النقد المسرحي السري والمجهول في مصر مقدمة توضيحية

النقد المسرحي السري والمجهول في مصر مقدمة توضيحية

العدد 905 صدر بتاريخ 30ديسمبر2024

في عام 1989 حصلت على الماجستير من قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس في موضوع «دور المرأة في مسرح توفيق الحكيم»، ثم سجلت الدكتوراه بالقسم نفسه في موضوع «أثر التراث العربي في المسرح المصري المعاصر»، وفي عام 1993 تعينت مدرساً مساعداً في قسم الدراسات الأدبية بكلية الدراسات العربية بجامعة المنيا - التي تغير اسمها فيما بعد إلى «كلية دار العلوم» – وفي عام 1994 حصلت على الدكتوراه وأصبحت مدرساً في جامعة المنيا، وفاتحت أستاذي – وأبي الروحي ومشرفي على الماجستير والدكتوراه – الدكتور «إبراهيم عبد الرحمن» رحمه الله في مشاريع علمية مستقبلية، فنصحني نصيحة العُمر قائلاً: “إذا أردت أن تكون أستاذاً مرموقاً في الجامعة فلا بد أن تكتب الجديد دائماً”.
كانت هذه النصيحة بمثابة عبارة «افتح يا سمسم» التي فتحت لي مغارة علي بابا لأنهل منها الجديد دائماً منذ كتابي الأول وحتى كتابي الثاني والخمسين – حتى الآن – حيث إنني لم أكتب طوال عمري في موضوع معروف أو منشور من قبل إلا إذا كان عندي الجديد الذي أكتشفه أو أضيفه، وكذلك ندواتي وبحوثي ومؤتمراتي لا أقدم فيها إلا الجديد دائماً وغير المنشور من قبل!! ومن أهم الموضوعات التي كتبت فيها كانت الرقابة المسرحية، لا سيما كتابي «الرقابة والمسرح المرفوض» الذي أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1997، وقد اعتمدت عليه المرحومة الدكتورة «نهاد صليحة» في أحد بحوثها وشاركت به في مؤتمر بأوروبا، وقالت في تعليق لها عن هذا الكتاب في مؤتمر الرقابة الذي أقيم في مصر عام 2015، وكنت حاضراً: “إن كتاب الرقابة والمسرح المرفوض هو أول كتاب في العالم يصدر عن الرقابة المسرحية مدعماً بالتقارير والوثائق الرقابية المنشورة فيه”!!
من بعد صدور هذا الكتاب، كتبت عن الرقابة المسرحية كثيراً في بحوث ومؤتمرات وندوات، ومازال عندي الكثير حول الرقابة المسرحية لأكتبه، حيث إن النصوص التي بها ملاحظات رقابية كثيرة والتقارير والوثائق أكثر بكثير من النصوص، ولو كتبت عنها لن يكفي العمر لإنجازها، لذلك كتبت رسمياً عام 2019 إلى «دار الوثائق القومية» لتنشر التقارير في مجموعة مجلدات، وللأسف لم أجد استجابة منها، رغم أنني أنجزت الجزء الأول وأرسلته مع الخطاب!! وهذا نص خطابي إليهم في 9/4/2019: «أتقدم إلى سيادتكم بمشروع لنشر 4000 وثيقة متعلقة بالرقابة المسرحية، أقترح نشرها تحت عنوان «الموسوعة الوثائقية للرقابة المسرحية» ضمن سلسلة «دراسات وثائقية» التي تصدرها الدار. وستقع هذه الموسوعة في سبعة أجزاء، هكذا: الجزء الأول، ويشتمل على 600 وثيقة للمسرحيات التي تبدأ بحرف الألف في عنوانها. الجزء الثاني، ويشتمل على 540 وثيقة للمسرحيات من حرف الباء إلى حرف الجيم. الجزء الثالث، ويشتمل على 560 وثيقة للمسرحيات من حرف الحاء إلى حرف الذال. الجزء الرابع، ويشتمل على 600 وثيقة للمسرحيات من حرف الراء إلى حرف الضاد. الجزء الخامس، ويشتمل على 650 وثيقة للمسرحيات من حرف الطاء إلى حرف الكاف. الجزء السادس، ويشتمل على 650 وثيقة للمسرحيات من حرف اللام إلى حرف الميم. الجزء السابع، ويشتمل على 270 وثيقة للمسرحيات من حرف النون إلى حرف الياء، مع فهارس لجميع أجزاء الموسوعة تتعلق بأسماء المؤلفين والمسارح والفرق وقصور الثقافة .. إلخ.»
وهذا نص مقدمة الجزء الأول المؤرخ في 27/3/2019، والذي أرسلته إلى المسئول، وفيه قلت: “في عام 2015، أصدرت سلسلة «دراسات وثائقية» – في عددها التاسع عشر – الجزء الأول من «وثائق المسرح المصري»، وفي تصديره أشار الدكتور «محمد صابر عرب» – رئيس تحرير السلسلة – بأن هذا هو جزء من ثلاثة أجزاء، سوف تصدرها السلسلة تباعاً!! ومرت أربعة أعوام، ولم يصدر أي جزء آخر حتى الآن!! والسبب في ذلك راجع إلى أنني في الجزء الأول قمت بنشر أغلب الوثائق المسرحية التراثية، المتعلقة بالرقابة المسرحية من عام 1921 إلى عام 1951، ونشرتها وفقاً لتصنيف الفرق المسرحية، مثل: وثائق مسرحيات يوسف وهبي، ووثائق مسرحيات جورج أبيض، ووثائق مسرحيات عبد الرحمن رشدي، ووثائق مسرحيات علي الكسار، ووثائق مسرحيات الفرقة الحكومية، ووثائق مسرحيات فوزي منيب، ووثائق مسرحيات الجمعيات والنوادي والنقابات .. إلخ!! وقد بلغ عدد الوثائق المنشورة في هذا الجزء 450 وثيقة!! وهذا يعني أنني مُطالب بنشر ألف وثيقة رقابية في الجزأين المتبقيين، لتكتمل وثائق المسرح المصري في ثلاثة أجزاء، كما جاء في تصدير الجزء الأول. وهنا ظهرت مشكلة جديدة، تمثلت في هذا السؤال: المطلوب ألف وثيقة .. فأي ألف وثيقة سأقوم باختيارها من بين أربعة آلاف وثيقة رقابية مسرحية متوفرة بين يدي، من عام 1958 إلى عام 1988؟! وعندما طرحت المشكلة على هيئة تحرير السلسلة، طرحت عليهم حلاً بأن ننشر جميع الوثائق الرقابية المسرحية في مجموعة مجلدات، ونطلق عليها عنوان «الموسوعة الوثائقية للرقابة المسرحية»؛ وبناءً على ذلك عكفت طوال السنوات الأربع على هذه الوثائق من أجل تصنيفها وتبويبها، وتصويرها ألكترونياً – بالماسح الضوئي «الإسكنر» - وتنظيفها بكل وسيلة ممكنة، حتى تخرج في ثوبها اللائق بسلسلة «دراسات وثائقية». أما تصنيف الوثائق داخل مجلدات الموسوعة، فجاء وفقاً لعنوان المسرحية، من حيث الترتيب الهجائي؛ لذلك خصصت الجزء الأول للمسرحيات، التي تبدأ بحرف الألف، مثل: ابتسامة فوق شفايف مصر، واتفرج يا سلام ..إلخ، مع إلغاء أداة التعريف «ال» لو تم استخدامها في عنوان المسرحية، مثل: الأخطبوط فهي أخطبوط، والأرض فهي أرض .. وهكذا. ولم أقم بإلغاء «أبو» من اسم المسرحية، فمثلاً «أبو العيال» تركتها كما هي، وكذلك أبو الفحول، وأبو الليف .. إلخ. كما أنني لم أشأ أن أقول: المسرحيات التي تبدأ بالهمزة – وهو التعبير الصحيح – وقلت المسرحيات التي تبدأ بالألف؛ لأن أغلب المسرحيات وعناوينها مكتوبة بالعامية، ومن الصعب تصنيف الأسماء العامية وفقاً لمعاجم اللغة، ومن هذا المنطلق جعلت حرف المد في بداية عناوين المسرحيات، وكأنه ألف، مثلاً «الآلهة غضبى»، ستجدها وفقاً للترتيب في «الهة غضبى». ووفقاً لهذا التصنيف، ستتكون الموسوعة من سبعة مجلدات: المجلد الأول، للمسرحيات التي تبدأ بحرف الألف. والمجلد الثاني، للمسرحيات من حرف الباء إلى الجيم، والثالث من حرف الحاء إلى الذال، والرابع من حرف الراء إلى الضاد، والخامس من حرف الطاء إلى الكاف، والسادس من حرف اللام إلى الميم، والسابع من حرف النون إلى الياء مع ملاحق خاصة بفهارس الموسوعة في جميع أجزائها. وكل جزء سيصدر، سأقدم له بكلمة أبين فيها أهمية الوثائق المنشورة، مع الوقوف على نماذج منها، شارحاً أهم نقاط دراستها؛ حيث إنها وثائق؛ لم تُنشر من قبل، ولم تُدرس حتى الآن!! والجدير بالذكر، إنني منذ أكثر من عشرين سنة، وتحديداً في عام 1997، أصدرت كتابي «الرقابة والمسرح المرفوض 1923 – 1988»، والمنشور في الهيئة المصرية العامة للكتاب، ونشرت فيه حوالي مائة وثيقة رقابية مسرحية، مع تأريخ دقيق لتاريخ الرقابة المسرحية. وكنت أرغب في استكمال هذا الكتاب بكتابين آخرين؛ ولكن الانشغال بكتب أخرى أصدرتها، وبموضوعات جديدة نشرتها، جعلني أتكاسل عن استكمال المشروع، على الرغم من الشهرة التي نالها هذا الكتاب، والذي يُعد المرجع الأول – ليس في مصر أو في الوطن العربي، بل - في العالم في مجال الرقابة المسرحية؛ بوصفه المرجع الوحيد المنشور فيه أكثر من مائة وثيقة رقابية مسرحية، وهو الأمر غير المسبوق في حينه منذ أكثر من عشرين سنة، وحتى الآن!! أقول هذا الآن؛ كي يقدر القارئ قيمة هذه الموسوعة، التي ستتوفر بين يديه، وبها أربعة آلاف وثيقة رقابية مسرحية، لم تُنشر من قبل، ولم تُدرس من قبل!! واسم «الموسوعة الوثائقية للرقابة المسرحية»، هو اسم مناسب؛ لأن التقارير الرقابية التي ستنشر فيها، ستغطي كل أصناف النصوص المسرحية، لجميع أنواع المسارح!! وتعبيري بكلمتي «كل وجميع» ليس المقصود به الكم، بل الكيف!! أي سنجد وثائق رقابية تتعلق بمسارح الدولة، وأخرى بمسارح القطاع الخاص، ومسارح الثقافة الجماهيرية، ومسارح الهواة، والمسرح الجامعي، ومسرح الشركات، ومسرح الطفل، ومسرح العرائس .. إلخ .. والله ولي التوفيق».
وفي أغسطس 2024 شاركت ببحث في ندوات المهرجان القومي للمسرح المصري – في دورته السابعة عشر - عنوانه «النص المسرحي بين النقد والرقابة» وفي آخر الندوة قلت أمام الجميع – والتسجيل مازال منشوراً في موقع المجلس الأعلى للثقافة وفي موقع المهرجان – وفي صفحتي بالفيسبوك - بأنني على استعداد لأن أعطي كافة النصوص الرقابية وجميع تقاريرها وثائقها إلى أية جهة حكومية شريطة أن تتسلمها مني «رسمياً» وأن تجعلها متاحة للباحثين!! وكنت أظن أن الاتصالات ستنهال عليّ والجهات ستتصارع للفوز بهذه الفرصة .. وللأسف لم يهتم بالأمر أي مسئول حتى الآن!! هنا أيقنت أن القدر كتب عليّ «وحدي» أن أنقذ هذه النصوص بتقاريرها ووثائقها، لأنني الوحيد الذي يعلم قيمتها، وأنني الوحيد الذي يستطيع أن يكتب عنها .. فهذه مشيئة الله وقدره!!
وقبل أن أبدأ في نشر هذه الحلقات، أوضح المقصود من العنوان العام لها وهو «النقد المسرحي السري والمجهول في مصر» فأقول: من السهل معرفة أسماء نُقاد المسرح منذ الستينيات حتى الثمانينيات في مصر، ومن السهل أيضاً إيجاد ما نشروه، لأن أسماء النقاد معروفة، وما كتبوه من نقد منشور ومتاح للجميع!! ولكن هناك نُقاد مسرح سريين في مصر .. لا نعرف أسماءهم، رغم أنهم كتبوا نقداً مسرحياً مجهولاً لم يُنشر مطلقاً، ولم يقرأه أحد!! وهذا النقد يُعدّ صادقاً لأن الناقد السري كتبه بصفة رسمية، وهو يعلم جيداً أن ما سيكتبه من نقد لن يطلع عليه أحد، ولن يُنشر يوماً ما!! والغريب أن هؤلاء النقاد لم يكونوا خمسة أو عشرة مثلاً .. بل أحصيت منهم أكثر من خمسين ناقداً وناقدة – مارسوا النقد المسرحي الرسمي والسري -  طوال أكثر من ثلاثين سنة من عام 1958 إلى 1989، وكانوا طوال هذه السنوات يتحكمون في جميع العروض المسرحية المصرية التي تُعرض على الجماهير، بل ولهم الحق في التدخل فيما يسمعه الجمهور من حوار أو منعه أو تغييره!! والأخطر من ذلك أن لهم الحق في تغيير أو حذف أو إضافة أحداث للعرض المسرحي، بل ولهم الحق في منع العرض بأكمله، ولا يملك المؤلف – أو المخرج – إلا الرضوخ لأوامرهم!! وهذه بعض أسماء هؤلاء النقاد السريين مرتبة هجائياً:
أحمد عبد العاطي، أدهم مصطفى القلعي، إنعام سويف، إيناس إبراهيم محفوظ، تيسير حامد بدر، ثريا الجندي، جمال إبراهيم محمد، جورج بطرس، حسن عباس، حمدي سرور، حمدي صلاح النجيمي، حنان علي أحمد، راضية سيد، زوزو نبيل، سامي أحمد، سعاد هانم محمد أحمد طاهر، سعد الجيزاوي، سلمى عبد القادر فخري، سمير رشدي عطا، شكرية السيد، شوقي شحاتة محمد، صفاء عبد الحميد، عادل أحمد عيسى، عادل عبد العزيز سالم، عصام سعد الدين محمد، عصام عبد العظيم، عفاف علي أحمد، علاء سعودي، علي الفقي، عمارة نجيب، فادية محمود علي بغدادي، فاطمة حسنين، فايزة الجندي، فتحي عمران أحمد، فتحي مصطفى عبد الرحيم، فؤاد خطاب، كمال سعد طه، لواحظ عبد المقصود، ماجدة الشيخ، محروس الجارحي، محسن مصيلحي، محمد الفاروق البهائي، محمد حسن شيخون، محمد حسن عبد العال، محمد شيحة، محمد عمارة، نادية حمدي، نبيلة حبيب، نجلاء الكاشف، نجيب سرور، نعيمة حمدي، هدى بطرس تادرس، وسام سعد الدين محمد.
أغلب هذه الأسماء لن تجدها منشورة مهما بحثت عنها في مجال تاريخ المسرح أو نقده، إلا في كتاب واحد فقط، هو كتابي «الرقابة والمسرح المرفوض»!! وهكذا يتضح لنا أن النقاد الرسميين أو السريين هم «رقباء» إدارة الرقابة على المسرحيات، التابعة للإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الثقافة .. ووصفهم بالرسميين راجع إلى كونهم موظفين حكوميين ونقدهم المسرحي نابع من وظيفتهم الرسمية!! أما وصفهم بالسريين فهذا راجع إلى أن أسماءهم غير معروفة – بوصفهم رقباء مسرحيين - ولا يحق لأي مسرحي معرفة اسم الرقيب الذي يراقب نصه أو بروفة عرضه أو عرضه في ليلته الأولى، هذا بالإضافة إلى أن نقدهم المكتوب في تقاريرهم الرسمية الوظيفية لا يُنشر، ولا يُحتفظ به إلا لفترة زمنية محدودة، ويتم التخلص منه بوصفه «دشتاً» أي «أوراق مهملة»!! وهذا تصرف وظيفي طبيعي جداً ومعمول به في معظم الجهات والوزارات التي تتعامل مع الأوراق الرسمية التي انتهت صلاحيتها وأهميتها وقيمتها بمرور الزمن.
ويشاء القدر أن أنقذ مجموعة من أوراق وملفات هذا «الدشت» تتعلق بالمسرحيات التي تناولتها الرقابة، وكتبت من خلالها – كما قلت سابقاً - كتابي «الرقابة والمسرح المرفوض»، ومجموعة من الدراسات والمقالات حول الرقابة والمسرح، ورغم ذلك فهناك جوانب أخرى لم أتناولها، وهناك الجديد الذي لم أكتبه، ومن هذا الجديد حلقاتنا «النقد المسرحي السري والمجهول في مصر»! وبطبيعة الحال لن أتحدث عن كل ما لدي – رغم أنني سأحاول ذلك قدر طاقتي – وسيكون حديثي وفقاً للجديد الذي سأضيفه – وفقاً لمشروعي – بحيث يكون هذا الجديد متعلقاً بموضوع أو بفرقة أو بمؤلف أو بمسرح أو بفكرة .. إلخ!
ووفقاً لعنوان الحلقات سيكون اهتمامي متجهاً إلى التقارير الرقابية، كونها هي النقد السري المجهول، مما يعني أنني سأتحدث «فقط» عن النصوص المرفق بها تقارير رقابية، أو التقارير الرقابية التي ليس لها أي نصوص! حيث إن هناك كماً كبيراً من النصوص فُقد وتهالك بسبب سوء التخزين والرطوبة، كوني احتفظت بها طوال ثلاثين سنة في أماكن تخزين منزلية، وتنقلت معي في ثلاثة أماكن سكنية تنقلت للعيش فيها طول هذه العقود الثلاثة، ناهيك عما حدث للوثائق المرفقة والتي ليس لها أية نصوص!! ورغم ذلك فالمتبقي والصالح للقراءة والبحث – والذي لم أتناوله نهائياً في كتاباتي السابقة حتى الآن - يُعدّ كماً لا بأس به.


سيد علي إسماعيل