مكفوفي الزقازيق بحري يشخصون (الثعلب والحنطة) لنصار عبد الله

مكفوفي الزقازيق بحري   يشخصون (الثعلب والحنطة) لنصار عبد الله

العدد 871 صدر بتاريخ 6مايو2024

علي مسرح مديرية التربية والتعليم بالشرقية بمدينة الزقازيق قدم طلبة وطالبات مدرسة النور للمكفوفين وضعاف البصر عرضا لمسرحية شعرية ملحمية شديدة الروعة من تأليف شاعر الصعيد «نصار عبد الله» أحد أهم أدباء الجنوب كما وصفه أديب نوبل «نجيب محفوظ» والمسرحية حملت عنوان «الثعلب لا يأكل حنطة» وهو عنوان يجعلها تخاطب الأطفال بشكل تلقائي ومباشر إلا أنها رغم بساطة المضمون تنطوي على عمق  وتقدم رسالة تتجاوز هذا التصنيف عندما يتأملها اليافعين والكبار إذ نجد أنفسنا أمام نص حمال أوجه يناقش موضوع يتعلق بالمحبة والتسامح والسلام في هيئة حكاية اتخذت من ملحمية بريخت طريقا لمعالجة مسرحية جيدة ارتكزت علي جملة محورية تناثرت في جنبات العرض حيث كررها الطلاب المشاركين في العرض كفواصل ينتقلون بها بين المكان والزمان في مختلف مشاهد العرض فيقولون (يحكى أن .. أن غزالاً .. كان صديقاً لخروفين) وقد عزف مدربا ومخرجا العرض «عماد الطوخي» و»محمد أبوبكر» علي أنغام هذه العبارة فكان الطلاب في أدائهم السردي يعكسون الحالة التي تتجدد مع العرض وتختلف بحسب المواقف فكانت نبرة الصوت تعكس حالة الفرح عندما كان الغزال والخراف في حالة طيبة والأحوال مستقرة وكل شيء بخير وتتحول النبرة إلي الحزن وغيره من الحالات مع تتحول الأحوال.  
وفي العرض يتواضع الغزال وهو الحيوان المميز سريع الحركة قريب إلي قلب الأسد الذي يعشق بدوره لحم هذا الحيوان خفيف الحركة صعب المنال ويصادق هذا الغزال الخراف لأن بينهما عنصر مشترك هو الطعام النباتي طعام الضعفاء الأبرياء الأنقياء وفي المسرحية في ظل فيضان الماء وكثرة الخيرات يتمتع الأصدقاء بالمرعي والمشرب ولكن علي حد تعبير العرض (حين يجف النهر ..  يضيق الرزق على الجنبين .. يقتسمون دموع العين) ولا يبقي بينهم إلا الحب الذي لن يشفع لهم 
أمام جوع الأسد ملك الغابة الذي أضناه الجوع والذي شخصه بوعي وفهم «محمد راضي» الذي لجأ إلى الثعلب يسأله التدبير فيفكر الثعلب الذي جسد مكره ودهاؤه «عبدالله محمود» أن يستخدم الحنطة وهي قمح لا زال بسنبلة كان قد سرقه من عش البطة عندما أراد أن يأكلها ولم يجدها ففكر ألا يغادر عشها خالي الوفاض وقد عيره الأسد بذلك التصرف الذي اعتبره أحمق لأن الثعلب لا يأكل النباتات فيرد عليه الثعلب بقوله: (وحياتك يا مولاي ستأكل لحماً .. سأجيئ إليك بلحم غزالٍ وخروفين) 
هكذا ارتبطت الأحداث ببعضها وينتقل الثعلب إلى حيث يسكن الغزال والخروفين فيقتحم عالمهم الطيب المسالم وبيده «الحنطة» يقدمها لهم كهدية من الأسد بصفته ملك الغابة المسئول يوفر الرعاية والعناية لرعاياه ولا ينسي أن يشملهم ببعض الهمسات والنصائح والتوجيهات التي من أهمها أن يأكلوا الحنطة على فترات ليحافظوا عليها لكي تكفيهم مدة أطول حتي تمر هذه الأزمة، وهم ولأنهم يعرفون قيمة هذه الحبوب في ظل قسوة الجوع يقبلون الهدية ويشكروا ألد الأعداء على هذا العطاء الذي لم يكن إلا طعم، وبعد مرور خمسة أيام عاد الثعلب كي يكمل تدبيره فزرع بذور الشك وأوقع الأصدقاء في الفخ فاشتبك الرفاق من أجل (الحنطة) وتراشق من كانوا خلالا بالكلمات ومن بعد الكلمات النطحات ومن بعد النطحات اللكمات وينتهي الأمر بتدخل
 «الحمار» الذي دفعه الثعلب إلي التدخل ممنيا إياه بالمجد والمركز المرموق والحنطة فيذهب الحمار إلى الأصدقاء المتعاركون وينصحهم أن يتجهوا بشكواهم إلى ملك الغابة وعند الملك كان عدل الغابة نهاية مأساوية ساخرة تدعو إلي التفكر والتدبر والتأمل كي نخلص إلي توعية ملحمية شديدة الروعة أمتعنا بها نخبة من الطلاب المبصرين وهم «ولاء محمد» و»أمل عماد» و«محمد منصور» و«عبير مخيمر» الذين أظهروا فهما جيدا للمسرح الملحمي الذي توسلوا به في تقديم هذه التجربة المسرحية المدرسية في ظل قسوة الظروف الاقتصادية وندرة عناصر الإنتاج شاهدنا عرضا ممتعا من الألف إلي الياء يعتمد علي العنصر البشري من دون ديكور وعلي خلفية موسيقية معدة من مقاطع عالمية لبتوهفن من التراث الموسيقي العالمي بلا حقوق ملكية فكرية معتمدا علي الإنارة التي يعتمدها المسرح البريختي من دون الحاجة إلي قيود أنظمة الإضاءة وفي الختام أقول أننا شاهدنا من طلاب مدرسة النور الواقعة بالزقازيق بحري عرضا مدرسيا نموذجيا يستحق كل الاحترام والتقدير.
 


محمود كحيلة