العدد 898 صدر بتاريخ 11نوفمبر2024
في يوم الاثنين الموافق السابع من أكتوبر بكلية دار العلوم جامعة المنيا، وفي تمام العاشرة صباحًا انعقدت اللجنة المشكلة من أ.د محمد عبدالله حسين ( أستاذ الأدب والنقد الحديث قسم الدراسات الأدبية كلية دار العلوم - جامعة المنيا، ووكيل كلية دار العلوم لخدمة المجتمع وتنمية البيئة السابق، وأمين اللجنة العلمية لترقية الأساتذة (ب) (مشرفًا ورئيسًا)، و أ.د سحر حسين شريف( أستاذ الأدب الحديث وعضو اللجنة العلمية لترقية الأساتذة (ب) في اللغة العربية وآدابها، والوكيل السابق لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية)، و أ.د غادة جميل قرني ( أستاذ الأدب العربي بكلية دار العلوم - جامعة المنيا)؛ وذلك لمناقشة الباحث أحمد محمود أحمد سعيد في أطروحته للدكتوراه التي جاءت بعنوان (تحولات دراما الطفل في المسرح المصري المعاصر من عام 1990 إلى عام 2010 دراسة في نماذج مختارة)، وبعد المداولة قررت اللجنة العلمية المشكلة بمنح الطالب درجة الدكتوراه من قسم الدراسات الأدبية كلية دار العلوم جامعة المنيا بتقدير عام مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع الرسالة والتداول بين الجامعات المصرية.
وجاءت الدراسة معنونة بـ (تحولات دراما الطفل في المسرح المصري المعاصر من عام 1990-2010م - دراسة في نماذج مختارة)؛ ومما يُعنيه الباحث من موضوع دراسته هو المساحة التي شغلها الطفل في الكتابة الدرامية، فبعض الكُتاب جعل الطفل مشاركًا في تسيير الأحداث بوصفه عنصرًا فاعلًا في بنية المسرحية، وبعضهم الآخر تناول الطفل بوصفه متلقيًّا مُوجَّه إليه النص، يتعامل مع أحاسيسه ويلبي احتياجاته على المستويات كافة؛ لذلك تهتم الدراسة برصد التحولات التي طرأت على دراما الطفل في الفترة الزمنية عينة الدراسة (بداية العقد الأخير من الألفية الثانية حتى نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة) وتتبع تغيير التقنيات المصاحبة للفضاء الدرامي والشخصيات والحوار والصراع والحدث وغيرها، ويأتي ذلك من خلال مستويين: مستوى الكتابة الدرامية ومناسبتها لمرحلة الطفولة، ومستوى الواقع وما طرأ عليه من تغيرات اجتماعية وسياسية وعلمية وفكرية وثقافية، دفعت الدراما أن تتخذ شكلًا مغايرًا عما كانت عليه، فأوجب التطوير في الرؤية والأداة معًا؛ إذ إن كتّاب دراما الطفل قبل الفترة الزمنية عينة الدراسة تغافلوا عن فنية مخاطبة الطفل مسرحًا، وخلطوا بين كتابة القصة والمسرحية ولم يراعوا خصوصية مرحلة الطفولة؛ لذلك جاءت النماذج المسرحية من أعمال السيد حافظ وأحمد زحام وأحمد سويلم وسمير عبد الباقي وشوقي حجاب وعبد التواب يوسف وعبده الزراع وفاطمة المعدول وفراج عبدالعزيز مطاوع ولطفي مطاوع ومحمد ناصف ويس الضوي ويعقوب الشاروني، وقد اختار الباحث نماذج بعينها نظرًا لتضمنها مجموعة التحولات على مستوى الرؤية والأدوات الفنية.
وتكتسب أهمية الدراسة من أهمِّيَّة أدب دراما الطفل خاصة، إذ إنَّ لدراما الطفل أهَمِّيَّةً لافتة للنظر؛ لأنها تُكسب الطفل مصادر المعرفة المختلفة، وتُرسي دعائم القيم الأصيلة والانتماء، وتنمِّي الحسّ الفكاهي لديه، وهي تُعَدُّ بذلك وسيلة مُهمَّة وفاعلة، قادرة على التأثير في الطفل ثقافيًّا وفكريًّا وشعوريًّا؛ لأنها تُخاطب الوجدان والحسّ.
كما أن أهمية الدراسة تتمثل في رصد التحولات على مستوى الرؤية والأداة، وتتبع تغيير التقنيات المصاحبة للشخصيات وللفضاء الدرامي والحوار والحدث والصراع وغيرها في دراما الطفل.
أما عن أهدافها فجاءت من أجل التعرُّف بالبنى الدراميّة وطريقة توظيف كُتَّاب دراما الطفل لها، والكشف عن طبيعة الكتابة الدرامية وتحولاتها في الفترة الزمنية عينة الدراسة في طرح القضايا والموضوعات وطرق معالجتها دراميًّا.
وبالنظر للدراسات السابقة يجد الباحث تلك الدراسة بكرًا؛ لم يتطرق إليها أحد من قبل، فهناك دراسات نقدية تناولتْ مسرحَ الطِّفلِ عندَ بعضِ كتَّابِ الدِّراما؛ لكن الدراسات النقدية المرتبطة بموضوع الدراسة (تحولات دراما الطفل) وبالفترة الزمنية عينة الدراسة (1990م/ 2010م) نادرة.
وجاء تصور الباحث لدراسته في مقدمة، وتمهيد، وبابين، تتبعها خاتمة، ثم ثبت المصادر والمراجع، وملخص عربي وأجنبي للدراسة وفهرس الموضوعات، أما المقدمة فتضم موضوع الدراسة، وأسباب اختيارها، وأهميتها، وأهدافها، والمنهج المتبع، والدراسات السابقة، والمخطط الداخلي للدراسة، ويضم التمهيد نظرة عامة حول الطفل وعناية المجتمعات به مع التعريف بمسرح الطفل ونشأته وأهدافه وأهميته في تكوين شخصية الطفل، ثم الإشارة بصورة موجزة إلى تحولات دراما الطفل تاريخيًّا وسيرة مختصرة لأهم كتاب دراما الطفل في مصر عينة الدراسة، وجاء الباب الأول بعنوان (قضايا دراما الطفل)، واشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول/ القضايا التربوية والتعليمية، والفصل الثاني/ القضايا القومية، والفصل الثالث/ القضايا الاجتماعية، وجاء الباب الثاني بعنوان (البناء الفني في النصوص الدرامية) وتضمن ثلاثة فصول: الفصل الأول/ الفضاء الدرامي المنظور والمتخيل، والفصل الثاني/ الحدث والصراع، والفصل الثالث: الحوار والشخصية.
ثم خاتمة: فيها أهم النتائج التي توصل إليها البحث مع ثبت بالمصادر والمراجع وملخص عربي وأجنبي للدراسة وفهرس الموضوعات.
وقد اعتمدت الدراسة على المنهج الفني؛ وذلك لتحليل النماذج المختارة من النصوص الدرامية في الفترة الزمنية عينة الدراسة (1990/2010)، ورصد تحولات دراما الطفل على مستوى الرؤية والأداة، مع الاستفادة بالمنهج السيميائي فيما يتعلق بالصورة وفضاءات الدراما.
وفي نهاية الدراسة خلص الباحث مجموعة من النتائج، ذكر أهمها فيما يلي:
1- كشف تناول كُتاب الدراما للكثير من القضايا الواقعية المعاصرة التي ترتبط بالبيئة المدرسية والتربية والأسرة عن مدى إدراكهم للمشكلات التي تواجه الطفل داخل المدرسة وخارجها، وهذا يعد تحولًا في دراما الطفل موضوعًا.
2- كان ظهور مسرحية الممثل الواحد (المونودراما) تحولًا شكليًّا لافتًا في دراما الطفل؛ فهو خروج عن الإطار التقليدي في دراما الطفل؛ عبر استخدام بعض الكُتاب تقنية (المسرح داخل المسرح).
3- يشير تحديد مرحلة الطفولة -قبل الدخول في غمار المسرحية- إلى نهج جديد وتحول واضح في دراما الطفل من ناحية الموضوع.
4- تطورت الكتابة الدرامية للطفل بشكل مهم -من حيث الشكل- عبر إعادة توظيف الرموز واستخدام الحيل الذكية وتأكيد الهوية القومية وربط الطفل بقضاياه السياسية وبتاريخ أمته العربية وتعميق القيم التاريخية الموغلة في القدم، وقد لمح الباحث هذه التطوير في دراما الطفل عند السيد حافظ.
5- كشفت رؤيا كتاب الدراما –عبر ربط الطفل بقضاياه الاجتماعية المعاصرة- عن تطور لافت ملحوظ في إبداعهم؛ حيث أصبحت القضايا المطروحة أكثر تعقيدًا عن ذي قبل، فظهرت قضايا: التنمر، والرأفة بالحيوان، وعدم الانجراف وراء الآلة.
6- استطاع كتّاب دراما الطفل في الفترة الزمنية عينة الدراسة توظيف الفضاءات التخيلية بطرق متنوعة، فبعضهم حصرها في صوت الراوي ودخول الشخصيات واختفائها، والتعبير عن مشاعر الشخوص، وتغيير الديكور والانتقال بين الأمكنة، وإظهار الصراع، وجعلها البعض الآخر كاشفة عن تقنية (المسرحية داخل المسرحية)؛ لربط ما هو تاريخي/الحكاية مع ما هو واقعي/التمثيل، بينما وظّفها بعضهم –كمحمد ناصف- في صورة التوقيعة التي جاءت موازية للنص المرافق، والتي قامت بوظيفة الفضاء في إنتاج المعنى، وهذا يعد تحولًا في أدوات الدراما الموجهة للطفل.
7- شكل الفضاء المكاني منعطفًا مهمًا في دراما الطفل التخيلية، حين كشف عن هوية الشخوص وماهية الصراع وحمل في الوقت نفسه الحدث بنوعيه (الرئيس والثانوي)؛ كما شهدت دراما الطفل تحولًا لافتا للنظر على مستوى التغذية البصرية، فقد أضحى الاهتمام بالجانب البصري عنصرًا أساسيًّا في دراما الطفل، من خلال توظيف الصور والرسومات والإكسسوارات؛ لخدمة النص وتعزيز تأثيره على القارئ الصغير.
8- شهدت دراما الطفل تعددًا في الأحداث، فالمسرحية لم تقتصر على حدث واحد أو صراع واحد فقط؛ بل تطورت المسرحية وأضحت تتضمن صراعًا داخليًّا بجانب الصراع الخارجي، فظهر الصراع النفسي والثقافي والاجتماعي والقومي ..، وهذا يعد تحولًا مهما في أدوات الدراما الموجهة للطفل.
9- أسهم الحوار بنوعيه (الداخلي/ الخارجي)، في الكشف عن الأبعاد المختلفة للشخصيات، كالبعد المادي، والاجتماعي، والنفسي؛ كما ظهر الحوار الكوميدي، والتراجيدي، والتراجيكوميدي، وتنوعت لغة الحوار بين الفصحى والعامية، وظهرت اللغة الشعرية بصورة ملحوظة بجانب تجلي ظاهرة التكرار في الجمل الحوارية، ليحمل ذلك كله رؤية درامية ومردودًا فكريًّا وجماليًّا له تأثيره على عقل القارئ الصغير ووجدانه.
10- أضحت للشخصية في دراما الطفل حركة درامية ملموسة مؤثرة في وعي المتلقي؛ فقد اتسمت بطابع خاص سواء من حيث الأبعاد أو الأهداف أو الدوافع أو الصراع، وهذا يعد تحولًا في دراما الطفل على مستوى الأدوات.
11- تجلت أنماط عديدة للشخصيات في دراما الطفل، فقد ظهرت الشخصية التاريخية، والأسطورية، والشعبية، والنمطية، والظريفة، والغريبة، بما يعد تحولًا مهما في دراما الطفل على مستوى الأداة.
وفي النهاية يمكن القول: إن دراما الطفل في الفترة الزمنية عينة الدراسة شهدت تطورًا وتحولًا لافتًا للنظر رؤيةً وأداةً، وهذا يدل على وعي الكتاب باحتياجات الطفل ورغباته النفسية والاجتماعية والثقافية من جانب، ووعيهم بالواقع المعاصر للطفل –من جانب آخر- الذي تعرض لمتغيرات على المستويات كافة أوجب التطور في دراما الطفل شكلًا وموضوعًا.