ملاحظات حول.. فلسفة المسرح(1)

ملاحظات حول.. فلسفة المسرح(1)

العدد 902 صدر بتاريخ 9ديسمبر2024

نبذة مختصرة :
 هذه المقالة مستمدة من المفكر الفرنسي المعاصر فرانسوا لوريل لكي تعرض تحليلا “غير فلسفي” للأدبيات الحالية في فلسفة المسرح التحليلية أو الأنجلوأمريكية. وأجادل بأن كثير من هذه الأدبيات تعاني من مشكلة التطبيق، وتحديدا : تأثرت الافتراضات غير المسرحية أو الخارجة عنها وبقيت دون تحدي، عند لقاء الفيلسوف مع المسرح – ولاسيما الافتراضات التي تتعلق بطبيعة الفلسفة ودورها وموقعها في أشكال الفكر الأخرى، مثل المسرح والأداء . وسعيا للتعبير عن بعض هذه المشاكل التي نشأت من مفهوم فلسفة المسرح كمشروع تعريفي، فان هذه المقالة – من خلال أفكار لوريل – تتأمل نوع المنطلق الذي يمكن أن تحتاجه فلسفة المسرح أن تشغله، ليس لكي تفرض الفكر على المسرح، بل لكي تنفتح على أفكار المسرح .
المقدمة :
     في الدعوة لتقديم أوراق البحث لهذا العدد الخاص، لاحظ المحررون التكثيف الحالى للمشاركة العلمية في العلاقة بين المسرح والفلسفة، وبالطبع على نطاق الواسع بين الأداء والفلسفة . وفي هذه المقالة، أريد أن أعالج الجوانب المختارة لخيط واحد في هذا التطور : وتحديدا، التركيز الجديد، الذي يمكن القول انه على الأداء المسرحي ( وفي بعض الحالات مفهوم الفنون المسرحية ) الذي ظهر على مدار العشرين سنة الماضية أو نحو ذلك، مما يمكن وصفه بأنه «علم الجمال الأنجلو أمريكي « بشكل مختلف، أو أقل ايجازا الى حد ما كعمل بواسطة الفلاسفة المحدثين، بداية من الفلسفة الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة ( غير المرتبطة بالفلسفة في التقاليد الأوروبية ) .
     وبالطبع، ربما يكون من الصعب التحدث بمصطلحات فلسفة المسرح التحليلية، لأنه كما لاحظ كلايف كازو “ أن التمييز التحليلي الأوروبي هو تمييز مثير للجدل (...) يحكم علية كثيرون أنه قوة تأسيسية متنافسة وليس تأكيدا لوجود أساليب فلسفية متميزة . ورغم ذلك، يمكنني أن أقترح أن هناك أيضا مشاكل في التحدث بمصطلحات “فلسفة المسرح عموما، عندما يكون ما يشار اليه، في الواقع، عبارة عن سلسلة محددة جدا من مجموعة أكبر وأكثر تنوعا من ممارسات التفكير . فمثلا، في عام 2009، أعلن نويل كارول أن الفلاسفة “ يهتمون بالمسرح من جديد . وبعد عقود الاهمال عادت فلسفة المسرح . وما قصده هو أن أولئك الذين يعملون في النموذج السائد في الفلسفة الأنجلو أمريكية الأكاديمية كانوا مهتمين بالمسرح – على الرغم من أن المسرح بشكل مستقل هو الى حد كبير “ البطة السوداء “ فعلا بين الفنون داخل الفلسفة الأوروبية . وبالطبع، بينما كان كتاب بول توم “ من أجل الجمهور : فلسفة لفنون الأداء  For An Audience : A Philosophy of Performance  “ (1993) كان الدراسة الوحيدة للأداء من منظور تحليلي، فقد شهدت الأعوام العشرة الأخيرة اصدار سلسلة من الدراسات، من ضمنها الاختيارات التالية التي سوف تستخدم كنقاط مرجعية أساسية في هذه الدراسة : كتاب جيمس هامليتون “ فن المسرح The Art of Theater “ (2007)، وكتاب بول وودروف “ ضرورة المسرح : فن المشاهدة وأن تكون مشَاهدا The necessity of Theater : The Art of Watching and Being Watched” (2008)، وكتاب ديفيد دافيز “ فلسفة فنون الأداء Philosophy of Performing Arts” (2011)، وكتاب نويل كارول “ العيش في العمل الفني Living in an Artwork “ (2012)، وكتاب تازاشي زامير “ الأفعال : فلسفة المسرح وأداء الذات Acts : theater, philosophy,and performing self” 2014، وكتاب توم ستيرن “ الفلسفة والمسرح : مقدمة Philosophy and Theater : An Introduction” (2014)، وكتاب ديفيد سولتز وديفيد كريزنر “تقديم الفلسفة على خشبة المسرح Staging Philosophy “ (2006) والذي يتناول عددا من المقالات التي يمكن رؤيتها باعتبارها مقاربة فلسفية تحليلية للمسرح.
     تاريخيا، لم يكن لدى الفلسفة التحليلية الكثير لتقوله عن المسرح والأداء بالمقارنة الى الاهتمام المتزايد بالفنون الأخرى . وفي حين أن فلاسفة الأدب التحليليين قد أدرجوا منذ فترة طويلة مناقشات حول النصوص الدرامية الأساسية في أعمالهم، الا أنهم لم يمنحوا الأداء المسرحي نفس المستوى من الاهتمام . وقبل عام 2000، فشلت المقدمات المكرسة لعلم الجمال التحليلي في تضمين مباحث حول المسرح والأداء . ومثلما أن  هناك عدم اهتمام بالأداء المسرحي من جانب الفلسفة التحليلية – وهو الأمر الذي دعا ديفيد سولتز يشعر بالرثاء له طوال خمس عشرة سنة ولا يزال صحيحا اليوم : وتحديدا، أن الفلسفة التحليلية الأنجلوأمريكية هي النماذج النظرية القليلة الغائبة تماما عن الخطاب المعاصر وحول المسرح ونظرية الأداء والنقد . بينما كما اعترف سولتز بأن هناك “ عدد قليل من الشخصيات البارزة، مثل  جون أوستن    John L. Austin، وبدرجة أقل فيتجنشتين Wittgenstein, اللذان كان يشار اليهما في كثير من الأحيان في بحوث المسرح والأداء، فقد كان التخصص( على الأقل في المملكة المتحدة والولايات المتحدة ) لا يزال منفصلا الى حد كبير غن الفلسفة التحليلية، سواء من حيث فلسفة المسرح، أو على نطاق أوسع من حيث استكشاف القيمة لدراسات المسرح والأداء للمفاهيم والمناهج الأساسية من خلال التقاليد التحليلية .
     في بعض الأحيان، اقترح سولتز أن هذا ربما يكون مسألة سياسية مؤسسية وعدم اهتمام أو حتى نفور من الأسلوب المتصور وافتراضات الفلسفة التحليلية (المبنية على درجات متفاوتة من التحيز المؤسسي الأصيل وغير الأصيل ) بدلا من الجهل أو ببساطة عدم الوعي . فمثلا، اقترح أن كثيرا من منظري الأداء يتخيلون أن أن فلاسفة الفن يشغلون أنفسهم بتعريف المفاهيم المجردة مثل الجميل والجليل، وأنهم يأخذون في اعتبارهم المبدأ الكلاسيكي للفنانين الأوروبيين الذكور . ومع الاعتراف بأساس تاريخي ما لهذه المخاوف، يرى سولتز أن هذه المخاوف كانت، حتى في ذلك الوقت، الى حد كبير قوالب نمطية للمجال “تقوم على انطباعات جزئية عفا عليها الزمن في الغالب، والتي تستحق اعادة النظر في ضوء التنوع الداخلي ونقد الفكر التحليلي المعاصر . بينما أعتقد أنه من الانصاف أن نقول ان التحيز من النوع الذي يصفه سولتز يستمر بالفعل في دعم اللقاء – أو استمرار عدم اللقاء بين الفلسفة التحليلية ودراسات المسرح والأداء – الا أن هناك بعض الطرق التي يمكن أمن خلالها أن يُرى هذا التحيز على أنه تأكيد في فلسفة المسرح نفسها  ومن خلالها، بما في ذلك تجلياتها الحديثة . فمثلا، ربما نلاحظ أن فلسفة المسرح, في كتاب توم ستيرن الأخير (2014)، تقتصر على مناقشة كتاب المسرح الغربيين الذكور : شكسبير وتشيكوف وبريخت ( مع كاريل تشرشل باعتبارها الفنانة المعاصرة والأنثى الوحيدة المشار اليها ) .
     ورغم ذلك، سوف أركز في هذه المقالة على سؤال المنهج الفلسفي، وبوجه خاص، مرة أخرى، مع مشكلة التطبيق . ففي مجموعة المقالات التي قدماها في كتابهما “ عرض الفلسفة على خشبة المسرح “، ابتكر كريزنر وسولتز تمييزا بين “ ممارسة الفلسفة واستخدامها “ حيث يشير الشكل الأول الى فلسفة للمسرح بشكل مختلف عن مجرد تطبيقها في الشكل الثاني . وهنا، يجادلان بأن كثيرا من نظريات الأداء الموجودة تعاني من ميلها الى مجرد تطبيق نظريات مستعارة من مجالات أخرى على الأداء . بينما يعترفا بأن تطبيق النظريات من شخصية مثل جوديث باتلر على تحليل للأداء بواسطة فرقة سبليت بريتشيز Split Britches المسرحية ربما تولد رؤى ذات قيمة، ويؤكدا أن ملائمة الدراسة نفسها ترتفع وتنخفض في النهاية بناء على الحجج المقدمة من المنظرين التي تعتمد عليها النظرية، وليس على الحجج نفسها . ويزعما، بالمقارنة، أن هذه الحدود المشروطة لا تطبق على أنواع الحجج التي يقدمها أولئك الذين يطبقون الفلسفة، فضلا عن أولئك الذين يستخدمونها ؛ وقد تجلى ذلك في العملين الموجودين في  مجموعة الدراسات نفسها، اذ تنجح الحجج في فلسفة المسرح أو تفشل من تلقاء نفسها حتى عندما تعتمد بعمق على أعمال المنظرين السابقين .
     وفي هذه المقالة، بالمقارنة، سوف أستنتج من مفهوم “ اللا فلسفة non-philosophy” عند فرانسوا لوريل لكي أقترح أن كثير من الأعمال في الفلسفة التحليلية للمسرح تعاني من التطبيق . أي أنني سوف أقترح أيضا أن الافتراضات غير مسرحية أو الاضافية في فلسفة المسرح تتأثر وتبقى دون تغيير من خلال لقاء الفيلسوف مع المسرح – لاسيما في شكل افتراضات حول طبيعة الفلسفة أو دورها أو موقفها من أشكال الفكر الأخرى، مثل الأداء المسرحي . وحتى حجج أولئك الذين يمكن اعتبار أنهم يمارسون الفلسفة بشكل تقليدي، سوف يعتمدون غالبا على على الافتراضات الفلسفية الأخرى التي يتبناها الشخص الذي يقدمها . ولا يقتصر الأمر على المواضع التي قد يستخدم فيها منظّر المسرح والأداء بشكل صريح فكرة الفلسفة التي مفادها أن أن الحجة قد تنجح أو تفشل، الى الحد الذي يجعلنا نقبل مقدمات الفلسفة المذكورة . وفي المقابل، فان معايير تحديد ما يعد نجاحا وفشلا – أيا ما كان الفكر الفلسفي أو المسرحي – يجب أن يدعونا الى السؤال .
     وسوف تستكشف هذه المقالة، تحديدا، الطرق التي تنشأ من خلالها مشكلة التطبيق عندما تدرك فلسفة المسرح أن مهمتها هي تعريف الخصائص التي يمكن تخصيصها من عدمه للمسرح كظاهرة . سواء كانت مدركة كوصف، أو تطور معياري، أو أنطولوجيا، أو تحديد للجوهر، فان التعريف يبدو أنه يقدم مخاطرة أن المواجهة مع المسرح محددة مسبقا لدرجة أنها تؤكد مفاهيمنا وافتراضاتنا وقيمنا الحالية . فمشكلة التعريف تقودنا الى سؤال كيف ترتبط الفلسفة بالجديد أو غير المتوقع في المسرح، وما هو الموقف الذي يجب أن تتخذه تجاه فكرها الخاص حتى لا تمنع استيعاب الجوانب غير المتوقعة أو غير المعروفة للمسرح فقط، بل لا تمنع مجرد استيعابها بحد ذاتها دون تغيير . وتسعى هذه المقالة الى طرح سؤال : هل هناك حدود لتمييز فلسفة المسرح بتعريف، والسعي الى تعريف المسرح والفلسفة بشكل حصري ؟ وهل يمكن لفكر المسرح نفسه، وقوة المسرح كفكر، أن تكون مقبولة بشكل ما أو حتى مقبولة من خلال هذه الاشارات ؟ . واعتمادا على عمل أندرو بووي الهام عن الموسيقي, وعمل جون أوموليركا في السينما، أود أن استكشف المدى الذي تعتمد من خلاله فلسفة المسرح على الافتراضات التي تستخدم في الواقع لمنعها من مواجهة التحدي الحقيقي وأيضا الامكانيات الابداعية التي يقدم  المسرح من خلالها هويته الأدائية . وربما يعني هذا دعوتنا الى النظر في نوع فلسفة المسرح التي يمكن نصنعها : ما هي خصائص الاهتمام أو أشكال العلاقة التي يمكن أن تقدمها لي باعتبارها دراماتورج مشارك أو مخرج أو مبدع بين كثير آخرين، للعمليات الابداعية المتعددة والمستمرة والتعاونية التي تشكل المسرح ؟
(1) لوريل وانتقاد الفلسفة  :
     يهدف عمل لوريل الى اضفاء الطابع الديمقراطي أو مساواة العلاقة بين الفلسفة وأشكال الفكر الأخرى، من ضمنها الفنون . ومشروعه – الذي يسميه فلسفة غير قياسية non-standard philosophy أو اللافلسفة non-philosophy – هو محاولة لعرض الامتداد النوعي لتصنيف الفكر بدون أي نوع من الفكر الذي يطرح نفسه كشكل مثالي، بالتالي فهو موقف لمراقبة التضمين والاستبعاد أو الطرح النسبي للأفكار الأخرى داخل تصنيف . وقد سعى مجال الفلسفة لأداء هذا الدور الأستبدادي، كما يزعم لوريل . وبالنسببة لوريل، تتعلق الفلسفة بالاشارة التي ينسحب عندها الفكر من العالم ليحتل موقع السلطة أو القوة بالنسبة لها . أو على حد تعبيره، “ التفلسف في موضوع ما، يعنى الانسحاب منه ؛ بمعنى أن نبتعد قليلا, بشكل أساسي، عن المصطلح الذي سنطرح له مصطلحات أخرى “ . وبالمقارنة في كتابه “ مبادئ اللافلسفة Principles of Non-Philosophy “، يطلب منا لوريل، مثلا، أن نتأمل الكيفية التي يمكننا من خلالها مساواة الفلسفة والفن “ بعيدا عن كل تسلسل . ويجادل لوريل “ يجب أولا أن نغير مفهوم الفكر نفسه، في علاقته بالفلسفة وأشكال المعرفة الأخرى “ . وطبقا لهذه الديموقراطية في التفكير، فان الدعوة ليست “ التفكير بدون الفلسفة بل التفكير بدون سلطة الفلسفة “ . ومن خلال الاجراء غير الفلسفي، سيتم اعادة تنظيم الفلسفة والمسرح ولكن باعتبارهما شكلين مختلفين للفكر – مدمجين في كلية الواقع مع عدم منحهما أي صلاحيات خاصة لاستنفاد طبيعة الآخر، ولا طبيعة الكل الذي يشاركان فيه .
     ان احساس الفلسفة بقابليتها للتطبيق العام، بالنسبة للبعض، هو مصدر كل من فخر ومؤشر استثنائيتها الانضباطية . ويقترح الفيلسوف التحليلي جيمس تارتاجليا على سبيل المثال أن :
 الفلسفة استثنائية في اتساع اهتمامها، بحيث يمكنها أن تنعكس بشكل مثمر على المجالات الأكاديمية الأخرى، والمساعي الفنية والحياة الدينية والسياسية، وعمليا أي منطقة اهتمام انساني  ؛
 بينما تظل فلسفية بشكل ملحوظ . (...) انها لا تنبع من الاندماج ولكن الاندماج، مثل العلوم ومجالات التعلم الأخرى، قد اكتسب استقلاله،  تاركا مجموعة أساسية من الاهتمامات التي يمكـن ارجاعها الى الثقافة الاغريقية والثقافات القديمة الأخرى. هذه
        الاهتمامات – مع المعرفة، والحقيقة،والفعل الصحيح – كانت واسعة جدا لدرجة أنها ظلت قابلة للتطبيق على هذه المجالات, بحيث  أنه يمكن أن تكون فلسفة  فلسفة شخص ما لمجموعـة واسعة من الأشخاص . ولا يوجد مجال أكاديمي آخر كهذا .
ورغم ذلك، في “ لا فلسفة “ لوريل، فان نفس هذه السمة – ما يسميه لوريل “مبدأ الفلسفة الوافية « principle of sufficient philosophy – هي مصدر الانتقاد. ان هدف ما يسميه لوريل “فلسفة” هو “ الامسااك بكل شيء تحت سلطتها – تعريفها للحقيقة، ولمعرفة، وعلى الأخص، التفكير نفسه – ألا وهي ارستوقراطية الفكر aristocratism of thinking . وبالمقارنة : “ في حين أن المناهج الفلسفية القياسية تأخذ تصورها لماهية الفلسفة الصحيحة ثم تطبقها على جميع الأشياء المتنوعة – التي يسميها لوريل “ مبادئ الفلسفة الوافية “ – فان اللا-فلسفة هي أسلوب فكري يتغير مع موضوعه . ومن المهم أن نؤكد أن ما يسميه لوريل “فلسفة” هي الميل الذي يقوم به مجال الفلسفة غالبا، ولكنه يمكن أن يوجد أيضا المجالات متعددة الفروع . وبهذا المعنى، عندما ينتقد ينتقد لوريل الفلسفة، فانه لآ ينتقد بشكل حصري مجال الفلسفة بمختلف أشكاله التاريخية والتأسيسية – حتى لو ركزت اللافلسفة تجاربها على المواد المرتبطة بالتقاليد الأوروبية داخل الفلسفة بوجه خاص. فضلا عن أن ما يسميه لوريل فلسفة هو اشارة أساسية داخل الفكر الذي يفترض أولويته على كل معرفة .
     ومثلما يهدف موقف لوريل تجاه اللافلسفة عموما الى حرمان الفلسفة من كفاءتها وسلطتها فيما يتعلق بديمقراطية الفكر التي تشك بالنسبة له طبيعة الواقع غير القابل للتعريف وغير القابل للتفسير، فانه يسعى تحديدا الى حرمان علم الجمال من كفاءته تجاه الفن . بمعنى أن انتقاد لوريل للفلسفة باعتبارها اشارة سلطوية داخل الفكر – باعتبارها فكرا مع اختراقات للمطلق -  تمتد الى علم الجمال الفلسفي . “فهناك مبدأ كفاءة علم الجمال المستمد من مبدأ الفلسفة الوافية “ . ويقترح أنه يمتلك “مشتقات داخلية “ . فمثل افتراضه للموقف الترانسندنتالي الذي يحدد من خلاله الشروط الضرورية والكافية للفن، بما في ذلك المسرح . وفي مفهوم “اللاتصوير “ Non-Photography مثلا، ينتقد بشدة ما يصفه بالأنماط الوحدوية للتفاعل بين الفن والنظرية في علم الجمال الفلسفي .
    وبناء على هذه المقدمة التمهيدية , ربما لا يبدو مفهوم لوريل لعلم الجمال غير القياسي مختلفا جوهريا عن أنواع المناشدات لاستقلال الفن عن الفلسفة ونقد منطق الاعتراف الذي نجده عند فلاسفة مثل دولوز وباديو . فلوريل بالطبع ليس أول من دعا شيء مثل الفلسفة من الفن فضلا عن فلسفة الفن . بالطبع , يشير لوريل نفسه الى دعوة دولوز المنسوبة الى سبينوزا “لابتكار مفاهيم موازية للأعمال الفنية كخطوة عملاقة في اتجاه علم جمال غير قياسي non-standard aesthetics . ومع ذلك هناك بعض الفروق الدقيقة بين هذه المشروعات . فمثلا يقترح لوريل أن كل من دولوز وباديو ينتهي بهما الأمر الى المبالغة في تحديد طبيعة الفكر في الفن من وجهة نظر فلسفتهما , حتى عندما يميزاه بأنه دخيل عليه . بمعنى أنه , بقدر ما يرغب دولوز في تعريف قوة الفن في اطار التأثير ( بالنسبة لمفاهيم الفلسفة ووظائف العلم) , فانه لا يزال يطالب بشكل أدائي بمكانة ابستمولوجية مميزة للفلسفة . فالفن لا يمكنه أن ينتج مواجهات – لا يمكنه تغيير فكر دولوز – الى أنه يتم تحديده باعتباره مواجهة باعتباره تأثيرا للفكر من خلال الاختلاف . وبالمثل , فان تمييز باديو للمسرح باعتباره “ اجراء لحقيقة عامة “ ( وذلك يجعل الفلسفة مشروطة ولا يجعلها توظيفا لموضوعه ) تزيل ظاهريا الأنطولوجية الفلسفية ( التي يعينها باديو لوضع النظرية باعتبارها أنطولوجيا تتميز بالتعددية ) ولكنه يحافظ سرا على سلطتها من خلال هذه الاشارة الوجودية الشارحة ذاتها .
     بالطبع , لقد تم بالفعل انتقاد مشكلة التطبيق ومنهج فلسفة شخص ما في علم الجمال على نطاق واسع والدفاع عنها في مواضع أخرى , فيما يتعلق بكل من الموسيقى والسينما – ان لم يكن على حد علمي – مع اشارة معينة للمسرح . فالناقد بووي مثلا , هو ناقد قوي لفكرة أن مهمة الفلسفة هو تحديد طبيعة موضوع الموسيقي بشكل مفاهيمي , وبدلا من تشجيع الفلاسفة على التركيز علي الفلسفة التي تنبعث من الموسيقى . وبالطبع , ربما يمكننا الذهاب الى أبعد من ذلك لاقتراح أن هناك اتفاق واسع بأن ما نهدف اليه هو منهج لممارسة المسرح يتجنب فقط مجرد تأكيد الافتراضات الفلسفية والمنهجية التي نلتزم بها قبل المشاركة فيها . فهل هناك اجماع متنامي بأن الفلسفة التي نسعى اليها هي الفلسفة التي تجسد بشكل أدائي قيم الانفتاح , والمساواة والتعددية التي ننصح بها ولكن نناضل لممارستها بالنسبة لكل أشكال الفكر بما في ذلك كل ما يعد مسرح وأداء في سياق بعينه ؟ بينما ربما يلقي بعض الفلاسفة ظلالا من الشك حول هذه الفرضية المتفائلة – كما هو الحال في الحل الحكمي الواعي للنسبية مثلا – قد يكون الأمر بالنسبة للآخرين أن القضية المثيرة للجدل لا تكمن في التطبيق أو في الفلسفة المعينة نفسها ( التي ربما يتفق عليها الكثيرون أنها ربما تكون دائرية ومثيرة للاهتمام ومفيدة تربويا في كثير من الأحيان ) , بقدر ما تكمن في متى وأين وما هي الحالات المحددة , فان مثل هذا التطبيق يُنظر اليه على أنه مستمر ان جاز التعبير . فربما كان التطبيق في عين المشاهد .

....................................................................................
• نشرت هذه المقالة ضمن مطبوعات DE GRUYTER  2018
    • لورا كول اوموليركا تعمل حاليا محاضرة ورئيس قسم العلوم التربوية بأكاديمية المسرح والرقص في أمستردام بهولندا .


ترجمة أحمد عبد الفتاح