«الطـاحـونة الحمـراء» نقلة عالمية لمسرح الثقافة الجماهيرية

«الطـاحـونة الحمـراء»   نقلة عالمية لمسرح الثقافة الجماهيرية

العدد 878 صدر بتاريخ 24يونيو2024

هي قصة بنحكي فيها كل يوم ..
حب .. غيرة .. كُره .. شوق ..
بس إيه ممكن يدوم ؟! ..
الوقوع ف الحب خيبة ..
منها مش ممكن نقوم ..
شاركت فرقة القاهرة المسرحية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، بالعرض المسرحى «الطاحونة الحمراء» «Moulin rouge»، من إنتاج الإدارة العامة للمسرح التابعة للإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان تامر عبدالمنعم، قصة باز لورمان، صياغة مسرحية أحمد حسن البنا ودراماتورج وأشعار أحمد زيدان، ورؤية موسيقية وتأليف موسيقي زياد هجرس، وإخراج حسام التوني، في المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية الـ46، وبتلك الكلمات الثائرة من إحدى أغنيات العرض المسرحى للشاعر الكبير احمد زيدان، وبأربع أبيات موجزة وعبقرية لخص لنا من خلالها حال طاحونة الحياة، وما يدور فى رحاها من صراعات الخير والشر أمام بعضهم البعض، صراع الحب والكراهية الذى ينتهى به المطاف فى النهاية بالفناء، عندما يأتى الموت موعدا للجميع من أصحاب النفوس الخيرة والشريرة سيان لا يفرق بين أحدا منهم، معلنا بأن الحب بالرغم من كل ما يحويه من مشاعر نقاء وإيثار وتضحية، إلا انه يعد ضعفا قياسا بعالم شرير قاسى من حوله لا يعرف سوى قانون المادة ولغة الغيرة والخيانة والغدر وحب الامتلاك، ولا يسمح فيه بأية مشاعر أو أخلاقيات نبيلة تتنافى مع مبادئه ومصالحه وكل شعاراته المادية الطاغية، بل انه يطحنها ويحاربها بكل قوة وضراوة، ولا تثيره فى ذلك أية شفقة أو رحمة أو هوادة . 
«الطاحونة الحمراء» هى استنساخ مسرحى لفيلم أجنبي أسترالي أمريكي يدعى «Moulin rouge»، وهو فيلم رومانسى موسيقى استعراضي عالمي تم إنتاجه في عام 2001، إنتاج وتأليف وإخراج الأسترالي باز لورمان وشاركه في السيناريو كريج بيرس، من بطولة نيكول كيدمان، إيوان ماكجريجور، جون ليجويزامو، جيم برودبنت، جاري ماكدونالد، جاسيك كومان .. وآخرون .
و تدور قصة الفيلم حول الشاعر البريطاني كريستيان الذى يتوجه إلى مدينة باريس، بهدف الانخراط في الثورة الفنية البوهيمية هناك والتعرف على عالم المخدرات وفتيات الليل المثير، يجد كريستيان ضالته في ملهى الطاحونة الحمراء، حيث يجتمع الأثرياء والفقراء من أجل الاستمتاع بمشاهدة أجمل راقصات باريس، يقع كريستيان في حب الراقصة ساتين التي ينافسه على قلبها مدير المكان المعروف بالدوق، ويساعده في ذلك مجموعة من الغجر مقابل ان يعد لهم عرضا موسيقيا يشاركوها فيه البطولة بالطاحونة الحمراء، ووسط هذا العالم الغريب يحاول كرستيان وساتين التغلب على الظروف والانتصار لحبهما، بينما يستخدم الدوق كل الأساليب الممكنة ليفرق بينهما، ويأبى الموت أن تنتهى قصة حبهما بالنهاية السعيدة، فيصيبها مرض عضال يسلب روحها وهى بين أحضان حبيبها، لتستمر الطاحونة الحمراء في الدوران دون توقف . 
والصراع هنا بالعمل الفنى أيا كان نوعه مسرح أو سينما، هو صراع ما بين طبقتين إلا وهم طبقة الكادحين المكافحين من اجل تحقيق آمالهم وأحلامهم، وطبقة أصحاب النفوذ والسلطة والمال الذين لا يمنحون إلا بمقابل ولمن يدفع أكثر كما هو الحال في المزاد، ويصنعون نجاحاتهم وثرواتهم على حساب الفقراء، وهو صراع أزلي موجود على مر العصور، على مستوى العالم أجمع سواء على المستوى الشخصى أو المجتمعى أو على مستوى السياسات بين الدول العظمى ودول العالم الثالث . 
لذا النظرة السطحية هنا للعمل الفنى على أنها مجرد قصة حب ما بين شاعر حالم طموح وعاهرة تبيع نفسها لمن يدفع أكثر، هي نظرة مرفوضة لما للعمل من رسائل وأبعاد وإسقاطات عظيمة على مختلف الأمور المحيطة من حولنا فنيا ومهنيا ومجتمعيا وسياسيا، حتى اسم الطاحونة الحمراء ليس مجرد اسم لملهى ليلى بل أن له دوافع أخرى غير مباشرة، فأحلامنا وطموحاتنا جميعا نسعى إليها وسط طاحونة الحياة ودوامتها، بما نواجه فيها من عقبات وصعوبات وأعداء للنجاح يسعون دوما إلى تصدير لنا كل فشل وإحباط وهزائم .
وفي النسخة المصرية من الطاحونة الحمراء، قام أحمد حسن البنا بعمل الصياغة المسرحية من الفيلم والتى التزم فيها المؤلف بنسخة الفيلم الأجنبى من حيث القصة والشخصيات، وأن كنت أتمنى أن تنتهى النسخة المسرحية ببارقة أمل تتفرد وتختلف بها عن النسخة السينمائية بعيدا عن السوداوية التى لازمت الفيلم حتى نهايته، كما قام الشاعر والدراماتورجى احمد زيدان بالإتفاق مع كلا من الملحن والمخرج، بالعمل على الحذف والإضافة سواء بالمشاهد الدرامية أو بتحويل الحوار العادى للبعض منها إلى لغة موسيقية غنائية، وحقيقة من الصعوبة الشديدة أن تقوم بتحويل فيلم إلى عمل مسرحى غنائى استعراضي ويلاقى كل ذاك النجاح المنقطع النظير الذى رأيناه ولمسناه بأنفسنا، ولكن بسبب كم الجهد والمشقة التى بذلها كلا من أحمد البنا واحمد زيدان بالتعاون مع الملحن زياد هجرس والمخرج حسام التونى، من اجل الوصول إلى نص مسرحى محكم ومنضبط ذو ايقاع مسرحى سريع ومتوازن، لم يشعر أحد من جمهور المتلقى بأية فوارق كتابية أو درامية ما بين الفيلم والمسرحية، حتى العرض المسرحى نفسه تم اخراجه برؤية سينمائية قائمة على عنصرى الإبهار البصرى والسمعى، من خلال الأغانى والإستعراضات والألحان مع الاضاءة والديكور والملابس، لينتجوا لنا في النهاية عرض ميوزيكال مسرحى عالمي استثنائى في تاريخ قصور الثقافة، أتوقع أن يحصدون به أغلب جوائز المهرجان وعلى رأسها جائزة افضل عرض مسرحى بكلا من المهرجان الختامى لفرق الأقاليم والمهرجان القومى للمسرح المصرى في دورته القادمة 2024، دورة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب . 
نجح التونى مخرج العرض في اختيار كل ممثلى عرضه المسرحى بعناية فائقة على مستوى كل الوجوه وبما يتناسب مع الطبيعة المصرية، وابرزهم كلا من رحاب حسن بطلة العرض وصاحبة الوجه الحالم، من قامت بدور «ساتين» تلك الفتاة العاهرة التى تخضع لقوانين الطاحونة الحمراء القاسية، التى لا تعرف الحب وتبيع جسدها لمن يدفع اكثر حتى تقع في الحب بالفعل ولكن بعد فوات الآوان وبعد أن يصيبها مرض عضال يؤدى بها في النهاية إلى الموت، وقد استطاعت رحاب أن تتوحد مع دورها بشكل كامل بل تمكنت ايضا بحرفية شديدة في التعبير بإتقان عن حالتى التحول من حالة العشوائية واللامبالاة إلى حالة الحب والعشق وخفة الظل والاقبال على الحياة، وكذا تعبيرها عن بدء تسرب المرض تدريجيا إليها حتى وصوله إلى اعلى مراحله، فلم تنسى أن تعبر طوال احداث العرض بتركيز وبذكاء شديد بين الحين والآخر سواء بعينيها أو بإشارات جسدية واهنة عن تطور المرض لديها بدون أن تعلم أنها مريضة، كما عبرت بمصداقية عن مشهد الموت في ختام العرض المسرحى، كما أنها تتميز برشاقة ومرونة جسدية عالية جعلتها تتألق استعراضيا ايضا بنفس تألقها في الآداء التمثيلى، اضافة إلى صوتها الأوبرالى المتفرد الذى كان له الفضل الأول في اختيارها لتلك الشخصية 
كما أمتك ايضا محمود متولى في دور «كريس» كاريزما مسرحية وجسد ممشوق وآداء رومانسى سواء غنائى أو تمثيلى، كل ذلك جعل منه فنان شامل على خشبة المسرح ومقنع في دور العاشق الولهان، اضافة إلى الكيميا التى جمعت بينه وبين رحاب حسن كممثلة، مما جعل منهم ثنائى حب ناجح ومفضل لقلب جمهور المتلقى، كما الثنائيات الرومانسية الناجحة في الأفلام المصرية في الستينات والسبعينات . 
أما عن شخصية «شارل» ذلك الشخص القواد الذى يفتقد لأية مبادئ أو رحمة، ولا يسعى إلا وراء المال والنفوذ والذى قام بآدائه الممثل محمد أمين، ذاك الممثل المخضرم صاحب الآداء المبهر والذى اتوقع له المنافسة بقوة على جائزة أحسن ممثل بالمهرجان الختامى، فقد وصلت درجة توحده مع الدور إلى نسبة الكمال، حيث استطاع أن يمسك بزمام الشخصية ويسيطر عليها من بدايتها إلى نهايتها وبكل مراحل تطورها، دون أن تصدر منه أية هفوة أو فقدان للتركيز أو خروج عن روح الشخصية، مستخدما لكل ادواته الفنية والروحية والجسدية في التعبير المتقن عن تلك الشخصية الشريرة غنائيا وتمثيليا وحركيا بشكل متقن وبارع . 
أما عن شخصية «ماريا» تلك الفتاة التى كانت لها تجربة فاشلة في الحب سببت لها العديد من امراض الحقد والنقص، والتى قامت بآدائها الممثلة «مريم جبريل» بحرفية فائقة خاصة في مشهد جلد وتعذيب شارل لها، كما ساعدها على ذاك التألق أنها تمتلك ملامح انثوية تحمل البعدين الرومانسى والغيرة في ذات الوقت . 
أما عن شخصية «الدوق» التى قام بآدائها الممثل ضياء الصادق، تلك الشخصية التى تتصف بحب امتلاك كل شئ يرغبه أو يريده، لذا يصارع كريس هنا من اجل الفوز بساتين ومحاولاته لمنع الحب بينهما، وحقيقة بالرغم من أن التكوين الجسدى للصادق يجعله مناسب للشخصية إلا أن ملامحه كانت تحتاج منه إلى تدريب أكثر على الحدة والشر ليكون اكثر اقناعا، إلا انه في النهاية كان موفقا في دوره إلى حد كبير . 
اما عن شخصية « كارولين « التى قامت بآدائها الممثلة هالة محمود، تلك الفتاة المتمردة على قوانين الطاحونة الحمراء وغير راضية عن كل ما حولها، وتحاول التقرب إلى الله بزيارة الدير سرا من اجل البعد عن تلك الحياة الفاسدة، فقد قامت هالة بآدائها بشكل مقنع إلى حد كبير . 
أما عن رباعى الغجر المبهج «أمنيـة النجــار، محمــد صفــاء، تامــر فــؤاد، عبــد الرحمــن بــوده» فهم بمثابة رمانة ميزان العرض ويمثلان الجانب الكوميدى الوحيد بالمسرحية، حيث استطاع جميعهم بما يتمتعون من طاقة وحركة وخفة ظل لا متناهية، بتصدير البهجة للمتلقى وسط أحداث اتسمت اغلبها بالسوداوية، كما اجاد جميعهم الغناء والاستعراضات بشكل فردى وجماعى، دون أن يطغى أحدهم على الآخر . 
الديكور لنهاد السيد جاء بسيطا دون ادنى تكلف أو تعقيد وبما يتلائم مع زمن الشخصيات، من خلال نموذج اساسى لطاحونة حمراء تتوسط عمق المسرح، وتتحول أجنحتها في إحدى اللوحات إلى رمز للصليب في مشهد الدير، وفي خدعة ناجحة ذات دلالات من المصممة أرادت من خلالها أن تخبرنا بأن الفاصل ما بين الدين والانحراف هو شعرة واحدة، ويحيطها مناضد بكراسى للزبائن بصالة الرقص، وعلى أحد جوانبها يبرز مستوى مرتفع بالملهى يمثل مكان الدوق المفضل الذى يشعر فيه بسموه وعلوه عن الآخرين، كما تتدلى من السوفيتا نجف كلاسيكى من عصر قديم يعطى شكل جمالى للمكان ويعبر عن عالمه، واختيار زمن المسرحية سهل كثيرا من مهمة مصممة الديكور نظرا لإرتفاع تكاليف عناصر الإضاءة الحالية للملاهى الليلية .
أما الملابس لنفس المصممة والتى شاركها فيه بلمساته الساحرة روجيه ميخائيل، فقد جاءت جميعها مبهرة ومتلائمة مع العصر الذى تدور فيه احداث المسرحية، كما تميزت بألوانها التى تتناسب مع طابع العرض الاستعراضى بالإبهار والمتعة البصرية والجمالية .
أما عن أهم ما يميز العرض نظرا لطابعه الإستعراضى، فقد أتقن محمد بحيرى تصميمه للإستعراضات بشكل مبهر، وبالرغم من أنه التزم بالشكل الغربى في تصميمه للرقصات إلا انه لم يسعى إلى تقليد الفيلم بأى شكل من الأشكال بل كان له طابعه الخاص، فجمع في تصميمه للرقصات ما بين الشكل المسرحى والسينمائى، كما نجح في تدريب جميع ممثلى العرض على الرقص الأوروبى بالرغم من تركيبته الصعبة لتلك الفترة الزمنية .
اسهمت إضاءة احمد امين المسرحية في ابراز جماليات الديكور والأزياء والاستعراضات، بل برع أمين في ابراز الآداء التمثيلى لكل ممثلى العرض أيضا من خلال اختياراته المتقنة لزاويا اسقاط الضوء عليهم وكذا الألوان التى تعبر عن الحالة الشعورية لهم، وكان الفضل الأكبر في شعور المتلقى بإنه يشاهد دراما فيلم سينما وليست مسرحية، هي تلك الإضاءة السينمائية التى ابتكرها الموهوب أحمد أمين لطابع العرض المسرحى . 
الأشعار لأحمد زيدان كانت هي أحد أهم عناصر العرض أهمية، نظرا لطابع العرض الغنائى وما يحويه من صعوبة في تحويل لغة الحوار العادية لبعض المشاهد المميزة إلى لغة موسيقية غنائية معبرة عن الحدث المسرحى بقوة واتقان، اضافة إلى براعة زيدان وتنوعه الشعرى ما بين الجد والهزل حسبما يتطلب المشهد
الغنائى المسرحى، وقد استطاع زيدان ان يغزل بكلماته المتفردة في اغانيه ايضا أرق وأعذب خيوط الرومانسية والقهر في ذات الوقت، والتى تعبر عن كل قصة حب مريرة تقف امامها الحقد والغيرة حائلا وسد منيعا ضد نجاحها، كما تميزت اشعاره ايضا بالطابع الفلسفى الذى يحمل العديد من الرموز والإسقاطات الغير مباشرة، لذا أرى من وجهة نظرى النقدية أن أشعار العرض واحدة من أكثر العناصر تأثيرا في المتلقى واسهاما في نجاح العرض المسرحى جنبا إلى جنب مع باقى العناصر الأخرى للعرض . 
كانت فكرة الموسيقى اللايف لزياد هجرس بالإتفاق مع مخرج العرض موفقة وفي محلها تماما، نظرا لأن الأحداث تدور جميعها في ملهى ليلى ومن الطبيعى أن تكون هناك فرقة موسيقية كاملة كخلفية لكل الفقرات الغنائية وكذا الاستعراضية، وبالتالى صار تواجد الفرقة الموسيقية على خشبة المسرح جنبا إلى جنب مع باقى عناصر العرض الأخرى أمر بديهى وجزءا من تكوين العرض المسرحى وليس مقحما عليه أو يمثل إضافة غير ضرورية، وبالإضافة إلى أن الفرقة الموسيقية قد اعطت نوع من المصداقية للوكيشن العرض المسرحى ( الطاحونة الحمراء ) إلا أنها ايضا شكلت عنصر جمالى في الخلفية، كما توائمت الحان زياد هجرس مع فكر الشاعر فعبرت بكل قوة عما ينتاب الحبيبن من حالة شعورية من خلال آدائهم الغنائى، كما عبرت وبنفس القوة ايضا عن الصراع القائم بالعرض ما بين الحب والكراهية والخير والشر من خلال المزج ما بين الموسيقى العاطفية والأوبرالية ، والألحان الكريشندو التصاعدية، لنجد انفسنا أمام ملحن مبدع دارس وعلى دراية وفهم جيد لكل ما تتطلبة مدرسة شعورية في المسرح من الحان متوافقة معها، وتعبر عنها بإيقاع منضبط ومتناغم خاصة لو كانت تلك العروض ذات طابع موسيقى غنائى يتخلله دراما تمثيلية .
 استطاع حسام التونى مخرج العرض المسرحى « الطاحونة الحمراء « أن يقدم لنا عرضا مسرحيا يجمع ما بين قوانين مسرح الدولة المنضبطة وبريق القطاع الخاص وإبهاره وينافسهم، بل ويحدث من خلاله نقلة عالمية بمسرح قصور الثقافة، ولم ابالغ حين وصفتها بالعالمية فهو عرض كل مقوماته وكمال عناصره تؤهله للعرض على مسارح برودواى، لذا اتوقع لذلك العرض أن يصل إلى أبعد نقطة من الممكن أن يتخيلها المسرحيون والأيام ستثبت لنا ذلك، فمثل هذه العروض الاستثنائية لا تتكرر إلا كل بضعة سنوات، ولكن الشئ المختلف بذاك العرض والذى يميزه ويفرقه عن غيره من العروض بمسافات بعيدة من المنافسة، إلا وهي تلك الرؤية الاخراجية لمخرج العرض الممتزجة ما بين المسرح والسينما، بالرغم من أن العرض لم يتعرض من قريب أو بعيد لأي مادة فيلمية، ولكن الرؤية السينمائية هنا جاءت من خلال المتعة البصرية والسمعية المبهرة لعناصر العرض البشرية والمادية، والتى يشعر معها جمهور المتلقى بإنه بداخل دور عرض سينمائية وليست صالة مسرح بإحدى قصور الثقافة ذات الإمكانيات المادية المحدودة، ليثبت لنا التونى بكل ما يملكه من ادوات فنية ذات خصوصية وتفرد وابهار على مستوى الحركة المعبرة والمتناسقة ذات الدلالات ، وايقاع العرض المنضبط البعيد كل البعد عن أية لحظات ملل في ذات الوقت، مع حسن اختياره للنص و فلسفته ولكل عناصر العرض الاخرى مصحوبا بدقته البالغة في استخراج كل ما فيها من ابداع، بأن الغلبة في المسرح لابد وحتما أن تنحاز في النهاية للفكر والرؤية الاخراجية على حساب فقر الإمكانيات المادية . 
 


أشرف فؤاد