الطليعة والابتكار.. فى السينوغرافيا الرقمية(1)

الطليعة والابتكار.. فى السينوغرافيا الرقمية(1)

العدد 935 صدر بتاريخ 28يوليو2025

ما الوسائط الجديدة؟.. الجديد فى الوسائط الجديد
هو أنت! أيًا ما كنت، إن كنت تستخدمها، فأنت أحدث ما فيها، يمكنك استخدامها والتأثير عليها من خلال تفكير جيلك.. الوسائط الجديدة هو قدرتنا المتزايدة على
التلاعب بالمكان والزمان. إنها لى ست شيئًا، ولا عملا من أعمال التكنولوجيا؛ إنها مفهوم. (داون ستوبى يلو 2018)

المقدمة 
ترويكا رانش Troika Ranch فرقة للفنون المسرحية، أسستها داون ستوبيللو ومارك كونجليو، وتخصصت في عروض الوسائط الرقمية التي يقودها التصميم. وفي سياق الانقطاع الثقافي الذي ولّد ثورة السينوغرافيا الرقمية (الإنترنت)،  يوضع عملهم عند نقطة الصفر.وفترة بحثهم التي يغطيها هذا الفصل هي السنوات الخمس الأولى (1989-1994). وتُفهم هذه المرحلة على أنها لحظة طليعية لهم - استكشاف تجريبي رائد للمجهول يتحدى مؤسسة الفن. وكما ناقشنا، فإن هناك انتقادات حول الإفراط فى استخدام المقارنات بين أداء الوسائط الرقمية والطليعية، لكن فى حالة ترويكا رانش فان هذه المقارنة لا مفر منها.
خلال هذه الفترة، مروا بسلسلة من تجارب الممارسة كبحث عملي تشاركي (PaR)؛ حيث عملوا مع تقنية MidiDancer المصممة خصيصًا من كونجليو - والتي تتكون من أجهزة استشعار بيوفيزيائية وجهاز إرسال لاسلكي - لتتبع الحركة الآلية الحيوية biomechanic. والأعمال التي تم تحليلها هي (الحاجة The Need 1989)، و(مذكرات لمسية Tactile Diaries  1990) و(في الطائرة In Plane 1994). ولا يقدم هذا الفصل تحليلاً متعمقًا لجميع هذه الأعمال؛ بل يركز بدلًا من ذلك بشكل أساسى على عرض “مذكرات لمسية” يستخدمها الآخرون لوضع مساعيهم في سياق البحث العملي التشاركي كسلسلة من التجارب الطليعية. وتسمح النظرة المقطعية لأعمالهم خلال هذه الفترة بفهم أن ترويكا رانش أنتجت سلسلة رائدة من تجارب الأداء حيث وضعوا أنفسهم كمبتكرين، مع إعطاء الأولوية للعملية المنهجية على النتيجة الملموسة. وتعلن  ستوبيللو:
فى عام 1989، عندما بدأنا أنا ومارك العمل لأول مرة مع جهاز Midi Dancer، اتفقنا على أننا سنعمل مع هذا الجهاز لمدة 10 سنوات على الأقل.
ولن نتخلى عنه قبل مرور 10 سنوات، لأنه كان من المستحيل أن نعرف أى شىء عنه قبل ذلك.
يظهر هذا التأمل الثاقب أنهم لم يفهموا فقط أهمية اختراعهم المادي، بل أيضًا فهموا الوقت والجهد اللازمين لتعلم التكنولوجيا، وتسخيرها بخبرة، واستنباط خصائصها، وتحديد الصفات الفريدة والمبتكرة التي يمكن أن تجلبها إلى المسرح.
والهدف من هذا الفصل هو التأكيد على أهمية هذا الأصل الفرعي لأعمالهم في سياق الأصل الشامل الذي يشكل هذا الكتاب. ويساهم هذا النصف الأول من عقد  ممارساتهم بشكل مؤثر في إعادة تعريف السينوغرافيا الشاملة كمجال يشمل اختراع الإعدادات التجريبية؛ حيث تكون الإيماءات والوسائط السمعية والبصرية بمثابة أدوات ونتيجة للتجربة، أي سبب ونتيجة للتكنولوجيا. في الواقع، من العدل أن نقول إن ترويكا رانش تعيد إشعال مفهوم الفنون المسرحية باعتبارها تفكيرًا سينوغرافيًا تجريبيًا، في العصر الرقمي. وهذا أمر بالغ الأهمية لرسم خريطة الأصول في هذا الكتاب.    

الخلفية 
التحقت ستوبييلو وكونيجليو بمعهد كاليفورنيا للفنون (CalArts، 1985-1989)؛ حيث التحقت ستوبييلو بهدف الدراسة مع أعضاء سابقين في فرقة بيلا لوفيتسكي للرقص، وكوينيجليو بهدف أن تصبح ملحنة أفلام. وخلال دراستها هناك، انفتح ذهن ستوبييلو على الاحتمالات المثيرة لكيفية أن يكون الرقص فنًا موسيقيًا قائمًا بذاته. وقد شُجِّعت على استكشاف “أبعد مدى لما كان عليه الرقص” وإعادة تعريف المجال، وهو ما كان بمثابة انحراف مفاهيمي جذري عن دراستها في المدرسة الثانوية. في ذلك الوقت، كان معهد كاليفورنيا للفنون صغيرًا جدًا، ولكن تم تمثيل العديد من التخصصات، لذلك كان هناك شعور عميق بالزمالة والتعاون. تقول: “لقد كان وقتًا مثمرًا للغاية بالنسبة لي لفهم كل الأشياء التي كانت تجري في عالم الفن العملاق هذا، والذي لم أكن أعرف عنه شيئًا”. وخلال السنة الثانية من دراستهما، طُلب منهما حضور فصل دراسي للتأليف الموسيقي حيث تم “اقتران” الملحنين ومصممي الرقصات بشكل عشوائي للعمل على تمرين يقوم على الممارسة. ومنذ ذلك الحين، بدأ تعاون تحول إلى واحدة من الشراكات العظيمة المثمرة في الأداء المعاصر. ومنذ البداية، كان لديهما تقارب من حيث الجماليات والاهتمام بالتأليف الموسيقي؛ أدى تقاطع اهتمام ستوبييلو بدفع حدود الرقص الحديث وسعى كونيجليو لاختراع الآلات الإلكترونية إلى خلق تكامل مثمر.
وقد شجعهم نجاح تمارينهم في السنة الثانية على المزيد من التعاون في مشروع السنة النهائية. كان كونيجليو بالفعل مبرمج كمبيوتر ماهرًا قبل مجيئه إلى معهد كاليفورنيا للفنون، الأمر الذي زوده بمجموعة مهارات “غير عادية” ومبتكرة في الوقت المناسب. وقد كلفه معلمه، مورتون سوبوتنيك (ملحن موسيقى إلكترونية وعضو مؤسس في معهد كاليفورنيا للفنون)، بالفعل ببرمجة برنامج “متابعة النوتة الموسيقية” الآلية الذي يتم تشغيله مع الموسيقيين الحيويين. واستُخدام البرنامج في أداء صوتي بعنوان “ الجوع Hungers” (1987)، من إخراج المخرج والمصور التجريبي إد إمشويلر وتضمن غناءً ممتدًا (1) لجوان لا باربرا. وفي الأداء، استخدمت طبول هوائية AirDrums (ماراكا تعتمد على جهاز MIDI ومجهزة بمقاييس تسارع)، لتشغيل عينات صوتية أثناء الغناء؛ وبالتالي، كان بإمكانها الارتجال بصوتها الخاص. وبعد أن تعرّف على هذا التعاون الطليعي، استلهم كونيجليو أفكاره الخاصة التي تتضمن توصيل راقصة بتكنولوجيا مماثلة للاستشعار  Midisensing technology؛ بحيث يمكن تتبع حركية الحركات، وإرجاعها، ورسمها، وإضفاء الطابع الموسيقي عليها في إطار حي - وكانت ستوبييلو هي الرائدة. إذ انخرطت بحماس مع كونيجليو في هذه المغامرة في مناطق غير معروفة من صناعة الفن، وهكذا بدأت فترة من التجارب العملية التشاركية التي بلغت ذروتها في النهاية، ربما، في أول عرض رقص تفاعلي رقمي حي(2)، وهو عرض “الحاجة The Need”.

عرض الحاجة (1989)
 كان عرض الحاجة The Need مشروعًا كبيرًا في السنة النهائية، يتألف من تعاون مع طلاب مختلفين،(3) استخدموا فيها الفيديو والموسيقى الحية والمسجلة وتصميم الرقصات والكلمات المنطوقة والعناصر المسرحية. وكان نتيجة لطموحات الفنانين في ترك انطباع على عالم الفن في بداية تخرجهم وتجسيدًا للأجواء التعاونية التي رعاها معهد كاليفورنيا للفنون. ومن أجل خلق أجواء غامرة، تمت إزالة المقاعد من المسرح . وتم تقديمها بشكل دائري. وكان العرض يتألف بشكل أساسي من تصميم رقصات وموسيقى شكلية محددة مسبقًا؛ وكان تصميم الرقصات التفاعلي لستوبييلو وكونيجليو حصريًا للمشهد النهائي، والذى استمر لمدة حوالى ثلاث دقائق ونصف.

الهوامش
1- تتضمن تقنية الغناء الممتد إدراج وخلط الأصوات البديلة غير المغناة، مثل الكلام المنطوق، والطرق، والصوت العالي، والأصوات الحنجرية، والهتاف، والزئير، والصراخ، والهدير، واستنشاق الهيليوم، بالإضافة إلى الأصوات غير الصوتية مثل التصفيق، والدوس، وخلط الأقدام أو التعزيز الكهربائي/الإلكتروني الاصطناعي .
2- في عام 1975، أنتجت بيلا لويتزكي عرضًا “تفاعليًا” بعنوان V.C.O. (مذبذب التحكم في الجهد)، باستخدام أجهزة إرسال راديو تناظرية مثبتة على أطراف العديد من الراقصين. كانت الحلقات الافتتاحية تتألف من عازفين منفردين يؤكدون على “جزء واحد من الجسم ... بما في ذلك الكاحل والكوع والركبة والمعصم والكتف... وبعد ذلك قام راقصون آخرون بأداء اختلافات حيث اتسعت العبارات الأساسية إلى حركات للجسم بالكامل” (جيه أندرسون 1979). وفي عام 1969، ظهر مشروع “Scanimate” للي هاريسون، وهو سلف لتقنية MoCap، في البرنامج التلفزيوني المنكوب Turn-On (سميث 2017).
3- مارك كونيجليو (موسيقى وراقصة ميدي دانسر)، داون ستوبييلو (تصميم الرقصات)، إيلان إيجلاند (تصميم الرقصات)، بيتر سيدلر (تصميم الديكور)، ستين رودستروم (النص)، كاثي جاليوتا (فيديو)، بيتسي هيرست (إضاءة)، ميريديث أليكس (أزياء).


ترجمة أحمد عبد الفتاح