كيف تأثر كتاب المسرح المصري بثورة يوليو 52؟

كيف تأثر كتاب المسرح المصري  بثورة يوليو 52؟

العدد 879 صدر بتاريخ 1يوليو2024

تميزت فترة الخمسينيات باقتراب المسرح من قضايا الواقع والتحامه بها، فكان يستوحي الموضوعات من عمق المجتمع وهذه سمة جديدة في النص المسرحي حينها. فكانت الكتابات تعمل على نقد العهود السابقة وفضح عيوبها ومساوئها والأوضاع البالية لما سبق إضافة لتأييد الثورة ومباركة خطواتها وأفكارها ومبادئها، كما كانت تؤكد على تأكيد وزرع مفاهيم الثورة في عقول الناس وإقناعهم بأنها الطريق الأمثل لبناء المجتمع الجديد.
ويرى الناقد/ عبد الغني داود في كتابه «الأداء السياسي في مسرح الستينيات» أن في مسرح الستينيات في مصر اختار الكتاب أن يعملوا من داخل قلب المؤسسات الحاكمة، وأن ينطقوا بلسانها ويروجوا لشعاراتها، وبرروا أخطائها ويلتمسوا العذر لهذه الخطايا والأخطاء، وأن كثير من الكتاب خلط الفن بالسياسة والتسلية بالجدل السياسي، وبسبب الأهداف الدعائية جاءت السياسة رغم أنها لم تكن مطلوبة وتبدو مقحمة. وانشغل هذا المسرح بأن يفرض على متفرجيه قبول قناعات ومعتقدات سياسية معينة.
وعن مدى تأثر كتاب المسرح المصري بالمناخ الثوري واقتناعهم بأهداف الثورة، يوضح الناقد والمؤرخ المسرحي د. عمرو دوارة في مقال بعنوان “جمال عبد الناصر ومسرح الثورة»أن الثورة قد نجحت الثورة في أن توقظ فيهم الإحساس بالقومية والمسئولية والالتزام، فظهر الكاتب المسرحي القادر على استلهام الواقع وربط الفكر بالحياة، والتوغل إلى صميم معترك الأحداث والمتناقضات الاجتماعية. وكان من الطبيعي أن يتأثر كبار كتاب المسرح المصري بالمفاهيم الثورية والتغيرات الجذرية التي حدثت بالمجتمع المصري فشاركوا بالتزامهم  الفكري في تقديم بعض الأعمال المهمة التي تسجل انجازات الثورة وتكشف الفروق الكبيرة بين الماضي والحاضر، وفي مقدمة هؤلاء الرائد المبدع/ توفيق الحكيم الذي قدم مسرحية «الأيدي الناعمة» والذي تعد تجسيدا – غير مباشر - للشعار الذي أطلقته الثورة حول أهمية العمل. ويؤكد أن تلك النصوص المسرحية المهمة لم يكن من الممكن لها أن تحقق نجاحها الفني والجماهيري وتؤتي ثمارها إلا من خلال مناخ ثقافي صحي يتيح لها فرصة الازدهار بدءا من الاختيار الدقيق للقيادات الثقافية الواعية التي تحملت مسئولياتها التاريخية بكل الجدية والأمانة للدفاع عن مبادئ الثورة وفي مقدمتهم مجموعة وزراء الثقافة والإعلام (فتحي رضوان/ ثروت عكاشة/ عبد القادر حاتم/ يوسف السباعي) ومجموعة القيادات الثقافية وفي مقدمتهم الأديب الكبير/ يحيى حقي رئيس مصلحة الفنون ومعه مديري المسرح القومي الأديب/ أحمد حمروش وآمال المرصفي (وكل منهما من الضباط الأحرار المثقفين). 

الميل إلى الواقع وتأكيد نجاح المفهوم الثوري
كانت هناك مسرحيات تناولت الآثار الاجتماعية للثورة والتحولات والتغيرات الاجتماعية  ونقد المجتمع وأفراده وسلوكياته أو منها ما توجه إلى نقد المتغيرات السياسية. منها على سبيل المثال: لسعد الدين وهبة مسرحية «سكة السلامة» ومسرحية «بير السلم» ومسرحية «كوبري الناموس». 
فمثلا في مسرحية «سكة السلامة» التي أخرجها/ سعد أردش عام 1964، وقام ببطولتها: سميحة أيوب، توفيق الدقن، شفيق نور الدين، عبدالمنعم إبراهيم، فؤاد شفيق، وأحمد الجزيري،قام الكاتب/ سعد الدين وهبة فيها بتوجيه النقد لمجتمع ما بعد الثورة برغبة الإخلاص في الحفاظ علي مكاسبه من الانتهازيين فقدم نماذج حية من طوائف مختلفة منها الرأسمالي الوطني، البيروقراطي،  المثقف السلبي ليعكس انتهازية الطبقة المتوسطة. في تلك المسرحية يجد مجموعة مختلفة ومتنوعة من الناس أنفسهم فجأة في الصحراء تائهين لا يعلمون أين هم. نتيجة تعطل الأتوبيس الذي يستقلونه من القاهرة إلى الإسكندرية. فنجد التنوع في الفئات التي ينتمي إليها كل منهم، فمنهم من الفلاحين ومن العمال ومن المثقفين ومن الرأسماليين ومن الطبقة الاجتماعية الجديدة التي يمثلها رئيس مجلس الإدارة، وبقايا الإقطاع متمثلا في زوجة الباشا القديم، وصبي منحرف شاذ، وبين كل هذا تقف سوسو هانم ممثلة من ممثلات الدرجة الثانية يتكالب عليها جميع الركاب وهي لم  تكن مقتنعة بأي منهم فهي ترغب في التخلص من حياتها الضائعة، تخاطب السماء وتبحث عن نجمتها، ورغم ملبسها ومظهرها الخليع، إلا أنها تحمل في قلبها كل معاني النبل والخير والطيبة، وبعد أن  تبدأ بشائر الأمل تظهر في الخلاص من هذا الموقف للجميع ليعود كل إلى حياته بعد أن أعلن كل منهم توبته ورغبته في رضا السماء وتقرير اتخاذ طريق الصلاح والخير، يتراجع كل منهم عن ذلك ويعود لما كان عليه وكأن شيئا لم يحدث، ما عدا سوسو التي تقرر السير في طريق العمال، وهكذا يتضح مغزى الكاتب في الإشارة إلى مصر بهذه الشخصية والتأكيد على أن مصر اختارت طريق الشعب البسيط وطريق التقدم نحو التنمية والصناعة ورقي البلاد بأيدي أبناءه.
أما مسرحية «سقوط الفرعون» لألفريد فرج جاءت أحداث المسرحية ومضمونها عن  سقوط فرعون وضياع الوطن بطموحه العريض، كانت أحداثها تدور في العصر الفرعوني من خلال شخصيتي الفرعون إخناتون وزوجته نفرتيتي، فالفرعون إخناتون يدعو لرسائل التوحيد والمثالية وسياسة السلام المطلق، ويرفض أن يلجأ إلى الحرب، مهما كانت الأسباب، بينما كهنة آمون يرفضون هذه السياسة، ويدعون إلى الحرب، للمحافظة على المستعمرات المصرية في آسيا وإفريقيا. وأرسل الكهنة واحدًا منهم إلى قائد جيش أخناتون ليغريه بالخروج على سياسة فرعون، وتسيير الجيش لقمع المستعمرات، وينجح الكاهن اللبق في مهمته، فيغري القائد بهذه السياسة، بل يغري أيضا زوجة فرعون نفرتيتي بالسياسة نفسها، ويشعر فرعون بهذه المؤامرة، فيأمر بوضع قائده وزوجته في السجن. ولكن القائد لا يلبث أن يهرب من السجن ليقود جيشه إلى الحرب، وكان ذلك إسقاطًا على عبدالناصر الذي كان يتطلع بعد 1956 إلي بناء دولة قومية مترامية الأطراف تقوم علي الوحدة والحرية والعدالة، دون أن يمتلك القوة أو الإمكانيات التي تحقق هذا الطموح أو هذا الهدف النبيل. 
ولكن هذا العمل لم يمر مرور الكرام ولم يقتصر الوضع علي وقف المسرحية، وإنما تخطاه إلي فصل ألفريد فرج من عمله في جريدة الجمهورية التي كانت تخضع لرقابة شديدة باعتبارها جريدة الثورة.
وظهرت أيضا عدة مسرحيات تتحدث عن معاناة الفلاح في المجتمع وحرمانه من إنتاجه والتأكيد على أخلاقياته، للكاتب/ يوسف إدريس مثل مسرحية «جمهورية فرحات» عام 1956م، ومسرحية «ملك القطن» عام 1956م، بعد  العدوان الثلاثي، فجاءت تلك المسرحيات تجاوبا مع الواقع، إضافة لمسرحية اللحظة الحرجة.
فمسرحية «ملك القطن» هي قصة عن الفلاح ومدي استغلال ملاك الأراضي له واعتمادهم علي جهله ومدي تعلق الفلاح بأرضه ومحصوله فهو ليس بمحصول وانما هو صديق له.
أما مسرحية «جمهورية فرحات» فهي تجسيد للإهمال وعدم الاهتمام بالعمل الشكوى من الزمان ومن الناس الجميع مخطئ ولا أحد مظلوم إلا أنا هذا حال فرحات وجمهوريته وبدلا من تلك الجمهورية الكريهة بالنسبة له ينسحب الي جمهورية أخري من نسج خياله.
وفي مسرحية «عيلة الدوغري” لنعمان عاشور على الرغم من أن هذه المسرحية تتسم بغموض خط الصراع الرئيس فيها إلا أن الخطوط الدرامية الفرعية توضح لنا طبيعة الصراع بين القديم والجديد في حياة أسرة مصرية من الطبقة الوسطى. وفيها نجد شخصية سيد التي تمثل معنى التضحية المشوبة بالتواكل والتزهد في مقابل حسن الذي يمثل المعنى العملي للحياة من جانب، ومن جانب آخر نجد مصطفى الذي يمثل المعنى الفردي الأناني. وأبو الرضا شنن الذي يمثل عقلية الاكتناز والرغبة في الوصول والصعود في مقابل ابنه سامي الذي يبحث عن القيم الجديدة من خلال الاكتناز الروحي والفني وليس المادي. والمسرحية تنتهي بانهيار القديم وانهزامه في مقابل انتصار الجديد وازدهاره وتفتحه.
ثم مسرحية «القضية» حيث أراد فيها لطفي الخولي أن ينسج فكرته من خلال فكرتين تتجاذبان المجتمع: الفكرة الاخلاقية التي تعمل على ترميم ما فسد من شئون النظام الاجتماعي والفكرة الثورية التي ترى حتمية التحول الجذري. وكما يقول غالي شكري «وضع الخولي البناء الاجتماعي الجديد وجهاً لوجه مع الواقع الذي صنعته وتصنعه الأجيال القديمة والأجيال الجديدة على السواء. فالواقع مليء بالتناقضات والصراع الحاد».
ففي تلك المسرحية يعالج المؤلف فكرة الصراع بين القديم والجديد على مستوى حلين: الحل الإصلاحي والحل الثوري، أيهما أصلح للتغير ولدفع المجتمع إلى الأمام؟
وتدور الأحداث من خلال أسرتين يجمعهما بيت واحد، أسرة ثابت أفندي عاشور وأسرة مسعود أفندي فهمي، الموظف في إحدى الشركات. ثابت له ابنة اسمها نبيلة طالبة بكلة التجارة، ومسعود له ابن في نهائي الطب اسمه عبده، وعلى الرغم من الشجار الدائم بين الأسرتين والذي يقوم فيه الأستاذ منجد صاحب البيت بدور حمامة السلام بينهما، فإن ثمة تعاطفا ينشأ بين الأجيال الشابة عبده ونبيلة، فيكسران سور التقاليد ويقفزان إلى ما وراء القضبان، وتتطور الأحداث بعد ذلك. والخلاصة يؤكد فيها المؤلف على تراجع القديم وذبوله واضمحلاله في مقابل تفتح الجديد وانتصاره، حيث يندفع الحب والحياة والأمل إلى الأمام في تدفق دائم، ومع هزيمة القديم يتبدى المفهوم الإصلاحي عقيم لا جدوى منه، ويتأكد أن المفهوم الثوري وحده هو الذي يثبت في النهاية وأنه هو الحل الوحيد للتقدم والازدهار.

الإسقاط التراثي في النص المسرحي
من أهم تداعيات ثورة 23 يوليو 1952 هو ظهور الدعوة إلى إيجاد مسرح مصري ومسرح عربي أصيل، وبداية البحث عن الهوية والجذور التراثية في النص المسرحي  بل وفي الشكل المسرحي أيضا. وبالتالي صار المبدعون ينهلون من منابع التراث العربي والشعبي القديم. فظهر هذا التوظيف التراثي واضحا في كتابات ألفريد فرج وتوفيق الحكيم ونجيب سرور وشوقي عبد الحكيم ومحمود دياب ورشاد رشدي. وكانت تلك المرحلة هي مرحلة بحث عن مسرح عربي يحمل الهوية العربية ويعبر عن البيئة العربي ويحمل سمات الإنسان العربي بعاداته وتقاليده وأعرافه وموروثاته الثقافية والدينية والاجتماعية. وعليه كانت محاولة الغوص في التراث مرتبطة بمحاولة فهمه وتفسيره ثم تطويره وإثراءه من خلال إسقاطه على  الواقع السياسي والاجتماعي من خلال أفكار الترميز والإسقاط. نحو العمل على التأثير في أكبر عدد ممكن من المتلقين اعتمادا على أن المواطن العربي والمصري أو الشرقي عموما يدخل في تكوينه النفسي والاجتماعي كل ما هو مرتبط بالجذور. كما انسحب ذلك أيضا على محالة خلق بنية درامية مستمدة من التراث العربي بعيدا عن البنية الدرامية الغربية، فلم تقتصر المسألة على مجرد توظيف الحكاية التراثية وإسقاطها على الواقع.
ومن أهم النتائج في هذا الاتجاه نحو توظيف التراث والاستلهام من التاريخ تستر الكتاب خلف الشخصيات الرمزية والتاريخية والأسطورية بعيدا عن المباشرة والتحريض السياسي والمواجهة للتخفي عن أعين الحكام والملاحقات الأمنية، إضافة أن هذا الأسلوب هو الأمثل في الوصول إلى عقل ومشاعر ومفاهيم المتفرج العربي لضمان وصول الرسالة السياسية من النص بدلا من المباشرة والخطابة التي  قد لا يقتنع بها المتفرج  حتى وإن تحمس لها أثناء عرضها على خشبة المسرح. مما أضفى على المسرح رموزا وألغازا تحتاج لكثير من الفهم والتفسير من قبل المتلقي ومن قبل النقاد والمحللين. مما نتج عنه كما يقول المفكر لويس عوض انصراف الجمهور عن المسرح نتيجة التباعد بينه وبين الشخصيات الخيالية التي رآها ولا تعبر عنه أو عن واقعه وحياته. حيث أن هذا المسرح لم يلبِ متطلبات المشاهد لأنه لم يجسد قضايا واقعية من الناحية الشكلية ولم يجسد شخوصا واقعية حقيقية على الأقل من الناحية الشكلية والمباشرة فانصرف عنه المشاهد.
لقد كان التراث دائمًا نبعًا لإلهام كُتَّاب مسرحيين كثيرين عبر تاريخ المسرح في شتى أنحاء العالم، بل إن الفضل يرجع إلى المسرح في حفظ هذا التراث من الضياع، ولذلك كانت العلاقة بين الدراما والتاريخ والتراث علاقة وثيقة، وأثبت تاريخ المسرح عبر العصور، أن الكُتَّاب الذين يتخذون من التاريخ والتراث مضامين لأعمالهم كانوا في الوقت نفسه يسقطون مفاهيم عصرهم وقيم مجتمعهم من خلال المعالجة الدرامية لهذه المضامين.
وإذا طبقنا الإسقاط التراثي والتاريخي على المسرح المصري المعاصر من خلال ثلاثة أعمال لكتاب مسرحيين مختلفين مثل «السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم التي شهرت في 1959، «اتفرج يا سلام» لرشاد رشدي ظهرت في 1965، و»الزير سالم» لألفريد فرج وظهرت في 1966، سنجد أن هذه الأعمال الثلاثة استعان مؤلفوها بالتاريخ والتراث بدرجات متفاوتة، بل أن التاريخ قد امتزج بالتراث في السلطان الحائر والزير سالم لدرجة أنه يصعب لأي لناقد لفصل بين حدود هذا أو ذاك، وهذا شيء طبيعي إذ أن بطبيعته الفكرية والدرامية الناضجة قادر على أن يصهر في بوتقة العناصر المتفاعلة داخلها بحيث يتعذر الفصل بينهما.
وكانت أهم القضايا التي تناولها الكتاب في هذا الاتجاه قضايا الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وقد حاولت نقد السلطة ونقد الآثار السلبية للممارسات السيئة من قبل بعض رجال الثورة.
ومن هذه النماذج والأمثلة “الزير سالم” و”حلاق بغداد” و”سليمان الحلبي” لألفريد فرج و”الفتى مهران” لعبد الرحمن الشرقاوي، “السلطان الحائر” لتوفيق الحكيم، “اتفرج يا سلام” لرشاد رشدي، “الفرافير” ليوسف إدريس، “مأساة الحلاج” لصلاح عبد الصبور. نعرض لبعض منها هنا:

السلطان الحائر لتوفيق الحكيم
«السلطان الحائر» لتوفيق الحكيم عرضت من إخراج/ فتوح نشاطي عام 1961، وبطولة محمد الدفراوي وسميحة أيوب وفاخر فاخر وملك الجمل وعلى رشدي ومحمد الطوخي وأحمد الجزيري وعبدالمنعم إبراهيم وسعيد أبو بكر ومحمد السبع وهى من أهم أعمال «الحكيم» لا تزال متجددة حيث كتبها منتصراً للديمقراطية والقانون، وتدور أحداثها حول سلطان من سلاطين المماليك علم أن الناس في مدينته يلغطون أنه لم يزل عبداً، وأن سيده السابق لم يعتقه، ولهذا لا يحق له أن يحكم ويكون سلطاناً على الناس قبل أن يُعتق ويصير حرا ويتحيّر السلطان بين استعمال القوة لإسكات الناس (وهذا رأى الوزير)، والاحتكام إلى القانون (وهذا رأى القاضي) والاحتكام إلى القانون يعنى أن يُعرض السلطان في مزاد عام أمام الناس ليشتريه من يشتريه فيعتقه وقرر أن يكون القانون هو الحكم فكان من نصيب غانية سيئة السمعة ووافقت الغانية على شراء السلطان والتوقيع على صك عتقه ويذهب السلطان لبيتها، ويدور حوار يكشف شخصيتيهما، فقد اكتشف السلطان أن الغانية بريئة من تهمة العهر، وما هي إلا امرأة تُحب الأدب والفن، واكتشفت الغانية طيبة السلطان ودماثة خلقه.

اتفرج يا سلام لرشاد رشدي
ونرى فيها على سبيل المثال، وعلى الأخص في مقدمتها، أنها استلهام من قراءة تاريخ مصر، فهي تدور حول واقع مصر التاريخي ومعاناتها من الحكم الأجنبي، وإن كان الشعب المصري قد تحمل من متاعب وآلام سنين طويلة، فليس هذا معناه أنه فقد الروح، فقد كان يبني وينشئ ويدعم كيانه ويقويه متمسكًا بالقيمة الإنسانية العليا.
إن القضية التي يتعرض لها رشاد رشدي هي أن الإنسان إذا باع نفسه بشيء لا يؤمن به فقد خان وجوده وكيانه الإنساني، خان حرية الحس والفكر والعمل التي وهبها الله له، والإنسان إذا بعد أو انفصل عن الحقيقة ولو مرة واحدة، لم يعد في مقدوره أن يسترد ما فقد.
إن رشاد رشدي في مسرحية «اتفرج يا سلام» قد اختار شكلًا مستمدًا من الجذور الأصيلة لمسرحنا، جذور مسرح خيال الظل، لما له من وظيفة تأثيرية على المتلقي. ومعنى ذلك أن رشاد رشدي استغل خيال الظل من خلال التقنية التي ألحت عليه، وهل العدل أو المطالبة بالعدالة الاجتماعية، العدل الذي يجب أن يعود حتى لو كافح الشعب من أجل استرداده مرات ومرات.

الفرافير ليوسف إدريس
عرضت في 1964 تأليف/ يوسف إدريس، وإخراج/ كرم مطاوع. وتدور عن الصراع بين الأسياد والعبيد، السيد ويمثله الفنان توفيق الدقن والعبد أو الفرفور ويمثله الفنان/ عبد السلام محمد، وأنه لابد من وجود سيد وعبد لتنتظم أمور الحياة ولكن دون استعباد وكذلك جعل الله الناس طبقات ليسخر بعضهم بعضا، ولكن المشكلة من يكون السيد ومن يكون الفرفور وشارك في العرض سهير البابلي وتوفيق الدقن وعبدالسلام محمد ورجاء حسين وعبدالرحمن أبو زهرة وعلية الجزيري. وسنعاود الحديث عن تلك المسرحية في الجزء الخاص بالسامر والدعوة إلى مسرح مصري.

مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور
عرضت في 1966 وهى مسرحية شعرية من تأليف الشاعر/ صلاح عبدالصبور، وإخراج/ سمير العصفوري تناول فيها شخصية المنصور بن حسين الحلاج المتصوف الذى عاش في منتصف القرن الثالث للهجرة تتكون المسرحية من فصلين أسماهما عبد الصبور أجزاء الجزء الأول «الكلمة» والجزء الثاني «الموت» وتعد هذه المسرحية حتى الآن أروع مسرحية شعرية عرفها العالم العربي، وهى ذات أبعاد سياسية إذ تدرس العلاقة بين السلطة المتحالفة مع الدين والمعارضة وقيل إنها حذرت من وقوع النكسة كما تطرقت لمحنة العقل وأدرجها النقاد في مدرسة المسرح الذهني.
وأخيرا نوضح إن الكُتَّاب المسرحيين الذين لجئوا إلى الإسقاط التراثي في ظل التحول الاشتراكي، كما تؤكد الباحثة فاطمة يوسف لم يكونوا بالثورية الجزئية التي قد تبدو على أعمالهم لأول وهلة، فلو أنه كانت هناك دلالات مباشرة وقاطعة على أنهم يقصدون عقد الستينات بالذات لما سمحت لهم الرقابة بنشر أعمالهم على الإطلاق. ولذلك كان لجوء مثل هذه المسرحيات إلى التراث الذي يمكن أن يمتد ليغطي مساحة تاريخية بين الجاهلية وعصر المماليك أو حتى زمن ما قبل ثورة يوليو. المهم أن الزمن الذي بدأ بثورة يوليو زمن لا يجرؤ كاتب مسرحي على المساس به أو حتى مجرد التلميح بالسلبيات التي تعتلوه، لذلك تواري كتاب المسرح خلف أستار الإسقاط التراثي، ورضي المسئولون عن هذا الوضع الذي لا يمس سلامة النظام. 

 المصادر والمراجع:
أولا: الكتب والرسائل:
د. توفيق مرسي،» اتجاهات المسرح السياسي المعاصر”، دار مصر العربية للنشر والتوزيع، 2010م.
د. جودة عبد النبي جودة، «المسرح السياسي المعاصر في مصر»، الهيئة العامة للكتاب. 2015م.
د. علي الراعي، «المسرح في الوطن العربي»، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب، الكويت،  عدد 25، 1980م.
د. عمرو دوارة- «المسرح المصري مائة وخمسون عاما من الإبداع»، مطبوعات المهرجان القومي للمسرح، 2019م.
د. غادة عبد التواب، «الإعلام التقليدي والإعلام البديل» ، مؤسسة حورس الدولية ،الإسكندرية، 2020م.
 فاطمة يوسف ، «المسرح والسلطة في مصر» من 1970 – 1952
 د. محمد عبد المنعم، “المسرح السياسي”، دار المعارف، 2015م.
منى صادق، أهم اتجاهات الإخراج المسرحي في الستينيات، دفاتر الأكاديمية، مسرح 15، القاهرة، أكاديمية الفنون.2005م.
ثانيا: المقالات:
د. أسامة أبوطالب، هذا الصرح العظيم، مجلة تراث المسرح، المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، سبتمبر 2002م.
أمير إسكندر- الثورة والمسرح الدرامي في مصر، مجلة المجلة، العدد 103، يوليو 1965م.
د. أمين العيوطي، الفتى مهران، مجلة المسرح، يناير 1966م.
د. سيد علي إسماعيل. كيف تفاعل المسرح المصري مع أحداث 23 يوليو 1952-  جريدة مسرحنا، العدد 569 بتاريخ 23يوليو2018م.
د. عمرو دوارة-  الثورة المصرية وعيون المسرح-  جريدة مسرحنا.
فؤاد دوارة، الثورة في المسرح العربي، مجلة الآداب، العدد رقم5، مايو 1970م.
وطفاء حمدي ، تمثلات ثورة يوليو المسرحية في المرحلة الناصرية، الشراع اللبنانية، بتاريخ 21 يونيو 2018م .


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏