رؤية فى نسق الحرب ومآلاتها.. من خلال مسرحية (أشياء تحدث) للكاتب البريطانى ديفيد هير

رؤية فى نسق الحرب ومآلاتها..  من خلال مسرحية (أشياء تحدث) للكاتب البريطانى ديفيد هير

العدد 953 صدر بتاريخ 1ديسمبر2025

إن ما جرى فى العراق عام 2003 يمثل أزمة لاعتبارات عدة أولها إن الأزمة لها تأثيرات عنيفة وقوية خلال وبعد وقوعها، ولها مضاعفات وخسائر مالية وبشرية، فضلًا عن خلق أجواء من الرعب والذعر والصدمات النفسية لدى الشعب الذى تم مهاجمته، وأن الأزمة السياسية إن لم تحل وتعالج فأنها تتفاقم كما حصل بعد حرب 2003، ناهيك عن أن جو الأزمة يخلق نتيجة لوجود ندرة وعدم دقة فى المعلومات فضلًا عن استنزاف الموارد البشرية والمالية وثقل الأعباء ونتائجها السلبية فيما بعد، فيمارس المتسبب فى الأزمة عدة ضغوطات لتصعيد الأزمة وزيادة حدتها وكل هذا جرى فى العراق، إذ تمثل الحرب على العراق أزمة سياسية دولية، وذلك عبر استخدام عدة أدوات لإدارة هذه الأزمة ومنها الأداة السياسية عبر محاولة تجنب أطراف النزاع خسائر المواجهة العسكرية وتأتى الإدارة لهذه الأزمة عبر الوساطات والمساعى الدبلوماسية والمفاوضات، والأداة الأخرى هى العسكرية، والتى تضم استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، أما الأداة الاقتصادية للتعاطى مع هذه الأزمة فتضم سلسلة إجراءات منها المقاطعة والحظر الاقتصادى، وأخيرًا الأداة الإعلامية عبر توظيف وسائل الإعلام لترسيخ صورة معينة عن طرف الأزمة الآخر، والأزمة التى شهدها العراق عام 2003 ضمت استخدام أمريكا لجميع هذه الوسائل وهو الذى شكل خطورة على أبناء هذا البلد وبلدان المنطقة العربية برمتها، وفى الوقت ذاته فان الحرب على العراق تمثل من جانبها الآخر أزمة اجتماعية لان الحرب العسكرية تمثل أزمة راهنة للأمن الاجتماعى، فالعدوان العسكرى يعد تهديد واضح للسلم والأمن الدولى والداخلى، لأنه يصاحب مصادر تهديد أخرى مثل: الجريمة المنظمة، الإرهاب، التلوثات البيئية، الجوع والفقر والتخلف، لذا سعى الكاتب المسرحى البريطانى (ديفيد هير) فى هذا النص (أشياء تحدث) لتضخيم الآثار الاجتماعية والسياسية التى تسببت بها هذه الحرب، وهو الكاتب الموقفى الذى يتبنى من خلال خطاباته الفكرية (فى متن نصوصه المسرحية)، مناقشة وكشف الانحرافات والأزمات فى المفصل السياسى الغربى، خاصة معاداته الواضحة للأصولية الأمريكية وحقبة اجتياح العراق فهو قدم النتائج البشعة لهذه الأزمة (حرب احتلال العراق 2003) بطريقة (المعلومات الدقيقة مع شىء بسيط من رؤية الكاتب وخياله)، فقد عالج ديفيد هير فى هذه المسرحية الأزمة السياسية من خلال مناقشة قضية متلامسة مع الواقع الاجتماعى والاقتصادى تفرزها ظروف معينة، فالمسرحية تتحول لإداة تعبئة للإرادة، وتمثل المسرحية وفقا لرؤيتها السياسية وظيفة إصلاحية إذ تتخذ شكل استبدال نظرية بأخرى، وكذلك تذهب باتجاه الأيدولوجيات المتصارعة داخل اطار الأزمة، وتحقيق الوعى للجماهير بتحول أفكار النص لوعى المتلقى للمشغل السياسى الأهم (القضية التى تدور حولها الأزمة) إذ تأخذ أحيانًا شكل التنفيس وأحيانا الشحن، فلم يقدم المؤلف رسالة تفسيرية للأزمة وحسب بل محاولة التغيير من خلال تقديم معالجات فكرية لأسلوب الحكم وشكله وحقوق الإنسان، إذ يمارس الكاتب لهذا النص وفقا لهذه الرؤية دور المثقف العضوى بخطاب يبين خلاله عمق الوعى باللعبة السياسية وخطاب يعكس الفوضى لدى أصحاب القرار ( الجانب المصنع للأزمة/أمريكا وحلفاؤها) وقد استلهم عنوان هذه المسرحية من إحدى تصريحات (وزير الدفاع الأمريكي دونالد هنرى رامسفيلد) حينما سأله أحد الصحفيين عن الفوضى التى خلفتها أزمة حرب 2003 على العراق، كاشفًا عن اتخاذ جانب أمريكا إلى ما يسمى بالدبلوماسية القسرية أي استراتيجية التفاوض من خلال التلويح باستخدام القوة على الطرف الآخر لتنفيذ المطالب: ((صحفى: ما ردك يا سيادة الوزير على أخبار السلب والنهب فى بغداد؟ رامسفيلد: رأيت الصور، هذه الصورة رأيتها وأنا يمكننى التقاط صور من أية مدينة فى أمريكا، فكروا فيما حدث فى مدننا حين وقعت فيها مشكلات، وأعمال شغب ونهب، تلك أشياء تحدث.. فهؤلاء الذين يسلبون وينهبون يعرفون ماذا يفعلون يعرفون انهم يرتكبون عملًا شنيعًا عملًا قذرًا وهو نتيجة للحرية فالشعب الحر حر فى القيام بأخطائه وارتكاب جرائم وأفعال سيئة، أيضًا هو حر فى أن يعيش حياته)) يتبين فى مفتتح المسرحية جوهر الحرية السلبية التى تسهم بتهديم البلد، والتى تأتى عبر المحتل فى رؤية ما بعد كولونيالية يقدمها المؤلف إلى نتائج اشتعال أزمة سياسية تفضى إلى حالة الحرب، وهذا تبرير للفوضى التى خلفوها أن الكاتب يشير إلى أن عمليات الاحتلال التى تأتى بهذه الطريقة إنما تفضى إلى هذه الفوضى والدمار والسرقات وتهديم المؤسسات، كما أن هناك تضارب المصالح، عدم استيعاب المعلومات بدقة، الشائعات، استعراض القوى، الإدارة العشوائية، الاطماع، كلها أسباب نشوب الأزمات، وهى ما وقعت بالتحديد فى الأزمة السياسية التى تحولت لحرب عام 2003 على العراق والتى يشير لها بدقة الكاتب البريطانى ديفيد هير، وفى ثيمة التركيز على (الصحافة) فى تقديم المعطيات ومراحل تطور الأزمة ابتداء من التفاوض وصولًا لقرار الحرب وحتى ما بعد الأزمة اذ يتخذ الكاتب هذا الأسلوب بوصف حالة الظهور أمام وسائل الاعلام والتصريح بإمكانية السيطرة على الأوضاع العامة والتصدى لها كأحد أساليب إدارة الأزمات وهذا ما كانت تفعله الإدارة الأمريكية لإيهام جمهورها بسيطرتها على الموقف من الإرهاب، واسترجاع حقوق (أمنها وشعبها) بإشعال فتيل أزمة احتلال العراق بوصف نظامه حاضن للإرهاب حسب ادعاءات الطرف الآخر من الأزمة (أمريكا وحلفاؤها)، كما أن المؤلف يستدعى أزمة سياسية أخرى تحولت إلى حالة حرب، وهى الحرب على فيتنام 1975، ثم استعراض الأزمة الفلسطينية المستمرة مع الكيان الصهيونى، فمن خلال ما تقدم يبدو أن السياسة الأمريكية كانت تخطط للتعامل مع أزماتها فى الشرق الأوسط بصورتها الشمولية ومنها شن الحروب، بخاصة حينما يصلون لمصادر القرار، أنهم يستدعون أزمات تاريخية (للإفادة منها) فى قراراتهم الحالية (آنذاك) فى سبيل البحث عن ظروف مشابهة لمعالجة مسألة الإطاحة بنظام الدكتاتور صدام حسين، ظهر بوش مع بعض السمات التى أكدها المؤلف ديفيد هير فى هذه المسرحية والتى استدعاها من خطاباته إزاء ما يجرى من أزمة اتخاذ قرار الحرب على العراق، فكان يستخدم المفردات التى تكشف عن جانبها الايهامى والعاطفى لكسب تأييد الشعوب الغربية وكذلك الشعب الأمريكى على وجه الخصوص، وهذا يدلل على فكرة الحملة الصليبية واضافة الهالة القدسية على قرارتهم لكسب تأييد الشعب لقرار الحرب، وهو ما ظهر فى خطابات بوش خلال هذه المسرحية وفى واقع الأزمة بالذات، من خلال استخدام مفردات (الخطة الإلهية) وغيرها.كما يكشف المؤلف احد أسباب أزمة الحرب هذه من خلال كذبة وجود أسلحة الدمار الشامل وهو ما اعترفت به بعد ذلك الإدارة الأمريكية: ((رايس: عندما نحلل المنطقة بدقة سنجد الخطر الحقيقى يأتى من زعزعة استقرارها . تنيت: ها هى الصورة. رايس: ومن أين سياتى الخطر؟ سياتى من صدام حسين.. تنيت: أمامنا خطة سكة حديدة وقضبان ركزوا النظر وسترون عربات البضاعة قادمة رامفسيلد: أرى العربات. تنيت: ومبرد المياه، الصورة التقطتها طائرة استطلاع محتواها نوع من الحبيبات الغريبة.. هذا يبدو كمعمل ينتج مواد كيمائية واما مواد بيولوجية لصناعة الأسلحة)) إن المعلومات المضللة، تبدو فى هذه المسرحية نقطة شروع فى انطلاق الأزمة الحقيقية على اعتبار أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها كانوا يعتمدون على تقارير ومعلومات مضللة، كما يكشف ذلك هير فى هذه المسرحية، وبالتالى أن اصطفاف المعلومات المضللة مع الشائعات والضغوطات التى كانت تعانى منها الإدارة الأمريكية جراء أحداث 11 سبتمبر كلها أوقعتها بهذه الفوضى والذهاب نحو التصعيد للأزمة، بحيث أوقعها بجملة من التناقضات أمام المجتمع الدولى دفعت ثمنه فيما بعد. إن من مهام كسب الأطراف المحايدة قبل اندلاع الأزمات هو السعى لإظهار الطرف الثانى من الأزمة بانه هو السبب الحقيقى لافتعال هذه الأزمة وليس العكس، وهذا ما يتمثل فى خطابات أمريكا وربط رئيس النظام العراقى السابق صدام حسين بالإرهاب والقاعدة للتصعيد من الموقف التأييدى واتخاذ الخطوات المقبلة لكسب الحرب والإطاحة بهذه الأزمة وأن تميل الكفة إلى صالحهم، وبالتالى تخلصهم حتى من أزماتهم الداخلية التى كانوا يعانون منها، عبر توجيه الأنظار كلها إلى ما يجرى فى حرب العراق وحسب. ((الصحفى: بلد يئن تحت حكم دكتاتور وشعبه مضطهد أخيرًا تحرر البلد من طغيان استمر 25 سنة، الشعب حر، وهو يمشى فى الشوارع أخيرًا هو حر حين يدلى بصوته، كم هو فاحش كم هو منحط أن توجه أنظاركم ليس إلى الحاضر ليس إلى التحرير ليس إلى الشعب المحرر بل إلى مناقشة مجردة من الرحمة وبلغة عفا عليها الزمن للطريقة التى بها التحرير هل كانت غير مشروعة أو كانت غير ذلك، كيف تمت ؟ ما تفاصيل تنفيذها؟ صدام حسين هاجم كل جيرانه.. تصوروا لو كان بينكم دكتاتور فى أوروبا يقمع شعبه ويهاجم جيرانه ويقتل نصف مليون من شعبه دون تهمة، هل تتصورون حقًا كيف سيكون شعور المجتمع الدولى، وهو يدفعنا دفعًا إلى النهوض قوة واحدة للإطاحة بهذا المسىء))، كما كان المؤلف يصر على الربط بين أحداث 11 سبتمبر والحرب على أفغانستان والعراق ومن ضمنها إشارات إلى مواقف بوش وردات فعله بعد أحداث تفجير مركز التجارة العالمى، مع إرادة إدارة بوش التغطية على فشلها بأحداث تفجيرات مراكز التجارة، بافتعال حرب تصرف الأنظار عن الإرهاب الحقيقى بحجة مخالفة العراق لقرار الأمم المتحدة 1441، وهى إدارة أزمة عبر مفهوم (الإدارة بالأزمات) أى افتعال أزمة لصرف الأنظار عما جرى لأمريكا فى اهتزاز كبير لوضعها الداخلى وبيان هشاشة نظامها الامنى فقد جاء فى المسرحية، فقد حاولت الإدارة الأمريكية التغطية على فشلها بالسيطرة على الإرهاب والقبض على قادته لذا ربطت رموز الإرهاب هؤلاء خاصة منفذى أحداث 11 سبتمبر مع النظام العراقى مع تقديم صورة مزيفة للرأى العام مفادها بأن القضاء على النظام العراقى فى ذلك يعنى القضاء على كل حاضنات الإرهاب بحيث يقدم الكاتب رؤية مغايرة لهذا الفهم الأمريكى للأزمة بالإشارة إلى أن ما يحصل العكس وهو زيادة قواعد الإرهاب فى المنطقة بعد هذه الحرب بعد أن أصبحت بعض المناطق بيئات وحواضن إيجابية للجماعات الإرهابية التى تستهدف أمريكا والشعب العراقى معًا وتحت عناوين مختلفة ابتداءً فى فلول النظام السابق ومن ثم القاعدة وداعش والجماعات المسلحة الإرهابية المختلفة. وفى الوقت ذاته يستعرض الكاتب الموقف العراقى (طرف الأزمة الأخرى) بشىء من الخطاب القومى إزاء الهيمنة الإمبريالية، والذى يؤكد (موقف أمريكا) المعلن للمجتمع الدولى إزاء النظام العراقى آنذاك وهذا ما يجىء فى حوارات المتحدث العراقى عبر التلفاز فديفيد هير هنا أدان كذلك طريقة إدارة ملف الأزمة السياسية من قبل الجانب العراقى المتمثل بالرئيس السابق (الدكتاتور صدام حسين)، والذى كانت وظيفته تحتم عليه عدم إخضاع بلده إلى مشكلات داخلية ودولية، فهو لم يدر الأزمة بصورتها الأمثل مما أوصل شعبه إلى إقصى درجات الأزمة والمأساة، إذا أشار إلى انعكاسات الأزمة السياسية على الجوانب الأمنية والاقتصادية فى العراق، وبالتالى قيادة البلد بأكمله إلى حالة من الفوضى والدمار الشامل فضلًا عن الخسارات المادية والبشرية. إن لغة الخطاب التى تتعلق بأزمة الأمن القومى للبلدان الغربية والأمريكية تركزت طيلة المفاوضات ذلك بأن الجانب الأمريكى كان يبعث برسائل مفادها أن (توفير الأمن لأمريكا وأوروبا/ بمقابل انتزاع سلطة صدام حسين بالقوة) والعكس (أى ترك نظام صدام وشأنه) يمثل أزمة حقيقية بانتشار الهجمات الإرهابية التى تؤثر على الامن القومى لهذه البلدان، اذ ان الأزمات السياسية تحتاج إلى وعى وذكاء وحنكة فى ادارتها لذا المؤلف كان دائما ما يوسم قادة الحرب (بالغباء)، كذلك يجب أن تكون هناك رؤية واضحة (لأسباب وقوع الأزمة/ المسببات الرئيسة لازمة الحرب) والتى يسعى الكاتب لتفكيكها: ((العراقى المنفى: كم عراقيا قتلوا؟ كم من المدنيين، لم يعطونا أرقامًا، قتلانا بلا عدد، عارضنا صدام حسين اكثرنا عارضه لأنه اذى شعبنا، وايا من كان يؤذى العراقيين الأبرياء فأنا أحمل نحوه الشعور نفسه واعارضه وسوف أعارضه، القصد.. الكلمة التى تعبر عما نحن فيه إن العراق تم صلبه بخطايا صدام بعشر سنوات من العقوبات الدولية، ثم بما يفعلونه الآن بالعراق، هذه فى الأساس قصة أمة فشلت فى شىء واحد وهذا الشىء خطيئة كبرى، فشلت فى حمل مسؤولية نفسها بنفسها، الخلاصة أن أسوأ رجل فى البلد هو الذى تولى المسئولية وإلى أن تتولى هذه الأمة مسئولية نفسها فستظل تقاسى)) ((العراقى المنفى: العراقيون قالوا لى قل لأمريكا ما فعلته بنا، فقلت لهم: إنتم تضعون ثقتكم فى الجانب الخطأ، لا تتوقعوا من أمريكا أو غيرها أن يفعلوا شيئًا لكم نيابة عنكم، إذ لم تفعلوا ما تريدون بأنفسكم، فلا بد أن يجرى ما جرى لكم))، وفعلًا جرت للعراق الأزمات تلو الأخرى، لأن البلد اعتمد على الجهة الخطأ، فقط لأن العراق لم يحسن إدارة وضعه الداخلى ولا الخارجى، جرت الأزمات لان العراق لم يتحمل مسئولياته ورضخ للأمر الواقع، ولم يحاول التغيير أولا عبر السكوت على نظام فاشٍ دكتاتورى (على المستوى الداخلى للأزمة) وثانيًا عبر (المستوى الخارجى للأزمة/الذى يمثل الجانب الخطأ أمريكا وحلفائها)، وهو يقدم رؤية مستقبلية تنبؤية تشى بحقيقة أن الأزمة ستستمر ما لم يقرر الشعب مصيره بنفسه، ويتولى مسئولية نفسه فإنه سيبقى (يقاسى الأزمة) و(يستمر مستوى جريان الأزمة وتبعاتها)، وهو ما حصل بالتأكيد فيما بعد منذ لحظة كتابة المسرحية وحتى الآن، ذلك إن إدارة الأزمات السياسية تكمن فى عملية إنقاذ الحكومة والدولة من الصعوبات والمخاطر والمشكلات التى تواجهها والعمل على إيجاد الحلول لكل المشكلات وصلاتها الاجتماعية وفى الأوقات المناسبة قبل فوات الأوان وتفاقم وزيادة حدة الأزمة، فمن خلال إدارة الأزمة السياسية بالتنبؤ بالمخاطر المحتملة الحدوث يمكن إيجاد رؤية للحل لمواجهة هذه الأزمة والقضاء عليها، لذا تتمثل الأزمة ومراحلها فى نص (أشياء تحدث) لديفيد هير عبر مرحلة (الميلاد/تفكير وتخطيط أمريكا بالحرب) (مرحلة النضوج/اتخاذ القرار) (مرحلة ما بعد الأزمة/بعد الحرب) ما بعد الأزمة تركز على (الدروس المستفادة) طرحها الكاتب من خلال شخصية (العراقى المنفى) فى حوارات الختام. إن الأزمة التى دارت حولها فصول ومشاهد المسرحية تمثل بعدًا سياسيًا واضحًا تتبين ملامحه عبر التصعيد للوصول إلى حالة الحرب ذلك إن الأزمة السياسية فى البلد تدخل ضمنها أزمات عدة ومنها أزمة الحروب، وهو ما دارت حوله الفكرة الرئيسية لهذه المسرحية، إذ إن اشتعال أزمة الحرب خلف (أزمات سياسية، واقتصادية، واجتماعية) كان لها انعكاساتها الواضحة على شكل البلد وأزمات المواطنين على المدى، وهو ما كان يشير له المؤلف ويعده من الأزمات الجوهرية التى خلفتها السياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، إن تحليل عناصر الأزمة من خلال تحليل أسباب التوتر على أساس المعلومات المتوافرة، وتحليل طبيعة الخطر الناتج عن هذه الأزمة وتبعاتها، وتحليل النتائج بشكل موضوعى ومحايد واستخلاص الدروس والإيحاء إلى أطراف الأزمة بضرورة أن تعيد قراءة الوقائع قراءة موضوعية غير محرفة، كله قدمه المؤلف فى هذا النص، كما أشار إلى أن الشعوب التى لها احتياجات اساسية غير متاحة ممكن هزيمتها بسهولة بمعنى قراءة دقيقة لعوامل (البيئة الداخلية والخارجية) للعراق وهشاشة الوضع، فعدم رضا الشعب على حكومته أيضًا يسهم بتأجيج الأزمة وتصاعدها، فإن الأزمات المعاصرة تحولت من شكلها المغلق إلى المفتوح أى باتت تتحول من الواقع إلى خليط من تأثيرات الواقع والفكر معًا، كما أن مواجهة الأزمة وإدارتها فى الخطاب المسرحى لا يختلف كثيرًا عن المواجهة والإدارة للأزمة من خلال الفكر السياسى، وهنا تكمن أهمية المسرح فى إدارته للأزمات من خلال ملاحقة الواقع وتحليل جذور أزماته وإبعادها والعمل على تجاوزها وتقديم الرؤية الواضحة للتعاطى معها، وهو ما سعى لتكريسه كاتب المسرحية البريطانى (ديفيد هير)، والذى مارس عبر خطابه الفكرى الدور الإصلاحى فى التعاطى مع أزمة العراق مع تفكيك خطابات الغرب قبل وأثناء وبعد الأزمة وتبيان أبعادها وتأثيراتها المستقبلية، مع الإشارة إلى سبل الخلاص من هذه الأزمة. وفى الختام أقول إن ديفيد هير فى مسرحيته (أشياء تحدث) كشف عن زيف المعلومات والادعاءات التى قدمتها أمريكا لتشن حربها على العراق، وبالتالى سعيه لتفكيك حقيقة الأزمة وحقيقة (قرار الحرب)، وقدم سيناريوهات ورؤية تنبؤية عما سيجرى فى العراق من أزمات بحال بقاء الشعب على الإيمان بالجهة الخطأ التى يرغبون أن تخلصهم من أزماتهم. كما أن الكاتب فى هذه المسرحية أكد مرحلة ما بعد الأزمة وهى وجود من يقود الدولة المحتلة بعد انهيارها، كما أن أسلوب رسم السيناريوهات لإدارة الأزمة أحد أهم الأساليب المتبعة فى الأزمات الدولية خلال مسرحية (أشياء تحدث)، وهذا هو الدور الحقيقى للكاتب المسرحى ألا وهو تقديم رؤية استشرافية للمستقبل.


حيدر الأسدي - ناقد وأكاديمي ( العراق )