الست زينات «الأرتيست»

الست زينات «الأرتيست»

العدد 876 صدر بتاريخ 10يونيو2024

حين قررت دخول العرض المسرحي «الأرتيست” كنت أتوقع بانطباعي المسبق عن عروض السِيَر عرضا عادي فنياً يكتفي باستعراض أهم المحطات الفنية للفنانة المحبوبة «زينات صدقي» كنوع من النوستالجيا الفنية، ولكني فوجئت بعرض متكامل فنياً كسر كل توقعاتي المسبقة، فلم يقف العرض عند حدود سرد سيرة حياة لكنه حلَّق في سماوات أكثر رحابة من خلال لحظة منتقاه بحس فني وإنساني مُرهَف، لحظة خاصة جدا وبسيطة جدا لكنها تمثل تفجيراً لأزمة وقضية بل قضايا إنسانية وإجتماعية عامة كبرى.
فنانة لها تاريخها الفني وإسمها الرنان في تاريخ السينما المصرية حين تُدعى لحفل تكريمها لمشوارها الفني الطويل من قِبل رئاسة الجمهورية بعد سنوات من التجاهل فلاتجد لديها فستاناً واحداً يليق بالمناسبة !! تلك كانت اللحظة المُفجرة لرحلة غَوْص في أعماقها النفسية، تقف طويلا أمام دولاب ملابسها فتنهال الذكريات عليها «وعلينا» تجلدها «وتجلدنا» تداويها «وتداوينا»، تتذكر سياط المجتمع الذي سخر من أحلامها ووصمها وحاصرها فاحتمت بفنها لتداوي جروح الزمن وتحتضن الأمل في جيل جديد تورِّثهم إحترام الفن والدفاع عن أحلامهم، فالفن كالحلم كالأمل يبعث الحياة في الروح.
يتماس النص المسرحي «الأرتيست” مع نص «أغنية التم» او «أغنية البجعة» للكاتب الروسي العظيم أنطون تشيخوف من حيث الموقف الدرامي المرتكز على لحظة إنسانية مؤثرة في فنان «تم ركنه على الرف» في نهاية مشواره الفني فتُفجر بداخله سيلاً من الذكريات لمشوار حياته، مع إختلاف المعالجة الدرامية والقالب الفني واختلاف المضامين والمعاني بين النصين، ونص “أغنية التم” لتشيخوف له معالجات كثيرة سواء عالمية او محلية لكن نص «الأرتيست” رغم تشابه موقف الإنطلاق مع نص تشيخوف لكنه حَلّق بعيدا في سماوات رحبة وأكثر خصوصية بمجتمعنا، وتعمّد مؤلف نص الأرتيست أن تبدأ الأحداث من أحلام الجيل الجديد الممثل للأمل والحلم والمواجهة فيصبح هو الهدف الموضوعي والمعنى المقصود بالنص المسرحي رغم أن النص يتمحور دراميا حول شخصية زينات لكنه يتجاوزها إلى معنى أعم وأوسع بقوة بنائه الدرامي فتعمد ألا يذكر إسمها كاملا بشكل مباشر طوال العرض لتوسيع نطاق مضمونه ومعناه بشكل عام فلم يقف عند حدود السيرة الذاتية للفنانة المحبوبة زينات صدقي.
إرتكز العرض المسرحي «الأرتيست” في المقام الأول على النص المكتوب بوعي فني كبير فإصطياد لحظة إنسانية ثرية ولا محدودة الدلالة كمُفجر للحالة الدرامية هو إنتقاء ذكي من المؤلف فكانت ككرة الثلج المتناهية الصِغَر كلما تحركت تضخمت بشكل متدرج وسلس دراميا فنجد أنفسنا متورطين في قضايا أعمق وأهم من أزمة “ماعنديش فستان عِدِل أحضر بيه الحفلة !!»، فمفارقة النص هنا أننا أمام «مأساة» ممثلة «كوميدية».
إستخدم النص المسرحي تكنيك «الإسترجاع الزمني - الفلاش باك» في العديد من المواضع بل أنه أحيانا إستخدمه بشكل مركب عن طريق الفلاش باك من فلاش باك (من ذكرياتها مع الخياط إلى ذكرياتها وأحلامها مع أخيها في منزل العائلة) ورغم خطورة هذا التكنيك على إيقاع أي عمل درامي فهو سلاح ذو حدين في العموم لكن في عرض «الأرتيست” لم يتأثر الإيقاع سلباً بل على العكس كانت لحظات الفلاش باك ذات أثر إيجابي يشحذ إيقاع العرض وذلك لعدة أسباب أولاً لوجود مبرر ودافع درامي قوي لكل لحظة إسترجاع زمني يجعلها ضرورة درامية منطقية فكان إختيار مواضع الفلاش باك مرتبطا نفسيا وموضوعيا بالموقف الدرامي في كل مشهد، وثانيا لنعومة الإنتقال إلى الفلاش باك بكل سلاسة فنية وساعد في ذلك كون المخرج هو نفسه المؤلف (محمد زكي) (وشاركته في التأليف: اسماء السيد) فكان على وعي (إخراجياً) بضرورة هذه النعومة في الإنتقال بين الزمنين كي لايشوشر على حالة التداعي النفسي الذاتي بإسترسال وإنسيابية لشخصية «زينات» فتوارى المخرج خلف خطوات النص متتبعاً آثاره باحثا ومؤكداً لمقاصد النص الفنية والموضوعية بأقصر الطرق وأبسطها وهو مايحسب له إخراجياً لعدم إنسياقه لإغراءات الإبهار أو الفزلكة الإخراجية التي بالتأكيد كانت ستشوشر على حالة الإسترسال النفسي الناعم للعرض، وثالثا لقوة البناء والتطور الدرامي وتأسيس وتجذير الشخصيات الرئيسية في النص خصوصا شخصية زينات فرسم أبعادها المادية والنفسية والإجتماعية بتفاصيل قوية ودقيقة درامياً مبتعداَ عن المعلومات الفنية العامة المعروفة للجميع عن الفنانة «زينات صدقي» فتحول العرض من مسار السيرة الذاتية إلى مسار درامي فني حُر جاءت معظم أحداثه وشخصياته وحبكاته من خيال الكاتب وإبداعه مما أعطى لحظات الفلاش باك حرية درامية فولدت طاقة إيجابية على العرض المسرحي.
ظلت الدراما في النص المسرحي تتأرجح زمنيا بين لحظات الحاضر وبين ذكريات الماضي في توازٍ درامي بين الزمنين، ولكن النص المسرحي إستخدم أيضا تكنيك المسار الدرامي الدائري من خلال تكرار نفس المسار بين الأجيال، الجيل الاول (زينات وأخوها وأبوها) وهو نفس المسار الذي ألقى بظلاله على الجيل التالي (أخو زينات مع أبنائه) فأصبح أخوها صداً لصوت أبيه وأعاد إنتاج نفس القيم الإجتماعية الجامدة المحاصِرة لأحلام أبنائه بعد أن كان صغيرا يدافع عن أحلام أخته زينات فيصفع إبنه مكرراً نفس الصفعة التي تلقاها من أبيه قديما ومكررا لنفس منطق أبيه وبذكاء من الكاتب/المخرج  تتجسد الصفعتان على المسرح في نفس التوقيت فيتقاطع الزمنان ويتصادمان في لحظة كاشفة ومُعَرية وفاضحة لهذه القيم الجامدة من جيل لجيل كأنها تقاوم الزمن ولاتعترف به، وهذا المسار الدائري المتكرر يخلق رنيناً نفسيا داخل المتلقي وتأثيرا تكعيبيا من خلال إستكمال المتلقي لإمتداد نفس المسار بخلق مسار دائري ثالث مشابه في خياله فيسقط الاحداث والمعاني على نفسه وعلى حياته الشخصية لذا نجد الكثير من الفنانين «وغير الفنانين» الذين حضروا العرض تأثروا نفسيا به “أحيانا لدرجة البكاء» لتقاطعه مع معاناتهم الشخصية مع المجتمع في الدفاع عن أحلامهم، وهذا التحرر من التتابع الزمني الطبيعي في النص والتقدم في مسارين دائريين ثم تصادمهما في نقطة ذروة متفجرة وقوة بناء الشخصيات الدرامية وإبداع الممثلين في أدائها بوعي فني لطبيعة الحالة المسرحية كل هذه العوامل ولدت طاقة دفع درامي أضفت حيويتها على إيقاع العرض وجعلت التدفق الدرامي قويا وجاذبا ومتفاعلا مع المتلقي ومؤثرا فيه وجدانياً.
إستخدم النص المسرحي ثيمة الفقد بأشكال متنوعة في محاولة لإكتشاف معنى الفقد الحقيقي ..هل هو الفقد المادي والجسدي؟ أم أن الفقد الحقيقي هو فقد الروح إذا تخلت عن أحلامها؟ فزينات فقدت بيت الأسرة بالهروب حين حاولوا وأد حلمها وإيمانها بفنها .. فقدت زواجها مرتين حين حاصرها الزوج وخيّرَها بينه وبين الفن .. فقدت أخيها المدافع عنها وشريكها في الحلم حين إنكسر أمام صفعة والده .. فقدت صديقتها ورفيقة أحلامها الفنية وتوأم روحها بالموت .. فقدت الأضواء وانعزلت في منزلها لتجاهل تاريخها الفني .. فقدت السفرجي والخادمة لفقرها .. فقدت حتى فساتينها القديمة القيمة فلم تجد فستانا واحداً يليق بحفل تكريمها .. ضاقت عليها المساحات وفقدتها فلم يبقَ لها سوى مساحة كرسيها الهزاز الذي يُؤرجِح ويُهَدهِد الروح أمام شاشة التليفزيون والراديو لكنها وسط كل هذا الفقد المادي لم تفقد ذكريات أفلامها القديمة امام شاشة التليفزيون، ولم تفقد صوت الست أم كلثوم القادم من الراديو والعابر للزمان والمكان، ولم تفقد روح رفيقة مشوارها واحلامها رغم غيابها جسديا بالموت فمازالت روحها تأتيها وتشاركها لحظاتها وتشاكسها وتلجأ إليها ومازالت تشور عليها في كل مشكلة وتحتمي بها، لم تفقد حتى خياطها القديم الذي يتعامل مع الفنانين بإيمان داخلي أنه فنان «أرتيست”، ومازالا السفرجي والخادمة يزورانها ويستمتعان معها بأدائها لمقاطع من أدوارها القديمة كنافذة تطل على روحها، ولم تفقد الأمل في جيل جديد متمثلا في توريث أبناء أخيها معني التمسك بأحلامهما الفنية والحياتية والدفاع عنها فحمتهما وإحتمت بهما، في النهاية لم تفقد روحها المتشبثة بفنها وظلت تتنفسه لتحيا به رغم كل هذا الفقد المادي، فالفقد والموت ليسا بالجسد أو بخسارة الأشياء والأشخاص وإنما الفقد والموت حين تُفقَدُ أو تموت أحلام الروح في جسد على قيد الحياة فتخسر نفسك.
أستهدف المخرج تكثيف الحالات الشعورية الوجدانية بالمشاهِد للحفاظ على حالة الإسترسال والتدفق في السرد المسرحي مقتفياً آثار النص المسرحي ومرتكزا على قوة الأداء التمثيلي للشخصيات فوظف كافة العناصر الإخراجية لخدمة هذا الهدف دون شوشرة، فانتهج العرض المنهج الواقعي بملمح تعبيري - نفسي وإنعكس ذلك في الحركة المسرحية البسيطة الدالة نفسيا وتعبيريا وفي السينوغرافيا الهادئة الموحية الملتزمة والمُكَثِّفة للحالات الشعورية لكل مشهد، فكانت الإضاءة “أبو بكر الشريف” مابين إنارة الحاضر الواقعي والغوص في بؤر منتقاة من أعماق الماضي التعبيري لتكثيف الحالات النفسية للشخصيات وتأكيد خصوصية كل مساحة على خشبة المسرح فكانت أحيانا تتشكل حدود الإضاءة على شكل قطعة الديكور الساقطة عليها في تأكيد بصري على إرتباطهما، وفي نقلة درامية قوية دالة على مدى توافق الإضاءة مع خصوصية مساحات الديكور حين فتحت زينات دولاب ملابسها فإنبعث منه ضوء مصوب تجاه الجمهور فتحول الدولاب إلى مايشبه «صندوق الدنيا» أو «آلة عرض سينمائي» فظهرت زينات ظِلاً سينمائياً أمامنا ترى ونرى معها ذكرياتها كفيلم سينمائي يلقي بظلاله على وجوهنا، تلك الخصوصية لكل مساحة في الفراغ المسرحي أكدها أيضا مصمم الديكور”فادي فوكيه” الذي إعتمد على ديكور ثابت في موقع/لوكيشن واحد واقعي «منزل الست زينات» وسُلَّمِه وسُطوحِه وأختزل هذا المنزل في “بلوكات” جدارية طولية بها “براوزير” بعضها به صور حبيسة بداخله دلت على الأُطر الإجتماعية المحاصرة لأرواحهم، وفي تفصيلة ذكية ومبدعة من مصمم الديكور جعل الضلع العلوي لهذه البلوكات الحجرية منحنيا متموجا كأنه واصل للسحاب فمن هذه الحجارة الراسخة الجامدة تنبت الأحلام لتطاول آفاق السماء، وصالة بها أريكة وكرسي هزاز أمام شاشة تليفزيون وراديو وغرفة نوم ودولاب،  ديكور واقعي شكلا ثابت جامد لكنه متعدد الجسور والنوافذ المفتوحة على العالم النفسي والروحي بذكرياته وأحلامه المرتبطة به، فكل مساحة في المنزل تنقلنا إلى مكان وزمان آخرين فتارة نصبح في بيت الأسرة القديم (سرير معلق فوقه صورة الأب) وتارة ننتقل إلى مَحَل الخياط في الحارة الشعبية وتارة إلى أضواء السينما والشهرة والفساتين المتراصة في الدولاب وتارة إلى حياة الشارع وصعلكة الفنانين مع رفيقة دربها وإلى الملاهي الليلية والكباريهات والرقص وإلى لبنان، تمت كل هذه الإنتقالات الزمانية والمكانية دون تحريك قطعة ديكور واحدة من مكانها، مجرد فتح باب أو ستارة مع تركيز بؤر ضوئية تختزل وتنتقل في المكان والزمان وهو ما يؤكد قصدية المخرج وكافة عناصر العرض للحرص على نعومة النقلات الدرامية لتكثيف المعنى بعدم الشوشرة على حالة التدفق الدرامي للحوار والاداء التمثيلي وللعرض عموما، وهذا الملمح الفني السينوغرافي هو أيضا معادل فني لمعنى أن الحياة والفقد والموت ليسوا بالبعد المادي، فالمنزل هو المنزل بجدرانه المادية الثابتة الساكنة الجامدة لكنه يحمل في أركانه وجنباته نوافذاً ومساحات تنبعث منها الروح كي تتنفس الفن والأحلام والأمل.
جاء الأداء التمثيلي في صدارة العرض المسرحي وهو المُرتَكَز الرئيسي للرؤية الإخراجية بعد النص المسرحي الذي فتح آفاق التمثيل وحَوّل مساره من حدود تقليد الفنانة «زينات صدقي» إلى آفاق أدائية تمثيلية شديدة الثراء والدلالة وشديدة التحرر لأن النص في الأساس تحرر من قالب السيرة الذاتية، فكانت لزمات زينات صدقي الصوتية والإنفعالية والجسدية مجرد مُتّكأ فني عَفَوي وليس هدفاً مقصوداً في التمثيل لكنه ظهر بحكم تأثر الممثلة المسبق بروح الفنانة زينات صدقي فإمتزج مع المعنى الإنساني الأوسع والأكثر حرية ورحابة، فجاء أداء الفنانة المبدعة «هايدي عبد الخالق» لايستهدف تقليد زينات صدقي ولايقف فنيا عند هذا السقف إنما مستحضرا ومعايشا لروحها معبراً عن كل المعاني الإنسانية العامة التي حمَّلها وضَمَّنها المؤلف من خلال قوة وحرية بناء شخصيتها في النص، وهنا لابد من الوقوف بالتأمل والتحليل عند نقطة توافق وهارمونية أسلوب الأداء التمثيلي مع الرؤية الإخراجية ومع أهداف النص المسرحي ومع باقي عناصر العرض المسرحي في قصدية إستهداف روح المعنى العام للعرض وليس الإنحصار في حدود التوثيق أو التقليد لشخصية فنية وإن كانت ثرية في حد ذاتها لكنها لم تكن سقف العرض المسرحي، وبالطبع أصعب عنصر للوصول لهذا المستوى هو صعوبة تمثيل شخصية محفورة في ذاكرتنا الشخصية ووجداننا وفارضة نفسها بلزماتها الشهيرة المحبوبة فالإنفلات من سطوة هذه الشخصية على الممثل وفي نفس الوقت الحفاظ على القدر الكافي من ملامحها الشكلية”التي تعمًد الماكيير»إسلام عباس» عدم مطابقة شكل الفنانة مع شكل زينات صدقي وملامحها الجسدية والصوتية والإنفعالية الدالة عليها وهو ما يستلزم أولا وعياً فنياً عالياً وثانيا تدريباً فنياً مرهق نفسياً للممثل «وممتع في نفس الوقت» هو أمر أشبه بالمشي على الحبل في توازن وثبات بميزان شديد الحساسية فإستحق أداؤها التمثيلي كل التقدير والإشادة لأنها وصلت بأدائها لهذه الشخصية لمرتبة عالية المستوى وعياً ومجهوداً وموهبةَ.
وكذلك ظهرت قوة بناء شخصيات البطولة الثانية وتأسيسها القوي في النص وبالتالي فتحت مساحات ثرية وقوية للأداء التمثيلي، مثل رفيقة رحلتها وصديقتها خيرية (فاطمة عادل) ومشوار كفاحهما وأحلامهما معاً وأبن اخيها (محمود الغندور) وحبيبته (ياسمين عمر) وأحلامهما وأخيها (إبراهيم الألفي وإيهاب بكير) وهي أكثر شخصية مركبة في النص من حيث التحول إلى النقيض في موقفه من الداعم إلى القامع والذي ظهر بإقتدار في أداء (إيهاب بكير)، وبنت أخيها (مارتينا هاني) فحتى الشخصيات الثانوية رُسمَت بعناية شديدة كُل على قدر إحتياج الدراما، مثل الخياط (احمد الجوهري) والسفرجي( محمود حلواني) والخادمة ( ريم مدحت) والأب ( ياسر أبو العينين) والبواب (عبد العزيز العناني) والأم (فيولا عادل) وهم مجموعة من الفنانين الموهوبين بإحترافية عالية لديهم من الوعي الكافي أن يدركوا دلالات الشخصيات وطبيعة الحالة المسرحية التي يدورون في فلكها فكانوا من أهم مرتكزات العرض وقوة دفع فني أكدت وعبرت بصدق وبساطة فنية عن تلك الشخصيات ودلالاتها.
وجاء تصميم الأزياء (أميرة صابر– محمد ريان) ملتزما بالفترة الزمنية للأحداث ومعبرا في ألوانه عن دلالات المواقف والشخصيات، حتى تصميم الدعاية (احمد الجوهري) إلتزم في إبداعه الواعي بالمقومات التشكيلية لأساليب دعاية أفيشات هذه الفترة سواء في بنية التصميم أو في ألوانه وموشيا ببعض دلالات الشخصيات النفسية.
نجح عرض «الأرتيست” في تحقيق مستوي فني ممتع وقوي دراميا في توافق وإنصهار شديد بين كافة عناصره الفنية وفق رؤية إخراجية واعية، إرتكازا وإنطلاقا من نص مسرحي محكم البناء ثَرِي إنسانياً قبل فنياً، يتطور دراميا بقوة وحساسية مرهفة وأداء تمثيلي مُبدع ومتنوع وغاية في الرقي والوعي الفني والإمتاع الجماهيري وفي أجواء سينوغرافية (بصرياً وصوتياُ)عالية الحرفية والإبداع حاملا لمضامين ومعانٍ قيمية وروحية شديدة الأهمية نحن أحوَج إليها نفسياً وفكرياً في ظل أفكار وأعراف إجتماعية رجعية متحجرة مازالت راسخة على أحلامنا وأرواحنا، عرض مسرحي إستطاع أن ينفض تراب الإهمال المتراكم على قيم الصدق والحب والفن والإيمان بالأحلام في زمن سادت فيه الرقمنة وحسابات المكاسب المادية على حساب القيم والمعاني الروحية، عرض يمس القلب فيستحوذ على الوجدان فيحرك العقل فننتشي من فرط المتعة.


أيمن غالى