جولة فى شارع المسرح الأمريكى

 جولة فى شارع المسرح الأمريكى

العدد 920 صدر بتاريخ 14أبريل2025

يشعر الممثل والمنتج والمخرج المسرحى والسنيمائى الامريكى دنزل واشنطن (70 سنة) بسعادة كبيرة هذه الأيام بسبب نجاح عرضه الجديد لمسرحية شكسبير الشهيرة “عطيل”. وهذه المسرحية سبق ان قدمها واشنطن عدة مرات من قبل على مدار حياته الفنية التى بداها منذ أكثر من خمسين عاما. وكان بعض هذه العروض من اخراجه والبعض من اخراج اخرين.
وكان يقوم ببطولتها مستغلا فى ذلك بشرته السوداء كبشرة عطيل بطل مسرحية شكسبير الذى كان يطلق عليه فى المرحية المغربى الأسود. هذا رغم أن عددًا من الممثلين البيض كانوا يجسدون الشخصية بعد طلاء بشرتهم باللون الاسود.
وقد اجاد معظم هؤلاء فى تجسيد الشخصية لكن واشنطن كانت لديه قناعة خاصة بأن تجسيد الشخصية بواسطة ممثل أسود البشرة هو أفضل البدائل للتعبير عن تلك الشخصية المعقدة.

غير تقليدى
ومنذ أيام بدأ واشنطن عرضا جديدا برؤية جديدة لمسرحية عطيل. وساعده فى ذلك المخرج المسرحى الشهير كينى ليون.والجديد فى هذا العرض أن واشنطن – فى رؤيته الجديدة جعل جميع الممثلين، وهو فى المقدمة يرتدون ملابس عصرية وليس الملابس السائدة فى عصر شكسبير (1564- 1616).
وكان ذلك محاولة منه لإظهار أن أعمال شكسبير تعالج قضايا عامة فى كل مكان وزمان. ورفض العديد من النقاد هذا الشكل الفنى باعتباره نوعًا من المباشرة التى لا تناسب العمل الدرامى بوجه عام. وأصر واشنطن على تبنى هذه الرؤية مخاطرا باحتمالات فشلها.
ويبدو أن الهجوم العنيف من النقاد تسبب فى إثارة الفضول لدى جمهور المسرح فحرص عدد كبير منهم على حضور العرض ما أثار الشعور بالارتياح لدى واشنطن.
وكان من هؤلاء النقاد الناقدة المسرحية لمجلة فارايتى. وزاد من سعادته عرضه على مسرح إيثيل بارى مور فى برودواى الذى يبلغ عدد مقاعده 1085 مقعدا، ووصل سعر التذكرة فى السوق الموازية إلى 920 دولارا.

نعم ولكن
تقول الناقدة إنها  منذ بدأت فى متابعة الأعمال المسرحية لم تجد ممثلا قادرا على تجسيد شخصيات شكسبير وتوصيلها إلى الجمهور بسهولة ويسر وإقناع، مثل دنزل واشنطن. ومع شخصية عطيل بشكل خاص كانت تعجب كثيرا بروح السخرية التى تتميز بها تلك الشخصية. فهى شخصية حافلة بالدلالات وبالمفارقات الصعبة والمؤلمة.
 وعندما طالعت العرض الأخير الذى بدأ مع مطلع أبريل وجدته عرضا باهتا بلا روح لا يتفق مع ما اعتادته من إجادته فى تجسيد روح الشخصية وليس مجرد الشكل. وما يبعث على شعورها بمزيد من الأسف أن يخرج العمل بهذا الضعف من يدى مخرج متمكن مثل كينى ليون إلى حد يمكن معه اعتبارها مولودا غير شرعى فى عالم الفن.
وتشرح الناقدة الرؤية التى تبناها واشنطن فهو يجسد فى هذا العمل الشخصية الرئيسية، وهى عطيل القائد العسكرى الذى يطلق عليه “المغربى الاسود “يتبنى خيارات شخصية تثير غضب مساعده غير المخلص اياجو. ويسعى اياجو الى الوقيعة بين عطيل وبين زوجته الليدى ديمون او ديدمونة التى جسدت شخصيتها مولى أوزبورن وينجح فى ذلك رغم شعور عطيل بنواياه غير الصادقة فيقتل زوجته فى النهاية.

ملابس عصرية
وتتوالى الأحداث بشكل لا يختلف كثيرا عن النص الأصلى لشكسبير لكن بملابس عصرية مدنية وعسكرية ترتديها الشخصيات على مدار العمل للتأكيد على أن العمل يتناول قضايا تمس الحياة المعاصرة.
وربما أراد كاتب النص المسرحى أن يبقى على الصلة بطريقة أخرى فأجرى على لسان الأبطال كلمات وعبارات تنتمى إلى عصر شكسبير أو عصور تالية مثل العصر الفيكتورى، ولم تكن تلك الفكرة أيضا ناجحة.
 وتلك كما ذكرنا تعتبرها الناقدة نقطة ضعف واضحة فى العمل وربما نوعا من الاستخفاف بعقلية المشاهد. فليس من الضرورى فى المسرح أو أى وسيلة تواصل أخرى أن يظهر الممثلون بملابس عصرية، ليقتنع المشاهدون بأن العمل الدرامى يتناول قضية معاصرة أو أن أعمال شكسبير لاتزال معبرة عن الواقع بعد أكثر من 400 سنة على كتابتها. فالطبيعة الإنسانية ثابتة ولا تتغير عبر مرور الزمن وتعاقب الاحداث.
وسبق أن تكرر هذا الأمر – الظهور بملابس عصرية فى معالجات مباشرة لمسرحيات شكسبير، لكنها تم تحقق نجاحا كبيرا مما يدعو إلى البحث فى أسباب نجاح عرض دنزل واشنطن رغم تلك النقطة.
وترجح الناقدة أن يرجع السبب إلى حد ما إلى إجادة الممثلين فى تجسيد شخصياتهم مثل جيك جلينال الذى جسد بنجاح شخصية ياجو بما تضمنته من انفعالات متباينة ومتناقضة مثل اللباقة والاندفاع وغياب الشعور بالأمان. وكان يجسد بعض المواقف فى حديث إلى المشاهدين. لكن المؤكد أن الملابس المناسبة للنص الأصلى كانت ستقود إلى نجاح أفضل. وساهمت الإضاءة أيضا فى إبراز بعض المشاهد فى النص المسرحى. وكانت هناك ما يشبه كيمياء خاصة فى الأداء بين واشنطن وأوزبورن ساعدت على إكساب العرض بعض نواحى القوة.

جنون
وانضمت إليها ناقدة مجلة فاشر أو النسر بشكل أكثر حدة. قالت الناقدة أنها أصيبت بالجنون، وهى تشاهد العرض المسرحى ولا تعرف كيف خرج العمل المسرحى بهذه الصورة الضعيفة وهذه العيوب الصارخة التى كادت تصيبها بالجنون وهى الناقدة التى تفهم أصول فن المسرح جيدا، ومن سمح بذلك وما الهدف من وراء ذلك.
ومما أثار دهشتها أن يظهر الممثلون الذين قاموا بدور رجال الشرطة وهم يرتدون ملابس تحمل شارة العلم الأمريكى.. هل يريد المخرج أن يقول إن العمل يتحدث عن مشاكل المجتمع الأمريكى..إنها مباشرة غير مقبولة.
وتظل الناقدة فى هجومها العنيف على المسرحية ثم تحاول تهدئة حدة الهجوم بالاشارة الى ما تقول انه بعض ايجابيات العمل مثل شخصية كاسيو الضابط الذكى الذى نال ترقية من عطيل وأصبح رئيسا لياجو. فهو فى رأيها كان يتحدث بكلام له معنى عكس معظم الحوار فى المسرحية الذى جاء باهتا.

أفضل ممثل
وكانت صحيفة نيويورك تايمز اعتبرت واشنطن أفضل فنان أمريكى فى القرن 21 فى استفتاء أجرته فى 2020.
وعبر حياته الفنية التى بدأت منذ كان فى العشرين من عمره حصل على العديد من الجوائز الفنية المرموقة مثل جوائز الاوسكار وجولدن جلوب التى فاز بها ثلاث مرات وجائزة تونى المسرحية المرموقة. هذا فضلا عن العديد من الجوائز التى تم ترشيحه لها ولم يقدر له الفوز.
وهو يعتز بأن بدايته كانت مع المسرح، حيث تلقى تدريباته الاولى فى معهد المسرح الفنى فى نيويورك وبدا حياته بعدة عروض فى مسارح صغيرة خارج برودواى قبل أن يتالق وتظهر ويبدأ فى المشاركة فى عروض برودواى.


ترجمة هشام عبد الرءوف