العدد 898 صدر بتاريخ 11نوفمبر2024
يُعد دخول الميتافيرس إلى عالم المسرح نقلة كبيرة في تطور الفنون عبر العصور، وقد تنوعت الآراء حول ما إذا كان يمكن اعتبار هذه التجربة نوعًا من المسرح الحقيقي أم لا. فالـ “ميتافيرس» يخترق حدود الزمكان، ومن خلال دمج تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)، بات وسيلة لخلق مسارح افتراضية غامرة، حيث يمكن للجمهور من مختلف أنحاء العالم حضور العروض دون الحاجة إلى التواجد المادي في موقع العرض.
يفتح الميتافيرس آفاقًا واسعة للإبداع، ويُمكّن المبدع من تطوير خياله ومنطقه عبر كسر القيود الفيزيائية التقليدية، مما يسمح بخلق عوالم افتراضية تتحدى الواقع. يمكن للديكور، والإضاءة، والشخصيات أن تتغير بشكل فوري ومرن، مما يمنح المخرج حرية لم تكن متاحة من قبل. ومع ذلك، فإن هذه التحولات تثير جدلاً نقديًا حول “ماهية المسرح”، إذ أن الميتافيرس قد يهدم بعض المفاهيم الأساسية للمسرح، مثل حضور الجمهور الفعلي والتفاعل الحي بين الممثلين والجمهور، والتي كانت تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من التجربة المسرحية منذ نشأتها، بالإضافة إلى ذلك، هل يمكن تقبل هذه التجربة واستقبالها في وطننا العربي؟
محمد علام: الميتافيرس سوف يغير طبيعة المسرح التقليدي
يقول الناقد محمد علام: يُغير الميتافيرس طبيعة التفاعل بشكل كبير، حيث يتيح للجمهور التفاعل مع الممثلين والبيئة المحيطة بهم بطرق لم تكن ممكنة في المسرح التقليدي. يمكن للجمهور أن يكون جزءًا من المشهد بفضل تقنيات الواقع الافتراضي، مما يعزز من الشعور بالاندماج والانغماس.
يكمل (علام): لكن أعتقد أن الميتافيرس يؤثر على الجزء التشاركي في المشاعر بين المشاهدين وبعضهم، هذا التأثير الذي يعتمد على ردود أفعال حقيقية وفورية من المشاهدين عندما ينفعل أحد بالتصفيق يتضامن الجمهور معه، فيشعر بالسعادة لأنه نبه الجميع لحالة عظيمة تستحق الإشادة، أو يتجاهلونه فيشعر بأنه لم يكن موفقًا في مشاركة شعوره هذا مع باقي المشاهدين.
تابع حديثة حول المسرح الرقمي: سيحتاج الممثلون إلى تطوير مهارات جديدة تتعلق بالتفاعل مع البيئات الافتراضية والتكيف مع تقنيات جديدة مثل الأفاتار ثلاثي الأبعاد. قد تكون هناك تحديات في نقل الحضور الجسدي والاحساس العاطفي من خلال وسيط رقمي، لكن في المقابل سيفتح هذا المجال أمام أشكال جديدة من التعبير والأداء. وأعتقد أن التحدي الأساسي في الميتافيرس هو ظهور مفهوم جديد للسينوغرافيا، لأن مصممي السينوغرافيا في الميتافيرس ستقابلهم تحديات عديدة أشبه بالتصميم الجرافيكي للأفلام الكارتونية، ولكن هذه المرة ستكون مرتبطي مع إيقاع أداء الممثل الحي، والذي هو بالمناسبة متغير من حفلة إلى حفلة.
يوضح: ممكن أن يكون الميتافيرس شكلًا من أشكال تطور المسرح، شرط أمرين أن يحافظ على الجزء «الحي» أي التمثيل والتلقي المباشر، وليس العروض المسجلة سلفًا، أن يظل المسرح في الميتافيرس عرض أداء حي عبر الإنترنت وليس بث لعرض مسجل، هنا من الممكن أن يعد أحد أشكال تطور المسرح.. حسنًا ما هو العامل الحاسم إذن في هذه المسألة؟
إنه الاقتصاد يا عزيزي، الشكل الأكثر البقاء هو الشكل القادر على ضخ عدد كبير من العوائد في مقابل عدد أقل من التكاليف، هنا تكون المسألة لصالح النوع الجدير بالبقاء الاقتصادي. مثلما ألغى الكتاب المطبوع الكتب المنسوخة باليد، وقد أثر الكتاب الإلكتروني على سوق الكتب المطبوعة الذي يتناقص سنويًا.
واختتم الناقد محمد علام قائلاً: كل العناصر المصاحبة للعملية المسرحية سوف تحتاج إلى تطوير وتدريب، ليس الناقد المسرحي فقط.. طبيعي سيحتاج التعامل مع عروض مسرح الميتافيرس من الناقد؛ فهمًا أكبر لعمليات الصناعة الرقمية وتقنيات البث المباشر، وكيفية انتقال المشاعر بين الراسل والمرسل والمؤثرات على هذا التواصل. المسرح في الميتافيرس تطورًا طبيعيًا في حالة واحدة فقط، لو قرر الإنسان التنازل عن مكتسبات حضاراته القديمة، وأقصد هنا أهم مكتسباتها وهو «النظام الاجتماعي» الميتافيرس والسينما، وأي أدوات رقمية أخرى ليس هي عدو المسرح الحي، بل إن العدو الحقيقة للمسرح الحي هو الكورونا، الحروب، أي شيء يمنع الناس من التواصل والمشاركة في جماعات بشكل مادي، هو عدو المسرح الحي، الكورونا أكثر الأعداء الشرسة للمسرح، ألا ينبهك ذلك لشيء.. الميتافيرس ظهر أصلا بشكل واسع الانتشار في هذه الفترة!
ربما تكون للميتافيرس إيجابيات.. ولم لا؟ أنا لست ضد التطور، فقط الرؤية تحتاج لوضوح أكبر، الميتافيرس يمكن أن يفتح المجال لتوسيع نطاق الجمهور بشكل كبير، حيث يستطيع الناس من جميع أنحاء العالم حضور عروض مسرحية دون الحاجة إلى السفر. هذا يمثل فرصة رائعة لجعل المسرح أكثر شمولية ووصولًا عالميًا، وقد يوفر ذلك التغلب على عائق اللغة في المسرح، أنا مثلا حضرت بعض العروض كان بإمكاني الحصول على ترجمة فورية لها لكل لغات العالم. هذه التقنية ثورية في المسرح لو صارت معممة!
هايل علي المذابي: إن دخول الميتافيرس المسرح هو تطور طبيعي
يقول الكاتب اليميني هايل علي المذابي: إن دخول الميتافيرس المسرح هو تطور طبيعي حيث تتسلل الميتافيرس بشكل مطرد إلى حياتنا اليومية. وفي هذا العصر، يجب دمج الجماليات والفن والتكنولوجيا والعلوم الإنسانية بشكل جيد، بما في ذلك المثالية المتأصلة في كل واحد منا؛ وببساطة، فإن الميتافيرسي هو طريقة للعيش وتراكم للثقافة. كما أن اندماج الفنون مع التكنولوجيا سيخلق أشكالًا جديدة من العروض التي تتطور باستمرار؛ وأعتقد أنه نفس الشيء مع المسرح؛ إنها وسيلة مركزية للجمع بين التقنيات المختلفة لإنتاج أشكال جديدة من المحتوى. لذلك لن أقول بالضرورة أن المسرح يغير جوهره، ولكنه يعتمد على التقنيات المختلفة التي نطورها في الوقت الحالي لإنتاج أشكال مختلفة من الأداء.
تابع المذابي: يظل بقاء كل شيء مرهونًا بجوهره، أما الشكل فلا ينبغي الخلاف عليه أو الفزع من تغييره، لأن لكل عصر معطياته الثقافية وأدواته الجديدة التي يجب مواكبتها والتكيف معها. أي أن الجوهر هو شرط بقاء المباني والقوالب والأنماط الفنية والثقافية عبر العصور، دون اشتراط أشكال محددة لها. وتمثل خاصية التكيف وقابلية التأقلم استعدادًا فطريًا لدى الإنسان، يمنحه القدرة على تقبّل المعطيات الثقافية الجديدة والمظاهر العصرية الحديثة، والسعي إلى ابتكارها دون تعصب أو تصلب. أما الجوهر فيمكن تمثيله بالقيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية، التي يقابلها في الأعراف الأنثروبولوجية ما نسميه «المعنى» أو «الجدوى»، وهو مرتبط بغرائز الإنسان وفطرته. أما قابلية التكيف والتأقلم، فهي شرط لبقاء الإنسان على قيد الحياة، ويمكن ملاحظتها بوضوح في تعاقب الفصول الأربعة وتغير معطيات المناخ فيها. وهذا ما ينسحب على المعطيات الثقافية والفنية ومظاهر كل عصر وأدواته.
واختتم: وإذا تأملنا حالة المسارح منذ فجر التاريخ سنجد أنها مختلفة ومتباينة في أشكالها أما تشابهها فهو في الجوهر «المعنى والجدوى والقيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية « أو كما قال غروتوفسكي: «إن المسارح لا تتشابه في أشكالها ولكن في مبادئها».
لذلك يمكن القول إن معطيات ومظاهر عصرنا اليوم قد تحيل الشكل المألوف للمسرح إلى شكل آخر تماما والبقاء سيكون للأقدر على التكيف والتأقلم مع هذه المتغيرات والمعطيات المستحدثة وإن كان ثمة رهان وإصرار وتعصب فينبغي أن يكون في اتجاه الحفاظ على المعنى والجوهر فقط.
كما ذكر هايل من خلال تواصله مع الأكاديمية والمخرجة الرومانية مارينا هانجانو: لا يمكن للمسرح أن يبقى على قيد الحياة إلا إذا «تحدث» إلى الجماهير المعاصرة - فلا يمكن أن يكون هناك مسرح للأموات. أود أن أقول إن الاحترام للمسرح كشكل فني قديم لا يلعب دورًا في بقائه على المدى الطويل، على الرغم من أنه يمكن أن يكون عاملاً في سياقات محددة. أعتقد أن المسرح استمر في الوجود جنبًا إلى جنب مع التلفزيون والسينما، والآن مع ألعاب الفيديو/التقنيات الغامرة، لأنه يقدم تجربة تكميلية، مع أو بدون دمج التكنولوجيا. يتحرك المسرح مع الزمن، كما يفعل كل شيء. تتغير الشعوب، وكذلك نظرتهم إلى العالم. سيطبق المواطنون الرقميون المنطق الرقمي على المسرح، لأنهم لم يعرفوا عالمًا بدون تكنولوجيا رقمية. إنه أمر طبيعي.
وفي الوقت نفسه، إذا كانت جدات وآباء العالم ما قبل الرقمي لا يزالون على قيد الحياة، فلندعهم يستمتعون بمسرح يرضيهم أيضًا. إن العرض الذي يروق لجدتي قد يكون بالنسبة لي مجرد قطعة متحفية، ولكن ما دام هذا العرض ذا معنى و”حيًا” بالنسبة لشخص ما، فلندع المسرح يتخذ أي شكل. يجب أن نتحدث عن المسارح بصيغة الجمع، حيث لا يوجد مسرح واحد فقط. تنشأ المشاكل عندما تحاول مجموعة واحدة فرض طريقة واحدة لتقديم المسرح، وبالتالي خنق بقية المجموعات. وهذا شكل من أشكال الرقابة وهو قاتل.
واختتمت المخرجة مارينا هانجانو حديثها: يعتقد البعض وهمًا أن مظاهر التكنولوجيا الحديثة وتمثلات الأتمتة اليوم قد تشكل خطرًا كبيرًا على المسرح وشكله، لكن الحقيقة هي أن المسرح قد تمت مصادرته بالفعل لصالح التكنولوجيا منذ ظهور شاشات السينما والتلفزيون. وإذا كان ثمة ما يدعو للاهتمام والاستجابة في الوقت الراهن لدعوة أو إلى أي آلية من آليات تحديث شكل المسرح بما ينسجم ويتوافق مع معطيات ومظاهر التكنولوجيا الحديثة، فأصدقها تلك التي حاولت خلق حالة من التوافق والانسجام والتآلف بين معطيات ومظاهر التكنولوجيا والمسرح والسينما. وهنا لابد من الالتفات إلى تجارب “المسرح التليماتي” الذي زاوج بين كل ذلك في تجربة واحدة، وكان أصدقها في إنقاذ المسرح. ولنا أن نتأمل عروض المسرح التليماتي، مثل عرض “العائلة الذكية 2032”، وهذا العرض متوفر لحسن الحظ على منصة اليوتيوب لمن يرغب في مشاهدته. أما بقاء المسرح رغم شكله التقليدي والالتزام برعايته منذ ظهور شاشة التلفزيون والسينما، فهو من باب الاحترام والتقدير فقط، وهي حالة لا تختلف عن حالة التزام الأبناء برعاية الجد الأكبر للعائلة تقديرًا واحترامًا. ورغم ذلك، فثمة بلدان قد قامت بإيداع المسرح في دار رعاية المسنين.
الذكاء الاصطناعي يمكن الاستفادة منه ولكن لا يمكن أن يكون البديل للإنسانية
يقول الكاتب المسرحي والناقد إبراهيم الحسيني: سواء في الذكاء الاصطناعي أو في الميتافيرس، لا شك أن لحظة ستأتي يندمجان فيها مع المسرح. تماماً كما حدث عند ظهور التلفاز في ستينيات القرن الماضي، حينما أشيع أنه سيشكل تهديداً للفن المسرحي، وكذلك الأمر عند ظهور السينما، إذ ظن البعض أن بروز هذه الوسائل الجديدة سيقضي على المسرح. ومع ذلك، لم يتأثر الفن المسرحي بأي من تلك الوسائط، بل بقي متفرداً بخصوصيته وجاذبيته. ومع تعاقب الأزمان وظهور وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، لم يهدد ذلك كله الفن المسرحي، لأنه يتميز عن غيره من الفنون بأنه يعتمد على اللقاء الحميمي بين الفنان والجمهور في نفس المكان واللحظة، على خلاف الفنون التي تعتمد على التسجيلات أو العروض المؤجلة. فبينما نشاهد فيلماً قد تم تصويره منذ سنوات مضت، فإننا في المسرح نحضر لحظة حية، تتم الآن وهنا.
يتابع: أما الذكاء الاصطناعي، فسوف يُستفاد منه في مجالات مثل تأليف الموسيقى، أو كتابة النصوص، أو حتى في تصميم خطط الإضاءة. لكن، في نهاية المطاف، تبقى هذه المخرجات آلية خالية من الإحساس البشري، وتفتقر إلى الروح التي يضفيها الإنسان على عمله. ومن هنا، تظهر الحاجة الماسة إلى وضع أطر قانونية تحدد استخدامات الميتافيرس والذكاء الاصطناعي في الفن المسرحي، حيث تبرز إشكالية جوهرية: لمن يُنسب لمن؟ هل للذكاء الاصطناعي والميتافيرس اليد الطولى في هذا الإبداع أم للفنان البشري؟ فإذا ما كانت النسبة الأكبر تعود للآلة، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع أهمية الموهبة البشرية وتقلص إسهام الفنان، مما قد يُفضي بمرور الوقت إلى تآكل وجود الفنان المسرحي، وتحول الفن المسرحي إلى منتج صناعي مُعلب، تخلقه الآلات بلا روح ولا إحساس.
ويؤكد: ومع استخدام هذه الأدوات التكنولوجية، ينبغي على الفنان أن يتحلى بوعي عميق تجاه عدة أمور، أولها الاعتراف الصريح باستخدام الذكاء الاصطناعي، وإدراك أن موهبته الأصلية هي الجوهر، وأن العمل المسرحي في أساسه هو من إبداعه الشخصي. ولا بد أن يتدخل القانون لتنظيم هذه العلاقة بين الفنان والذكاء الاصطناعي، بحيث تفرض القوانين على المبدع الإعلان عن أي تدخل للذكاء الاصطناعي في إنتاجه الفني. وإذا ثبت خلاف ذلك، فعليه أن يتحمل تبعاته القانونية. وعلى الفن المسرحي أن يتأهب لاستيعاب كافة التحولات والتغيرات التي تطرأ، دون أن يفقد جوهره وهويته الإنسانية.
هل يمكن فقد أحد أعمدة العمل المسرحي؟
يقول المخرج محمد الحضري: أهم عنصر في الفن المسرحي هو الإنسان. فحينما وُلِد المسرح قبل الميلاد، كان العنصر البشري هو الركيزة الأساسية، ثم تطورت عناصر المسرح لتشمل الممثل، والمخرج، والمؤلف. وعلى الرغم من أن الترتيب هنا ليس بالأمر الجوهري، فإنه في وجهة نظري لا يمكن الاستغناء عن هؤلاء، لأنهم يمثلون العمود الفقري للعملية المسرحية.
تابع: لقد أُدخلت العديد من العناصر الجديدة إلى المسرح مع تطور الزمن، ولكن ما دام أن هذه العناصر لم تحل محل العنصر البشري، فإن ذلك يعد مقبولاً. على سبيل المثال، تعتبر الإضاءة آلة قادرة على إنتاج أضواء متنوعة، وقد واجهت في بداية استخدامها بعض الانتقادات، كما حدث مع ماكينة الدخان أو الهيلو جرام. ومع ذلك، لا يمكن لأي تقنية أن تعوض غياب العنصر البشري. فالمبدع يمتلك القدرة على استخدام كافة التقنيات بطريقة تسهم في إثراء العمل المسرحي، ولكن لا يمكنها بأي حال من الأحوال تعويض هذا الغياب.
اختتم: إن الميتافيرس قد يغير طبيعة الإخراج المسرحي، فإذا لجأ المخرج إلى الكسل في أداء مهمته أو اعتمد على الذكاء الاصطناعي في كتابة وصناعة العمل المسرحي، فسوف يشعر المتلقي بالفارق بالتأكيد، لأن التجربة المسرحية التي يقدمها الذكاء الاصطناعي ليست نابعة من العقل البشري. فالمتعة الحقيقية تنبع من تفاعل الجمهور والممثل، وهؤلاء بشر يمتثلون أمام أعين المشاهدين، مما يضفي روحًا وحياةً على العرض المسرحي.
محمد الزناتي: دور التكنولوجيا هي خدمة المبدع
يقول محمد الزناتي: في ظل التطور التكنولوجي المتسارع وما يشهده عالم الميتافيرس من تغييرات، لا أعتقد أن العنصر البشري سيُلغى من المشهد المسرحي، لأنه ببساطة لن يكون مسرحًا إذا حدث ذلك. فالمسرح هو تجربة حية تعتمد بالأساس على التفاعل بين الممثل والمتلقي، وإذا غاب أحد الطرفين، فإن ما سيبقى قد يُسمى بأي شيء آخر غير «المسرح». على مر العصور، شهد المسرح تطورًا في الكثير من المفاهيم، واختلف المبدعون في تسمياتهم وتوجهاتهم الفنية، لكنهم جميعًا اتفقوا على أمر أساسي: لا يمكن أن يغيب الممثل أو المتلقي عن هذه التجربة الفريدة.
وأكد: دور التكنولوجيا، في جوهره، هو خدمة المبدع وتسهيل عمله، وليس أن تحل محله. إذا أصبحت التكنولوجيا هي التي تقود العمل المسرحي بدلًا من الإبداع البشري، فإننا بذلك نقف ضد جوهر الفن نفسه، لأن الإبداع الحقيقي هو إبداع إنساني بالدرجة الأولى. يجب أن تظل التكنولوجيا أداة في يد الفنان، وليس بديلاً عنه، فهي وسيلة لدعم العملية الإبداعية وإثرائها، ولكن لا يمكن أن تكون بديلاً عن العواطف والمشاعر التي ينقلها الإنسان من خلال أدائه المسرحي الحي.
السعيد المنسي: المسرح هو التعبير الإنساني
يقول السعيد المنسي: المسرح هو التعبير الإنساني الأصيل، فالعمل المؤثر الحقيقي يتمثل في الإنسان نفسه. الإنسان هو الذي يعبر عن الأحداث الدرامية، ويقدمها، ويتفاعل معها. المسرح الرقمي يساهم في تطوير الفنون، وهذا بلا شك أمر جيد، ولكن عندما يُنقل المسرح عبر منصات رقمية، يفقد عنصراً بالغ الأهمية، وهو الحميمية بين الجمهور والممثلين. دخول الميتافيرس إلى المسرح قد يُطلق عليه أي شيء، عدا أن يكون مسرحاً.
المسرح منذ نشأته يعتمد على العنصر البشري؛ فالمبدع ينقل همومه وأفكاره إلى الجمهور بشكل مباشر، وأي وسيلة أخرى لا يمكن أن تُسمى مسرحاً حقيقياً. في بداية استخدام أي تقنية جديدة في المسرح، غالباً ما تُستخدم بشكل فوضوي حتى تُوضع القواعد التي تنظم سيرها. وجدير بالذكر أنني لم أعايش بعد تجربة الميتافيرس في المسرح، وربما عندما يتم تطبيقها على أرض الواقع تتغير الآراء.