركيبة والطفل الذى فقد والديه بالأمس القريب وتحاول أن تجرى معه حديثًا جادًا وتحاول أن تعرف ما أودى به الى ما هو فيه من رفض للنفاق.
وبقدر ما يكون رافضًا التحدث معها فى بداية الأمر بقدر ما تستطيع أن تقترب منه وتحصل منه على ما أرادت من معلومات وتتطوع هى نفسها بعدما تبينت الموقف للزود عنه ضد من يحاول التربح من تركيبته الجهنمية واستخدامها فى إفساد المجتمع والحصول على مزيد من الأرباح والمكاسب وهو ما يمثل الشر فى هذه الرواية الكوميدية (رءوف) الذى قام بشخصيته فى صورة شديدة التقليدية عمر نصر الذى أعادنا بأدائه الرصين العتيق إلى الماضى بممثليه القدماء حيث الإيقاع الهادئ إلى حد الملل والرتابة والذى رغم رتابته يمر بسلام؛ لأن إيقاع الدراما لم يكن أكثر قوة فى هذه المنطقة من العرض التى اشتغل فيها الصراع بين الشخص الطيب الذى يمثله “مازن أباظة” الشاب اليتيم والذى يقوم بدور جمال عبد الحق الشباب، بينما يجسد طفولته فتى واعد لم يصل إلى مرحلة الجامعة بعد هو ياسين فكرى الذى كان سفيرًا لطيفًا جدًا لفتيان جيله وكان طفوليا فى أداءه للجزء الخاص به وقد انتظرنا أن يتم المزج بين كلا طرفى الشخصية بأن ينسجما فى لحظة ما ويصبحا واحدًا إلا أن الإخراج لم يستطع الوصول الى هذه الزروة المشهدية بالإضافة إلى وجود فراغ كبير فوق خشبة المسرح؛ بسبب عدم التوازن فى توزيع الشخصيات عليها إذ خلى نصفها الأيمن أغلب الوقت من الممثلين، وفى الأوقات التى كان التوزيع فيه طبيعى كان بعض المشاركين يأتون بحركات تجذب أعين مشاهديهم عن المشهد الحقيقى الأساسى الذى يتم على الجانب الأخر وهو عيب قاتل ينبغى التخلص منه، والعنصر الأفضل على الإطلاق فى هذا العرض الجامعى هو الديكور؛ حيث تفوق شادى قطامش على نفسه وهجر التكوينات البصرية التى اشتهر بها فى كثير من عروضه السابقة ليجعل المنطر المسرحى شديد البياض والبراءة كأنه صفحة نقية فى هذه الرواية الشيقة التى تحارب النفاق وتدعو إلى الصدق والوفاء وقد توافق هذا الفضاء الفاتح الخالى من الملوثات مع الحالة الميزاجية للدراما التى تتجه الى الكوميديا فتخاطب العقل المرموز له فى صفحة الديكور الذى بدى جماله فى خلفية المشهد الافتتاحى حيث السيارة التى يقدها (أمجد الربع) الذى قام بدور الأب فى صغاء ولطف ثم تقدم فى الأداء إلى كائن عصبى إلى حد ما عندما قام بدور الطبيب النفسى فيما كانت الموسيقى أغلبها من الموسيقى والمؤثرات المعروفة والشهيرة التى توافق الموقف، والتى أعدها للعرض مازن أباظة؛ لتكون خلفية جيدة لاستعراضات مبتكرة لوليد المصرى الذى يتألق كلما خاض تجارب أكثر واجتهد فى ابتكار جمل حركية جديدة وهكذا تتحد كل العناصر لتكون دراما مسرحية جيدة لرواية جميلة ومرحة. 


محمود كحيلة