العدد 888 صدر بتاريخ 2سبتمبر2024
استطاع المخرج عبد الله سعد ، تقديم أوبريت أيام العز، الذي كتب منذ أكثر من 100 عام ، من تأليف بديع خيري، على خشبة مسرح البالون، بقيادة الفنان أحمد الشافعي ، وأعاد تقديم المسرح الغنائي بشكله السليم، “ مسرحنا ألتقت بالدكتور عبد الله سعد ، للتعرف أكثر عن تجربته في إخراج الأوبريت، والحديث حول تكريمه مؤخرا من المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته ال17، والتي تحمل اسم الفنانة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب.
«أيام العز» أوبريت غنائي من بطولة الفنان محمد صلاح ادم والفنانة ندى ماهر، وفنان الأوبرا عزت غانم والفنان رضا الجمال والفنان أحمد صادق والفنان سيد الشرويدي ومجموعة من ألمع الفنانين، وهو من تأليف بديع خيري وموسيقى داود حسني وتوزيع موسيقي منير الوسيمي وديكور محمد الغرباوي وملابس مروة عودة، ومن انتاج فرقة انغام الشباب بقيادة ماهر عبيد وقطاع الفنون الشعبية بقيادة الفنان أحمد الشافعي.
ما الذي جذبك لإخراج أوبريت “أيام العز” الذي كتبه بديع خيري منذ حوالي 100 عام؟ وكيف كانت تجربتك في التعامل مع نص تراثي بهذا العمر؟
لأن المسرح الغنائي يعتبر مسرحي ، وكنت ممثلا أيام الشباب، ولأن هوية المسرح الغنائي والإستعراضي منوط بتقديم الأعمال الفنية التراثية والإستعراضية الحديثة، فكان لدى نص وتم تأجيله وطلب مني تقديم نص أخر، فأردت تقديم الأوبريت، لأن منذ سنوات كثيرة مضت، وكنت مرشحا لرئاسة قطاع الفنون الشعبية، فكان جزء من هدفي واستراتيجيتي التركيز على المسرح الغنائي والإستعراضي بشكلهما، فعندما اتيحت لي الفرصة كمخرج، اقترحت تقديم الأوبريت، والحمد لله حظى الأوبريت على نجاحا ملحوظا في أيامه الأولى، والكل يتحدث إن هذا هو المسرح الغنائي بشكله الصحيح.
كيف استطعت من خلال الإخراج أن تمزج بين النص الأصلي للأوبريت والحس الفني المعاصر ليتناسب مع ذوق الجمهور الحالي؟
أي مخرج عندما يتناول أي نص مسرحي لابد أن يكون لديه رؤية وبعد في عملية جذب الجمهور، فهذا النص قدم في العشرينات ، فالموضوع وقتها كان مختلف من حيث الجمهور ، بالإضافة إلى إن تقديم الأوبريتات كان غير مقتصر على المسارح، ولكن كان في صالات السهر والمقاهي ، والساحات ، فعند تناولي للنص تم مراعاة أكثر من جزئية وهي الشكل كالسينوغرافيا والمهندس محمد الغرباوي مصمم الديكور في العرض وهو فنان جميل وقدمنا أعمالا كثيرة ووضعت رؤيتي وهو نفذ وحقق كل ما هو مطلوب حسب إمكانيات المسرح.
لقد لاحظ الجمهور أن الألحان والتوزيع الموسيقي والاستعراضات أضافت الكثير للعمل. كيف تعاملت مع هذه العناصر الفنية في إخراج الأوبريت لتحقيق توازن بين التراث والجديد؟
الجزء الخاص بالموسيقى موسيقى داوود حسني فهي بالطبع موسيقى قديمة فكان لابد من إعادة توزيعها بشكل حديث ليتلائم مع العصر، فاحتفظنا بالألحان كما هي ولكن اضفنا لها توزيع مناسب وهو البولي فونيا وهو تعدد الاصوات في العمل فالنص في البداية ليس له أي تسجيلات أو فيديوهات ولكن ما نعرفه عن النص من خلال السماعي الأصوات المسجلة فعند تحقيق هذه المشاهد على خشبه المسرح فلابد مراعاة الناحية الجمالية في تقديم النص ورؤيته في إخراجه وبأن يتناسب مع العصر فالفكرة الرئيسية في تقديم النصوص والأعمال القديمة يكون الهدف منها توثيق وتذكير الجمهور بها ، فمن حق هذه الأعمال أن تطرح للجمهور حتى لا تندثر وعند إختيار النص أيان العز ، تم اختياره نص لايت كوميدي خفيف حتى يتناسب ويتلائم مع مفردات العصر بدون تعقيدات.
هل كانت هناك تحديات معينة واجهتها أثناء تحضير الأوبريت، سواء على مستوى الأداء التمثيلي أو التقني، خاصة في ليلة الافتتاح؟
التحديات على مستوى الاداء التمثيلي لا يوجد تحديات ولكن فكرة اختياري للعناصر المشاركة، بها بعض التحديات لأنه قيل لي، عليك الإستعانة بنجوم لجذب الجمهور وضمان نجاحه فهذه المسالة تؤرقني فمتى يتم الإستعانة بالممثلين الآخرين ليصبحوا نجوم فلابد من إلقاء الضوء عليهم، فمعظم العناصر المشاركة في العرض هي عناصر شبابية جيدة ويشاركهم البطوله أساتذة كبار لهم قيمة كبيره مثل الفنان رضا الجمال، والفنان أحمد صادق، والفنان سيد شرويدي، وباقي العناصر شبابية فلم يكن هناك أي عوائق في هذه المسألة ،وخصوصا إن مهمتي كمخرج وأستاذ في التمثيل، فكنت اتعامل معهم على هذا الأساس ومن هذا المنطلق ،فكنت اعتبر البروفات مجرد دروس في حرفية التمثيل وكان الشباب متقبلين ذلك بشكل كبير حتى الأساتذة الكبار برغم تاريخهم.
في رأيك، كيف يمكن تطوير النصوص المسرحية القديمة لتتناسب مع الأجيال الجديدة مع الحفاظ على قيمتها التراثية؟
تطوير النصوص القديمة فلابد أن نفرق بين النصوص المترجمة والنصوص المؤلفة، فاذا تحدثنا عن النصوص المؤلفة فهي لتوثيق فنانين والمؤلفين القدام ولكن كان لدينا نصوص مترجمة كثيرة بحكم إن مصر كانت تستقبل كل الجنسيات ولذلك كانت الثقافة عالية جدا فكان الإعتماد على تقديم النصوص المترجمة القريبة لثقافة كل جنسية موجودة بالإضافة إلى أننا كان لدينا نهضة مسرحية وفنية من الأدباء والكتاب والمخرجين والفنانين ومعظم الفنانين أيضا كانوا من جنسيات مختلفه ولكن نحن نريد التعامل مع النصوص المصرية القديمة والمؤلفين المصريين حتى نكون قادرين على توثيق تاريخ المسرح المصري وإعادة تقديم هذه العروض مرة أخرى وتطويرها من خلال التكنولوجيا.
بعد هذا العرض، هل لديك خطط لتقديم المزيد من الأعمال التراثية بنظرة معاصرة؟ وما هي المعايير التي تعتمدها في اختيار مثل هذه الأعمال؟
الخطط والمعايير بالطبع أن يكون النص كوميدي والهدف منه اضحاك الناس مثل أوبريت أيام العز، أو أن يكون نص له أبعاد إجتماعية وسياسية، بما لا يضر بالواقع وأتمنى أن يهتم المخرجين بتقديم أوبريتات، فأنا أنشأت قسم إخراج المسرح الموسيقي بأكاديمية الفنون، وهذا كان حلمي من السبعينات إلى أن تم انشائه في التسعينات ،وكان الهدف منه إخراج دفعات من المخرجين المتخصصين في المسرح الغنائي لأننا لدينا مخرجين جيدين جدا ولكن لا يوجد منهم أحد تطرق للمسرح الغنائي أو للأوبرا فأنا اتساءل دائما لماذا لم يتطرق أحد لهذا النوع من المسرح، فأنشأت القسم بالأكاديمية وسيكون لدينا جيلا كبيرا من مخرجي المسرح الغنائي والاوبرا، وأتمنى تقديم عروضا آخرى لمسرح الغناء فكان لدي مشروع تم تاجيله مع الشاعر الراحل شوقي حجاب اسمه عزيزة فكانت فكرتي تقديمه أوبرا بالعربي، فلابد أن تقدم أوبرا لأنها جزء من تاريخنا لأن كان لدينا الصور الغنائية التي كانت تقدم في الراديو فهي تعتبر نموذج من نماذج الأوبرا وهي الأوبرا الصوتية ولكن لابد أن تحقق ذلك على المسرح من خلال تقديم أعمال أوبراليه بولي فونيا متعدد الأصوات حتى نرتقي بذوق ومستوى الجمهور والمتلقي بأن يسمع تألفات وأصوات ويشاهد سينوغرافيا بها تقنيات عالية.
كيف كان تفاعل الجمهور مع العرض، وكيف تنوي تطويره ليواصل نجاحه في الليالي القادمة؟
افتتحنا العرض في فترة افتتاح المهرجان القومي للمسرح المصري وكان تحدي ومجازفة كبيرة لأن جمهور المسرح مختلف عن جمهور المهرجان ومع تكثيف الدعاية والإعلانات عن العرض بدأنا في استقطاب الجمهور، والجمهور استحسن العرض وسعيد جدا به فأنا متفائل بالعرض ومتفائل بتقديم المزيد من عروض المسرح الغنائي.
و كيف يتم التعامل مع إلغاء بند الدعاية والإعلان ؟
مستغرب جدا لعدم دعم الوزارة للمسارح سواء من خلال ضعف الإمكانيات وقلة العماله وخروج الفنانين على سن المعاش بعد بلوغهم ال 60 عام فهذا يجعلنا نفقد أجيال من الفنانين بعد اكتسابهم الخبرة، أما عن بند الدعاية والإعلان فهذا يعتبر كارثة كبيرة فنحن نعلن عن العرض من جيوبنا الخاصة، ونحتاج إلى زيادة العماله في المسارح ونحتاج إلى تحديد هوية المسارح.
كيف شعرت عندما تم تكريمك في المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الـ17 التي حملت اسم الفنانة سميحة أيوب؟
التكريم شيء جميل ومثلما قلت على المسرح وقتها إن لحظه التكريم هي أهم وأجمل لحظه لأي فنان واللحظة الأهم أن يكرم الفنان في حياته وأشكر الفنان محمد رياض والفنان ياسر صادق على هذا التكريم والدكتورة نيفين الكيلاني لإختياري للتكريم لأنه كان من ضمن خطط المهرجان أن اكرم هذا العام ، وأنا سعيد جدا بهذا التكريم لأنه لم ينتبه أحد من إدارات المهرجانات السابقة الخاصة بفن الأوبرا ، وتكريم مخرجين الأوبرا لأن مخرج الأوبرا يمتاز بأن لديه ملكات أكثر من مخرج الدراما لأنه مخرج دارس موسيقى ويفهم في الأصوات ويدرس فنون الرقص والاستعراض وكان دائما يقال إن مخرج الأوبرا لا ينتمون لمخرجين المسرح وقيل لي ذلك من قبل ، فعندما اكرم من المهرجان القومي للمسرح كأول مخرج أوبرا في مصر وصاحب أول خطوه لإنشاء قسم الإخراج الموسيقي بأكاديمية الفنون وقدمت أكثر من 30 أوبرا ، غير الأوبرا العربية بالإضافة إلى مشاركاتي بالتمثيل في الأفلام والمسلسلات، فكل هذا المشوار شاهدته أمام عيني لحظه التكريم، وشاهدت تاريخي بدار الأوبرا المصرية منذ انشائها عام 1988 فاذا نزعت سلخة خشب من المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية ستجدين عرقي شاهد على تاريخي ومشواري بدار الأوبرا المصرية.
لاحظ الجمهور تأثرك وبكاءك عند استلام الجائزة. ما الذي جعلك تعيش هذه اللحظة بهذه العاطفة القوية؟
تاثرت، لأن مهرجان المسرح يكرمني ودار الأوبرا التي مضيت بها أكثر من 45 عام لم تكرمني ، وأكاديمية الفنون كذلك، تأثرت وبكيت لأن مهرجان المسرح يكرمني في بيتي ومسرحي.
هل كنت تتوقع هذا التكريم، وكيف أثرت هذه اللحظة في رؤيتك للمستقبل الفني؟
كنت متوقع إنه سيتم إلقاء نظرة على مخرجين المسرح الغنائي سواء لي أو للأجيال القادمة لأنني مؤمن إنه سيأتي اليوم الذي سيذكر التاريخ أنني كنت موجود، لانني قدمت أعمال كثيرة ودائما أقول لأولادي أنني تركت لكم إرث عظيم، وهو مشواري الفني وأعمالي التي قدمتها.
كيف ترى دور الأوبرا كوسيلة للتواصل الثقافي بين مصر والعالم، خاصة في ظل مشاركتك في أعمال دولية عديدة؟
الأوبرا منوطة بتقديم الأعمال العالمية سواء بالية أو أوبرا أو أعمال كلاسيكية إلى أنها لها جانب آخر ، وهو الموسيقى العربية والإنشاد الديني ، وفرق الرقص الحديث، فكل هذا يعد عوامل تواصل سواء على المستوى العالمي من خلال الأعمال الأجنبية التي تقدم ونضاهي بها الفرق الاجنبية أوما تقدمه الفرق العربية وتمثلنا في الدول العربية ويكون لها جمهور خاص لمشاهدتها، فالأوبرا منارة ثقافية على العالم و بوابة للعالم ونحن نستقطب من الخارج مغنيين أو مخرجين وموسيقيين في كل التخصصات ومصممي رقصات وديكور فكل ذلك يعمل على تبادل الثقافات.
مع تزايد استخدام التكنولوجيا في الفنون، كيف ترى مستقبل فن الأوبرا والمسرح الموسيقي في مصر، وهل تعتقد أن هناك تحديات تواجه هذا الفن؟
استخدام التكنولوجيا أصبحت اليوم لا غنى عنها لأننا في مراحل متقدمة جدا من التطور وهذا شيء طبيعي جدا، ولكن لا يمكن أن ننسى دور الإنسان لأن الإنسان هو الأساس فهو مخترع التكنولوجيا في الاساس، فلا يمكن الاستغناء عنه.
ما هي نصيحتك للشباب الذين يسعون لدخول مجال الإخراج الأوبرالي والمسرح الموسيقي؟
أعتقد إن المستقبل للمسرح الغنائي ، ولذلك فلابد من زيادة وعي المسؤولين بهذا المستقبل من خلال استقطاب المواهب الشابة، فعلى سبيل المثال ليكون لدينا جيل من الشباب الموهوبين، فلابد من إقامة مدرسة لتعليمهم وتدريبهم على الرقص والغناء والفنون الشعبية والرقص الحديث.