العدد 926 صدر بتاريخ 26مايو2025
فى زمن يبحث فيه كثيرون عن الضحك السهل، يصرّ هو على أن تكون الكوميديا وسيلة لطرح الأسئلة. مخرج شاب لكنه يحمل فى جعبته خبرات سنوات من العمل الجاد، بين مسرح الجامعة ومركز الإبداع الفنى، وصولًا إلى خشبات الدولة. تعددت أدواره بين التأليف والإخراج والديكور مرورًا بتجارب تعليمية وورش فنية نقل من خلالها خبراته لجيل أصغر من المبدعين. فى عرضه الجديد «فى يوم وليلة»، الذى يعرض على خشبة مسرح ميامى يمزج المخرج محمد عبدالستار بين التمثيل والغناء والاستعراض، رافعًا شعار “الضحك لا يكتمل إلا بالمضمون”. بين الكواليس والتحديات، وبين الرؤية الفنية والطموح، يروى لنا المخرج تفاصيل تجربته الأخيرة.
عرض «فى يوم وليلة» بطولة محمد على رزق، سارة الدرزاوى، محمد الدمراوى، نديم هشام، نجلاء فوزى، كريم يحيى، محمد أمين، رانيا النجار، محمود الهنيدى، إسماعيل السيد، أحلام الرفاعى، اسلام سعد الدين، ديكور عمرو عبدالله الشريف، استعراضات فدوى الهنيدى، ملابس مها عبد الرحمن، إضاءة محمود الحسينى كاجو، مكياج أدهم عفيفى، دعاية ممدوح صلاح، المخرجان المساعدان عبده فضل، حسن حسين، المخرج المنفذ إسلام سعد، العرض من تأليف وإخراج محمد عبد الستار.
حدثنا عن البدايات مع المسرح، ومن كان له أثر فى مشوارك؟
بدأت فى مسرح المدرسة ثم انتقلت إلى مسرح الجامعة، وكان مسرح حقوق القاهرة هو البداية الحقيقية بالنسبة لى. يُعتبر مسرح حقوق القاهرة من المسارح العريقة التى أخرجت العديد من النجوم مثل خالد الصاوى وخالد صالح رحمه الله، بالإضافة إلى أسماء أخرى كثيرة. أستاذى الأول حسين محمود رحمه الله له الفضل الكبير فى تعليمى، وما زلت أدعو له وأعتبر نفسى منتميًا إلى مدرسته. هو أستاذى الذى علمنى كل شىء يتعلق بالإخراج فى بداياتى، وما زلت أعتبر نفسى فى مرحلة البداية رغم مرور السنوات. توفى فى 2012، ومع ذلك ما زال يُهدى لاسمه العروض بالجامعة، فقد كان واحدًا من الأساتذة الكبار الذين اكتشفوا العديد من النجوم، وبعضهم دخل مركز الإبداع الفنى بعد ذلك لكن كانت بداياتهم فى مسرح الجامعة، ومنهم محمد فراج، محمد سلام، تايسون، ياسر فيصل (أوتاكا)، والكثير غيرهم. هؤلاء خرجوا من مدرسته إلى مدرسة خالد جلال، وكان لى الحظ أن أسير فى نفس الطريق. فما زال اسم حسين محمود يذكر كأحد رواد المسرح والمعلمين الأوائل لعدد كبير من النجوم الذين يعملون حتى الآن بفضل إرث هذا الرجل العظيم.
كيف بدأت فكرة العرض وسبب اختيارك للاسم؟
بدأت فكرة العرض أثناء تقديمى لعرض «بعيد عنك» فى مركز الإبداع، والذى رُشّح لثمانى جوائز فى المهرجان القومى للمسرح وشاهده جمهور واسع، من بينهم الفنان ياسر الطوبجى، مدير المسرح الكوميدى. بعد العرض، عرض على التعاون فى مشروع جديد، فكانت تلك بداية التفكير فى تقديم عرض كوميدى يليق بالمسرح الكوميدى، مع الحفاظ على منهجى القائم على الكوميديا العائلية والاجتماعية، ومن هنا وُلدت فكرة «فى يوم وليلة».العرض يجمع بين التمثيل والغناء والاستعراض، وهى توليفة نادرة ولكنها غير جديدة، وأردت تقديمها بطريقتى الخاصة. فى كل تجربة، أسعى لتقديم نوع جديد من الضحك يتناسب مع ذوق جمهور متنوع، لأن الجمهور المصرى يمتلك تاريخًا طويلا مع الكوميديا وحسا فكاهيا عاليا. لذلك، يمكننا دائما تقديم عروض متنوعة بكوميديا مختلفة، وهو ما أؤمن به وأسعى لتحقيقه.
أما عن اختيار الاسم، فالأحداث تدور خلال يوم وليلة حيث يلتقى البطل بشخصيات جديدة تغير مجرى حياته تماما، وتدفعه لإعادة النظر فى واقعه واتخاذ قرارات مصيرية. كما أن الأغنية حاضرة فى العرض لأننا نقدم كوميديا رومانسية، وقد قررت منذ البداية العمل على إعادة إحياء الكلاسيكيات الغنائية. وهذا هو العرض الثانى الذى يحمل اسم أغنية كلاسيكية مصرية بعد «بعيد عنك».
ما الرسالة التى أردت إيصالها من خلال هذا العمل؟
قررت منذ البداية تقديم عرض كوميدى يحمل فى طياته موضوعا ورسالة واضحة. تتمثل هذه الرسالة فى أهمية مواجهة مشكلاتنا، وأنه فى بعض الأحيان قد تقودنا صدفة غير متوقعة إلى إعادة النظر فى حياتنا ومسارنا. علينا أن نتعامل مع المواقف الجديدة ونضعها بعين الاعتبار، وأن نعيد تقييم الأمور بنظرة حيادية ومنصفة، فقد تكون هذه اللحظة نقطة تحوّل حقيقية تغيّر مجرى حياتنا بالكامل. أطرح هذه الفكرة من خلال قصة رومانسية لايت كوميدى، وهى تمثل الرسالة الرئيسية للعرض.
حدثنا عن كواليس اختيار فريق العمل وكواليس العمل معهم؟
بدأتُ العمل مع فريق تجمعنى به صداقة عمر تمتد لأكثر من خمسة عشر عامًا، معظمنا بنسبة 90? من خريجى مركز الإبداع الفنى، مثل محمد على من دفعة “قهوة سادة”، وأنا من دفعة “سلم نفسك”. بدأت صداقتنا عام 2010 وتشمل أيضا محمد الدمراوى، وكريم يحيى، وغيرهم. اخترت العمل مع من تربطنى بهم علاقة طويلة حتى يكون لدينا مشروعا نحلم به، ونعمل عليه بروح الصداقة واحترافية العمل. الدراسة فى المركز صقلت مهاراتهم، خصوصا فى هذا النوع من الكوميديا، فكانوا أنسب اختيار، إلى جانب النجمة سارة الدرزاوى وبعض ممثلى البيت الفنى. علاقتى بمحمد على تتجاوز الفن، فهى عائلية وممتدة، وأراه ممثلًا موهوبًا يجمع بين الحضور المبهر على المسرح المسرح وأمام الكاميرا، ملتزمًا ومتجددًا، وهذه أولى شروط النجاح فى المسرح وهى صفات نادرة. وهو حريص على تقديم عمل مسرحى كل فترة. المشروع قام على اسمه، وأنا سعيد جدًا بأن يكون أول عمل فنى يجمعنا رغم صداقتنا الطويلة. تجربة “فى يوم وليلة” كانت تجربة خاصة، لأنها خرجت من القلب، وكان البطل صديقى وفنانى.
العرض يحمل طابعًا خفيفا فى ظاهره لكنه يغوص فى قضايا أعمق، فهل كنت تقصد هذا التوازن منذ البداية؟
التوازن فى العرض كان نقطة الانطلاق الأساسية. فبينما يحقق الضحك السهل نجاحا لحظيا، إلا أنه لا يدوم، بعكس الكوميديا المرتبطة بقضية حقيقية، وهى التحدى الأكبر، تقديم عمل خفيف يحمل رسالة، يناسب جميع الأعمار والطبقات، ويليق بالمشاهدة العائلية. جمهور مسرح ميامى تحديدًا يستقطب شريحة خاصة من الجمهور غالبا من العائلات ممن يخوضون تجربتهم الأولى مع المسرح، لذا شعرت بمسؤولية مضاعفة، لأن هذا العرض قد يحدد علاقتهم المستقبلية بالمسرح. حرصت منذ البداية على تقديم كوميديا تحترم عقل الجمهور وتحمل مضمونًا، ونجحنا فى تحقيق هذه المعادلة الصعبة، كما حدث فى العرض السابق، والحمد لله جاءت ردود الفعل إيجابية.
رسمت الشخصيات بوعى كبير حدثنا عن ذلك وهل كان الهدف من العمل تقديم نقد مجتمعى ساخر أم التركيز على التسلية؟
فى رسم الشخصيات، أؤمن دائمًا أنه لا يجوز أن تكون هناك شخصية موجودة لمجرد ملء الفراغ أو لتلبية نمط شكلى معين. لانقدم نقد مجتمعى ساخر أو تسلية فقط، فأرى دائمًا أنه لا بد أن يشعر معه المتفرج بأنه داخل الحكاية، أن يرى نفسه فى شخصية ما، أو فى موقف لمسه ، أو بشخصية ألتقى بها فى حياته. هذا القرب بين الجمهور والحكاية هو ما يميز المسرح عن السينما، فالممثلون على الخشبة لحم ودم، والتفاعل معهم حى ومباشر، وإذا لم تلمس القصة المتفرج، فسيظل منفصلًا عنها. وإن كانت بعض الشخصيات مرسومة بملمح كاريكاتيرى من أجل الإضحاك، فإنها تستند إلى مواقف نعيشها ونراها فى حياتنا اليومية. وبالتالى هى شخصيات أصيلة. ولهذا حين يكون المتن يسمح أن يبدع الممثل ويضيف فنتناقش، ونختلف، ونطور على مدار البرو?ات حتى نصل إلى الشكل النهائى بحيث تكون شخصية حقيقية. حين يخرج الجمهور متذكرًا جملة معينة، حركة، أو موقف لشخصية، فذلك دليل على أن الشخصية نجحت، ونجاح الشخصية هو جزء أساسى من نجاح العرض ككل.
هناك تنوع فى الأداء بين الشخصيات.. فكيف عملت على ذلك وهل تركت حرية الارتجال للممثلين أو أشركتهم فى الكتابة؟
لم يكن هناك أى ارتجال من الفنانين فى العرض. التنوع فى الأداء كما تعرفين له علاقة بالإخراج، يسعى لضمان أن تكون كل شخصية مختلفة عن الأخرى. هناك بالطبع بعض الإضافات من الممثلين، التى نناقشها معا بالاتفاق عليها، وقد يقترح أحدهم فكرة أعدل عليها، لكن بشكل عام، فكرة الارتجال ممنوعة تماما بالنسبة لى. الارتجال يليق بعروض أخرى، وهناك بعض العروض التى تكون مبنية على الارتجال، لكن فى «فى يوم وليلة»، النص بالكامل يعتمد على حوار محكم. كل جملة وكل كلمة فى النص مبنية على تفاصيل متسلسلة؛ إذا نسيت جملة أو تم قولها بشكل مختلف، قد تفقد معلومة مهمة ستؤثر لاحقا على الأحداث. لهذا، الارتجال فى هذا النوع من العروض يكون صعبا جدا. ولم يشاركنى أحد فى كتابة النص.
نعانى بعض الأحيان من المباشرة فى الأعمال المسرحية فكيف تناولت موضوعات مثل الطموح، والحب، والاستغلال.. دون أن تبدو شعاراتية أو مباشرة؟
فكرة المباشرة تضايقنى كمتفرج، ولذلك أبتعد عنها تماما حين ألاحظ أن الأمور تتجه إليها، فنحن نخاطب مشاعر المتلقى وعقله. على مدار التاريخ، سواء فى الفن أو فى غيره، إذا تحدث شخص بشكل مباشر، فلا أعتقد أن أحدا سيتأثر بجملة مباشرة، وخاصة فى عمل فنى. بدلًا من ذلك، أحب أن أوجه الانتباه إلى فكرة معينة أو أضع المتلقى فى الموقف، ليشعر به ويرى كيف يمكن أن يتطور، وبالتالى يشعر بمشاعر الشخصية. إذا شعر المتفرج بالموقف، قد يؤثر فيه شيء ما أو يصل إلى فكرة تغيره وتجعله يتخذ قرارا مختلفا فى حياته. سواء كانت الموضوعات تتعلق بالحب، أو الاستغلال، أو الطموح، فإننى أحرص على أن يرى المتفرج الحكاية بنفسه، دون أن أخبره بها مباشرة، لكى يشعر بها ويصدقها. وهكذا نكون قد هربنا من المباشرة وفى نفس الوقت وصلنا بالرسالة التى نريد توصيلها، وهذا هو أعظم تأثير يمكن أن يحققه الفن
العلاقة بين البطل والفتاة كانت محفزًا للتغيير.. فهل أردت من خلالها إبراز دور العلاقات الإنسانية فى دعم الشخص وخاصة دور المرأة؟
العلاقة بين البطل والبطلة فى العرض تشكل أحد محفزات التغيير، لكنها ليست العلاقة الوحيدة؛ بل هناك مجموعة من الشخصيات التى يلتقى بها البطل، ولكل منها دور فى تحريكه نحو التحول. كان القصد من البداية تناول العلاقات الإنسانية وهى التى بنيت عليها الحكاية، والنوع المفضل لى فى الفن عموما، لأنها الأكثر تعقيدًا وتأثيرًا فى الحياة. العلاقة الإنسانية قد تكون مصدر دعم وتحفيز، وقد تكون سببا فى الانهيار أو التراجع. لذلك، كان مقصدى من البداية أن أتناول علاقة إنسانية خلال العمل، ليس فقط من باب الرومانسية، بل كعنصر حقيقى فى بناء الشخصية وتحريك الأحداث.
ألغى البطل زفافه وتعرف على فتاة جديدة وغير مسار حياته فى لحظة. إذا كنت مكانه، هل كنت ستتخذ نفس القرار؟
بالفعل، وضعت نفسى مكان البطل أثناء الكتابة واختيارى لقراراته كان دائما بناءً على معطيات شخصيته التى رسمناها منذ البداية. فكل قرار فى العمل مرتبط بطبيعة الشخصية»كيف تفكر وتتصرف؟». شخصيًا ، لا أعتقد أننى كنت سأصل إلى نفس المرحلة التى وصل إليها البطل، لأننى لا أقبل أن أكون مجبرًا على الزواج تحت أى ظرف، ومجرد أن أشعر بذلك سأبتعد ولن يصل الأمر لهذا الحد، أو لن أبدأ هذا المشوار من الأساس. لكن، إذا افترضنا جدلا أننى وُضعت فى نفس الموقف، بنفس الظروف والدوافع، نعم، كنت سأتصرف مثلما تصرف البطل.
هل من الممكن للشخص الطيب الذى لا يحب أن يزعج أحدًا ويضحى بنفسه من أجل الآخرين أن يتغير فى يوم وليلة؟
لا أحد يتغير فى يوم وليلة، لكن من الممكن جدا أن تتخذ قرار البداية فى يوم وليلة. لحظة اتخاذ القرار هى اللحظة الفارقة؛ اللحظة الأصعب، حين ترى مشاكلك بوضوح لأول مرة، وتنظر فى المرآة لتكتشف أن المشكلة ليست فى الناس أو فى الظروف، بل بداخلك أنت، أو فى صفة معينة داخلك. مجرد أن تسمى المشكلة وتواجهها بصدق، تكون قد قطعت نصف الطريق نحو الحل. هذه اللحظة—لحظة الإدراك الصادق—قد تحدث فجأة، لكنها حقيقية، لأنها تأتى عندما ينتبه عقلك للمشكلة الحقيقية، لا المبررات. وقد يكون القرار بسيطا فى ظاهره، مثل قرار ممارسة الرياضة، لكنه مصيرى بالنسبة لشخص ما، لأنه يعنى بداية جديدة. لا ندّعى أن التغيير يحدث فورًا، لكننا نؤمن أن البداية ممكنة، وكل الناس يمكنها القيام بذلك بشرط وجود الإرادة، الشجاعة، والصدق مع النفس. وهذا هو جوهر الرسالة التى نحاول إيصالها من خلال العرض.
لماذا اخترت الإسكندرية لتكون مكان الأحداث؟
اخترت الإسكندرية لأنها ببساطة.. عشق وتحتل مكانة خاصة جدا فى قلبى على الرغم من أنى ولدت القاهرة وعشت حياتى فيها، وأظن أن كثيرين يشاركوننى هذا العشق للإسكندرية فهى مدينة محبوبة لدى الجميع. شخصيا، اتخذت فيها قرارات مصيرية فى حياتى، وكتبت معظم أغانى العرض على شاطئها. علاقتى بها ليست فقط مكانية، بل وجدانية أيضًا. هى المكان الأنسب للأحداث، فهى مدينة تحمل فى طابعها فكرة السفر، والفنادق، والبحر، وحب التمشية على البحر. كما أنها دائما ، مرتبطة بالرومانسية، وتنوع الشخصيات، مدينة متفردة، لها طابع وشكل خاص، ولهذا كانت خيارى الأول كمكان تدور فيه الحكاية.
ما التحديات التى واجهتك أثناء العمل على العرض؟
التحديات كانت كثيرة، وكانت مرتبطة بظروف متعددة، أهمها أن بعض المشاركين كان لديهم ارتباطات بالتصوير، بينما كنا نستعد لافتتاح العرض فى ثانى أيام العيد، فكنا نعمل خلال شهر رمضان. ورمضان بطبيعته وقت صعب، الصيام نهارا ووقت الليل قصير جدًا، والناس تأتى من أماكن بعيدة، فكان من الصعب التوفيق بين مواعيد التصوير والبروفات. بعض الأشخاص لم يستطيعوا تحمّل الضغط، فاعتذروا عن الاستمرار فى العمل بسبب ارتباطاتهم، خاصة بالتصوير. أما أنا، فكنت شديدة الحرص على الالتزام والحضور، والبرو?ة والحفظ، ولم استطيع التنازل عن وقت معين، ولذلك كان هذا أكبر تحدٍّ واجهته. إضافة إلى ذلك، كان هناك ضغط زمنى لإخراج العرض فى توقيت مناسب، لأننا كنا ملتزمين بتقديمه فى عيد الفطر. وبالتالى، كان معظم وقت التحضير المكثف فى رمضان.
ننتقل إلى الجانب البصرى.. كيف وظفت الإضاءة لخدمة الحالة الكوميدية واللحظات التأملية والدرامية داخل العرض؟
بالنسبة للإضاءة، فأنا مؤمن جدا بأهمية التخصص. صحيح أننى تعاملت مع الإضاءة فى عروضى السابقة، سواء كانت أعمالى الشخصية أو مشاركاتى فى عروض أخرى، لكن هذه المرة استعنت بمحمود الحسينى “كاجو”، لما يتمتع به من خبرة كبيرة ووعى درامى عالٍ.
كاجو ليس فقط مصمم إضاءة متميز، بل هو أيضا مخرج واعٍ للحظات الدرامية التى تحتاج إلى إبراز بصرى خاص. ورغم صغر سنه، فقد فاز بجائزة فى المهرجان القومى للمسرح العام الماضى، وحصل على العديد من الجوائز فى مهرجانات مصرية ودولية. اعتمدت على النقاش المباشر معه، وطلبت منه تنفيذ بعض الرؤى الخاصة بالعرض، وكان الناتج ثمرة هذا التفاهم والتعاون، بالتنسيق طبعا مع الدكتور عمرو عبد الله، فخرج الشكل النهائى للإضاءة بالشكل الذى كنا نطمح إليه.
وماذا عن الديكور وباقى عناصر العمل؟
تشرفت بأن يحمل ديكور العرض توقيع الدكتور عمرو عبد الله الشريف، أحد أهم وأكبر مصممى الديكور والإضاءة فى مصر، واسم بارز يمثل مصر فى مهرجانات دولية مرموقة. موافقته على الانضمام للعمل، وهو أستاذى، كانت شرفًا كبيرًا لى. قرأ النص بعناية، وانطلقنا معًا فى رحلة من النقاشات حتى وصلنا إلى الصورة النهائية للعرض، ضمن حدود الإمكانيات الإنتاجية والمساحة المتاحة، وكانت النتيجة مُرضية.
أما الأزياء فكانت من تصميم مها عبدالرحمن، وهى أيضًا مصممة ديكور متميزة. قرأت النص، تابعت البروفات، وناقشنا العديد من الاقتراحات، طوّرنا بعضها حتى ليلة الافتتاح، إلى أن وصلنا للصيغة النهائية. سعدت كثيرًا بالعمل معها، فهى شخصية مبدعة ومتعاونة
كيف حافظت على إيقاع العرض متماسكا رغم الانتقالات النفسية بين المواقف؟
فيما يخص إيقاع العرض، أرى أنه جزء لا يتجزأ من مهمة المخرج، فعليه أن يدرك متى يسرّع وتيرة الأحداث ومتى يبطئها، وهنا نعلى الضحك فى اللحظات المناسبة. فهذه إحدى أهم مسؤولياته لضمان قبول الحكاية، والحفاظ على انتباه المشاهد ، والتعاطف يظل مع الشخصيات طوال العرض.
الموسيقى فى العرض، هل كانت أصلية أم مؤلفة؟ وكيف استخدمتها لدعم الإيقاع والانتقالات والأغانى والاستعراضات فى العرض؟
فيما يخص الموسيقى، كان هناك خياران: تأليف موسيقى أصلى أو إعداد موسيقى من مقطوعات سابقة، سواء عالمية أو مصرية قديمة، مع احترام حقوق الاستخدام. اعتمد العرض على دمج كل الأشكال: تأليف، إعداد، وعزف، وهو ما أتاحته الدراما. توليت الجانب الموسيقى بشكل رئيسى، بمشاركة لقاء الصيرفى كمخرجة موسيقية متطوعة. لقاء، وهى دارسة موسيقى وعازفة وممثلة، ساعدتنى فى الوصول إلى التوليفة النهائية؛ حيث قمت بكتابة الأغانى ولحنتها، ثم تعاونا مع موزعين لتنفيذ العمل بشكل متكامل، إيمانًا منى بأهمية الموسيقى فى أى عرض. أما الاستعراضات، فقد صممتها الدكتورة فدوى الهنيدى، أستاذة بمعهد الباليه ومصممة موهوبة. تبادلنا الأفكار حول الحالة الدرامية لكل مشهد، وحضرت البروفات، وأنجزت التصاميم فى وقت قياسى. كنت مصممًا من البداية على أن يؤدى الممثلون بأنفسهم الغناء والرقص دون الاستعانة براقصين محترفين، ونجحنا فى تحقيق ذلك.
الفنان محمد الدمراوى قدّم بصورة مختلفة عن أدواره السابقة، كيف رأيته فى الدور؟
محمد الدمراوى صديقى وممثل موهوب جدا، وأراه من أهم الممثلين فى جيلنا. سبق وقدّم الدور الرئيسى (الزوج) فى عرض «بعيد عنك »، وفى هذا العرض لا يلعب الدور الرئيسى لكن شخصيته مهمة جدا. كان خائفًا جدا من هذا النوع من الكوميديا، لكننى كنت واثقا من قدرته على تقديمه. بل إن البعض استغرب ترشيحى له لهذا الدور، فهو طبيب تخدير والحقيقة على المستوى الشخصى هو كوميدى جدا، فهو يلعب شخصية معاكسة تماما لجدية مهنته. وهو ما يجعل الأداء ممتعا للممثل. محمد شخص مطيع للغاية، وبيننا ثقة متبادلة كممثل ومخرج، وهو ما يجعلنى واثقا أننا قادرون على تقديم أى شىء معا. أحب العمل معه، وأعتقد أن هذه التجربة ستتكرر كثيرا بيننا فى المستقبل.
هل ترى أن جمهور اليوم فى حاجة لأن نقدم له نماذج مثل هذه الأعمال الواقعية والتحولات الداخلية ويمكن أن نعتبرها الحلوى بعد صراع نفسى مع أعمال البلطجة وغيرها التى تعرض على شاشة التليفزيون؟
لا أحب أن أضع نفسى فى موقف “الجمهور عايز إيه؟”، لأن الجمهور متنوع وشرائحه متعددة، ومتابعو الفن فى تزايد. لا أؤمن بتصنيفات مثل “أعمال بلطجة”، بل أرى أن هناك أعمالًا جيدة وأخرى ضعيفة، ما يعجبنى وقد لا يعجب غيرى والعكس. هذا النوع من الأعمال ليس من ذوقى، لكنه قد يلقى قبولًا عند جمهور آخر طالما هو مستمر. أحرص على اختيار ما يناسبنى ويناسب الجمهور الذى أوجه له العمل؛ جمهور يهتم بالعلاقات الإنسانية، والفن، والحب، وتنمية الذات، ومواجهة النفس. وفى أوقات أخرى، قد اختار موضوعات تخاطب جمهورا مختلفا، مثل مشاركتى فى المهرجانات فأخاطب المثقفين متابعين عروض الفصحى أو المقتبس عن روايات عالمية. أما الآن، فأرغب فى مخاطبة الأسرة المصرية والشباب الجامعى بموضوعات تمسهم. فى النهاية، التنوع ضرورى، وكل فنان يختار ما يعبر عنه.
وهل ترى أن الجمهور التقط الطبقات الأعمق فى العرض؟ أم ظل فى حدود الضحك والتسلية؟
كان الطموح أن يلتقط الجمهور الطبقات الأعمق فى العرض، وحتى ليلة العرض الأولى كنت أشعر بالخوف وأترقّب رد الفعل، فلا أحد يستطيع توقعه بدقة. لكننى دائمًا أراهن على ذكاء الجمهور، ولا أؤمن بفكرة تقديم الرسالة “بملعقة”، لأن الجمهور المصرى واعٍ وذكى جدًا. وسعادتى الحقيقية كانت حين أدركت من تفاعلهم أنهم فهموا الرسالة الأساسية، بل وأكثر من ذلك، حين لاحظت أن حتى الأطفال استوعبوا الفكرة وسط الضحك والتسلية، وهذا هو النجاح الحقيقى بالنسبة لى.
هذا هو العمل الثانى الذى تكتبه وتخرجه بعد مسرحية “بعيد عنك” المأخوذة عن “ليلة ساهرة من ليالى الربيع”، والتى صممت ديكورها أيضا. حدّثنا عن هذا التعدد فى الأدوار؟
بدأت مسيرتى من مسرح كلية الحقوق بجامعة القاهرة، الذى أعتبره مدرسة حقيقية تُعلّم عشاق المسرح كيفية التفاعل مع كل عناصره. خلال رحلتى، خضت تجارب متعددة فى عناصر العمل المسرحى، من الديكور والإضاءة إلى التمثيل، ثم الكتابة والإخراج. ومع الوقت، قررت التفرغ للإخراج، مستفيدًا من تلك الخبرات المتنوعة التى ساعدتنى على تكوين رؤية فنية متكاملة. ثم التحاقى بمركز الإبداع الفنى عمّق علاقتى بالمسرح أكثر، ومنحنى وضوحًا فى الرؤية، حتى أصبحت أمتلك تصورات فنية أحيانًا لا أحتاج فيها لمن ينفذ عنى. أحيانًا أصمم الديكور بنفسى، وأحيانًا أحتاج لمتخصص يصيغ رؤيتى باحتراف. ما يهمنى هو الفصل بين الأدوار؛ لا أخلط بين التأليف والإخراج، بل أبذل جهدًا مضاعفًا لإجادة كل منهما على حدة. أكتب فقط عندما أشعر أن النص لا يمكن أن يُفهم كما أريده إلا من خلالى، أما إذا لم يكن كذلك، فلا أتردد فى التعاون مع كاتب وأركز حينها على الإخراج.
وكيف ترى لجوء بعض المخرجين لكتابة أعمالهم أحيانا؟
أعتقد أن المخرج الذى يكتب تكون لديه فكرة مكتملة وواضحة من البداية، إلى جانب امتلاكه لملكة الكتابة. لا أعلم تحديدًا لماذا يلجأ بعض المخرجين للكتابة، لكن لا أرى مانعًا من أن يجمع شخص بين كونه مؤلفًا ومخرجًا، بشرط أن يكون مؤهلًا للقيام بالأمرين بشكل مستقل. ما أتحفظ عليه هو أن يقوم مؤلف بالإخراج دون امتلاك أدوات الإخراج، أو أن يكتب مخرج دون امتلاك أدوات الكتابة. يجب أن يكون لكل مهمة متطلباتها ومعاييرها، فلا بد من امتلاك معرفة كافية تؤهله لكتابة نص مسرحى متماسك، وبعدها يأتى التفكير فى كيفية إخراجه.
الكوميديا هى أصعب أنواع الكتابة فما السبب فى حبك لها؟
فى رأيى، لا يوجد شخص لا يحب الكوميديا، لكنها بالتأكيد مخيفة ومن أصعب أنواع الكتابة، بداياتى كمخرج لم تكن أعمالا كوميدية، لكن فى مرحلة معينة، شعرت أن الوقت قد حان لتقديم عمل كوميدى اجتماعى باللغة العامية البسيطة، لأن هذا ما نحتاج إليه والأكثر تأثيرا.
أحب الضحك كثيرا، لكنى أؤمن أن التحدى الحقيقى هو أن يكون الضحك واعيا وراقيا، يخدم الفكرة ويرتقى بها، لا أن يفرغها من معناها. الكوميديا بالنسبة لى يجب أن تكون نابعة من موقف حقيقى وداخل موضوع واضح، وهذا ما حاولت تحقيقه فى هذه التجربة، وكذلك التجربة السابقة. طالما أننى أقدم كوميديا، فمن المهم أن يتمازج فيها الكوميديا مع المضمون؛ لأننى لا أؤمن بكوميديا أو دراما بلا مضمون. المضمون هو الأساس، وأعتقد أن نجاح أى عمل يعتمد عليه. أتمنى دائمًا أن تكون جميع أعمالى بهذا الشكل.
درست فى ورشة الإبداع مع المخرج خالد جلال.. ما الذى استفدته من هذه التجربة تحديدًا؟
خالد جلال هو مدرسة فى حد ذاته، فهناك مخرج معلم، وهناك مخرج ليس معلما وهناك مدرسة، وهو ك يمثل مدرسة حقيقية، وليس مجرد مخرج ناجح وكبير. مدرسته تجعلك تراقبه كل لحظة فى عمله، وتتعلم كيف تعمل مؤسسته ومنظومته. استفادتى منه كانت هائلة على مدار سنوات، وما زلت أستفيد منه. أهم ما تعلمته هو احترافه العالى، فهو فنان ماهر جدًا، ولم ألتقِ كثيرًا بمن يمتلك هذه الدرجة من الاحترافية. المخرج خالد جلال عملى جدًا ومحايد فنيًا بشكل رائع، مهما كانت علاقته العاطفية بتلاميذه، سواء فى الفن أو فى الفنيات، يظل الموضوع يقتصر على ما يراه صحيحًا. هو لا يقوم بأى عمل لمجرد أنه مُفترض عليه القيام به. هذه هى أكبر استفادة لى منه، بالإضافة إلى العديد من الفوائد الإنسانية والفنية التى يطول الحديث عنها.
شاركت كمدرب فى العديد من الورش.. حدثنا عن هذه التجارب، وهل هناك منهج تختص به نفسك للتدريب من خلاله؟
قدمت ورشا فى الإخراج والتمثيل لفترة طويلة، وأجد فى التدريس تجربة مغرية ومهمة. رغم أن بعض الأصدقاء رأوا أن دخولى لهذا المجال جاء متأخرًا ، إلا أننى كنت أشعر بمسئولية كبيرة تجاهه، خاصة فى ظل وجود عدد كبير من الأكاديميين أصحاب الخبرة. ومع انتشار الورش مؤخرًا، لاحظت أن بعضها أصبح ذا طابع ربحى ومحتوى ضعيف، فقررت تقديم ورش أكثر فاعلية، بالشراكة مع لقاء الصيرفى ونديم هشام، وكلاهما من خريجى معهد الفنون المسرحية ومركز الإبداع الفنى، ويمتلكان خبرة واسعة. لقاء نشأت فى بيئة مسرحية، كونها ابنة المخرج الكبير إيمان الصيرفى، ونديم ممثل وشارك أيضا فى العرض. عملنا معا على تطوير منهج مشترك يجمع بين خبراتنا، فبعد أن كنت أقدّم الورش بشكل فردى، بدأت أشاركهم فى ورش التمثيل، بينما أواصل تقديم ورش الإخراج منفردا. أسعد لحظاتى حين أرى خريجى الورش التى قدمتها يصبحون مخرجين أو ممثلين مبدعين، ويتطورون بفضل ما تلقوه من تدريبات. هذه اللحظات هى ما يدفعنى للاستمرار.