العدد 926 صدر بتاريخ 26مايو2025
بدأت الاصوات ترتفع فى الفترة الاخيرة فى الأوساط المسرحية الأوروبية تدعو لعرض عدد من المسرحيات الغنائية الأوبرالية المستوحاة من الآداب والفنون الشرقية التى أبدعها عدد من الفنانين الأوروبيين فى القرنين التاسع عشر والعشرين.
ويرى أصحاب هذه الأصوات أنها كانت أعمالًا ناجحة فى حينها، وظلت تعرض لفترات طولة بنجاح كبير فلماذا توقف عرضها.
ويطرحون عدة تساؤلات حول الأسباب. هل ترجع الى ارتفاع تكاليف مثل هذه العروض؟ هل ترجع الى ان جمهور المسرح بات يفضل الأعمال السهلة المباشرة التى لا تحتاج الكثير من اعمال الفكر. وهل وجد المنتجون ان من السهل انتاج معالجات مسرحية لها تحت اسماء اخرى لهذه الأعمال التى يغلب عليها الطابع الرومانسى. كلها احتمالات واردة.
ألف ليلة وليلة
وكان المحور الرئيسى لهذه المطالب هو الأعمال المأخوذة عن ألف ليلة وليلة الذى يضم قصصا شعبية وأسطورية من الشرق يعتقد أنها وضعت فى عصور وأماكن مختلفة تمتد من الهند والصين إلى الأندلس، مروراً بإيران والعراق ومصر وزمنياً من القرون الإسلامية الأولى حتى عصر المماليك وترجمت الى لغات عديدة.
من هذه المسرحيات الأوبرالية “باليه شهرزاد”، أشهر الأعمال العالمية المستوحاة من “ألف ليلة وليلة”، وهى الأشهر لمؤلّفها، بل من أشهر الأعمال الموسيقية فى العالم على الإطلاق، ولها شعبية كبيرة فى العالم العربى، لا سيّما فى مصر.
المسرحية من تأليف الموسيقار الروسى نيكولاى ريمسكى كورساكوف (1844 -1908). والمحور الرئيسى للمسرحية الغنائية التى كتبها عام 1888 هو “شهرزاد”. فهى الراوية التى تجلس مع الملك وتحكى له كل حكايات الليالى، ومنها استلهم كورساكوف الخيط الدرامى فى تأليف موسيقاه التى حملت اسمها.
ربما تكون المسرحية الأوبرالية “شهرزاد”، أشهر الأعمال العالمية المستوحاة من “ألف ليلة وليلة”، وهى الأشهر لمؤلّفها، بل من أشهر الأعمال الموسيقية فى العالم على الإطلاق، ولها شعبية كبيرة فى العالم العربى، ولا سيّما فى مصر، بسبب استعانة الملحّنين والمؤلفين الموسيقيين المصريين بموسيقاها فى العمل الدرامى الشهير “ألف ليلة وليلة”، الذى كان يعرضه التلفزيون المصرى ومن قبله الإذاعة المصرية على أجزاء، خلال سنوات طوال، فى شهر رمضان.
نجاح
ويقول النقاد إن المسرحية نجحت فى رسم الجو الشرقى بالموسيقى البحتة، ولم يكن خيال مؤلفها يعتمد على حكاية واحدة من حكايات “ألف ليلة وليلة”، وإنما رسَم الجو العام لمشهد شهرزاد وهى تحكى للملك شهريار قصصها. واعتمدت المسرحية على أربع حكايات من الكتاب قرأها وتأثّر بها.
ويحكى كورساكوف عن كيفية تأليفه لهذا العمل الذى يمتدّ لما يقرب من ساعة، فيقول: “لقد اتبعت فى كتابة شهرزاد برنامجاً يقوم على تقديم صور منفصلة من ‘ألف ليلة وليلة’، لا تربط بينها صلة خاصة، بل هى صور أربعة لأربع قصص استهوتنى، وهى على التوالي: البحر وسفينة السندباد، حكاية أمير كاليندار، الأمير الصغير والأميرة الصغيرة.
ويرى النقاد أنّ كورساكوف رسم لوحةً شرقية الظلال والأضواء تفوح بعطر شرقى ساحر وبمغامرات موسيقية مثيرة. واشادوا بالربط البارع بين القصص الأربع التى تتكون منها المسرحية.
حلاق بغداد وبيتر كونيليوس
تتناول الأوبرا قصة حلّاق بغداد، التى تأثر بها المؤلف الموسيقى والشاعر الألمانى بيتر كورنيليوس، وقرر تحويلها إلى مسرحية اوبرالية فوضع لها نصّها الشعرى وألّف موسيقاها، وعرضها فى فايمار فى ألمانيا عام 1858.
تتناول المسرحية البطل نور الدين، الذى يحبّ مرجانة ابنة القاضى، وتساعده بستانة، العجوز التى تعمل لدى القاضى، وتحدد له موعداً مع مرجانة، وتوصيه بأن يهيئ نفسه، وأن يستدعى الحلّاق ليهذّب شكله ويجعله على أفضل حال.
ويعرف الحلّاق الثرثار بسرّ نور الدين ومرجانة، ويتتبعه وهو ذاهب إليها فى بيت أبيها القاضى، فيسمح صراخ واحد من الخدم فيتصوّر خطأً أنّ القاضى قد ضرب نور الدين حتى الموت.
وحين يسمع نور الدين، بصوت القاضى فى القصر، يختبئ فى صندوق كبير، فيعتقد الحلّاق أنه قُتل، فيحضر هو وخدم نور الدين ونساء أسرته ليطالبوا جميعاً بجثته، ليكتشفوا أنّ نور الدين لم يمت، بل مختبئ فى الصندوق. ويوافق القاضى على زواجه بابنته، ويأمر بالقبض على الحلّاق وسجنه فى بيته لكى يستمتع بحكاياته التى لا تنضب.
عرضت المسرحية لأول مرة على مسرح هوف فى مدينة فايمار الألمانية. ولم تحقق نجاحا فى بداية عرضها حتى ان العرض توقف بعد الفصل الأول ولم يستكمل العرض.
وبعد فشل العرض، بدأ كورنيليوس بإعادة صياغة فصولها من جديد، ولكنه توفى وأكمل هذه الصياغة فرانز ليست، وظلت لسنوات لا تُعرض، حتى عُرضت مرةً فى مدينة كارلسروه، ثم فى ميونخ، عام 1885، وأخذت بعدها تنتشر فى كل أنحاء أوروبا.، بل عُرضت عام 1890 على مسرح متروبوليتان فى نيويورك، وكان ذلك سبباً كبيراً فى شهرة مؤلفها.
امتازت المسرحية بالشاعرية والرومانسية اللتين كانتا من سمات مؤلفها كورنيليوس، ولترسيخ الجو الشرقى فيها، جاءت فى فقرة الختام عبارة “سلام عليكم” باللغة العربية، كتأكيد على البيئة الثقافية التى جاءت منها المسرحية.
معروف الإسكافى
وتأتى مسرحية معروف الإسكافى للموسيقار الفرنسى هنرى رابو، المؤلف الموسيقى محدود الشهرة، ربما تكون أهم أعماله، وهى مأخوذة من القصة القاهرية التى جاءت فى “ألف ليلة وليلة”.
عرضت لأول مرة فى 15 مايو عام 1914، حيث قدّمها مسرح “أوبرا كوميك” فى باريس، وحققت نجاحا كبيرا بين الحربين العالمية الأولى والثانية.
تتألف المسرحية من 5 فصول، وكتب نصها الشعرى لوسيان نيبوتى، عن الترجمة الفرنسية لـ”ألف ليلة وليلة” التى أعدّها تشارلز ماردوس، ولا يوجد فيها نص تمثيلى، بل كلها شعر غنائى، أو موسيقى بحتة.
وتحكى الأوبرا قصة معروف الإسكافى الذى يغادر القاهرة ضيقاً من زوجته المشاكسة، ويسافر عبر البحر وتغرق السفينة التى يركبها، لكنه ينجو وحده، ويلتقى عليّ، صديقه القديم الذى يصحبه إلى بلدة خيتان.
يقدّمه على، لأهل خيتان كتاجر ثرى مرموق، ويصل الأمر إلى السلطان الذى يهتم بالتعرف على معروف، ويُعجب به حد أن يعرض عليه الزواج من ابنته، والعيش فى قصره.
ولكن وزير السلطان يتشكك فى معروف وحقيقة شخصيته، ويهمس فى أذن السلطان بشكوكه، فيبدأ السلطان بالارتياب من معروف، وخلال ذلك يعترف معروف لزوجته (ابنة السلطان)، بحقيقته، فتسامحه، ويقرران الهرب من القصر، ويعيشان لدى فلاح فقير.
ولكن السلطان يطاردهما حتى يصل إلى مكانهما، وهنا تحدث معجزة خرافية، حيث تستطيع ابنة السلطان عن طريق خاتمها أن تستدعى عفريتاً يحوّل الفقر الذى يعيشان فيه مع الفلاح إلى ثراء ونعيم باذخ، وهنا يصدّق السلطان ادّعاء معروف كتاجر ثرى، ويكذّب وزيره ويأمر بجلده.
أبوحسن
وآخرا وليس آخرا تأتى مسرحية “أبو حسن” التى عرضت على مسارح أوروبا وأمريكا وتتناول حياة هارون الرشيد.
تتضمن المسرحية تنويعا بين الأداء التمثيلى والغنائى، وليست الأشهر بالنسبة لمؤلفها الألمانى كارل ماريا فون فيبر، ولكن افتتاحيتها الموسيقية تُعدّ من أبرز ما يقدّم فى حفلات الموسيقى الكلاسيكية.
وتحكى مسرحية “أبوحسن”، قصة تاجر غنى يسمّى “أبو حسن على بن طاهر”، يعيش فى زمن الخليفة العباسى هارون الرشيد، ولكنه صار مثقلا بالديون، لذا يحاول هو وزوجته خداع هارون وزوجته زبيدة، للحصول على عطايا لسداد ديونه، ثم تنكشف حيلهما، ويطلب أبو حسن وزوجته العفو من الخليفة هارون الرشيد فيعفو عنهما.
وكانت “أبوحسن” من أوائل الأعمال الموسيقية الأوروبية التى أُخذت عن “ألف ليلة وليلة”، كتبها فرانز كارل هيمر، وقُدّمت لأول مرة على مسرح “ريزيدينز” فى ميونخ عام 1811، وأعيد إنتاجها الإنجليزية والإيطالية خلال القرن التاسع عشر.
تكونت المسرحية من فصل واحد، وتميزت موسيقاها وأغانيها بالفكاهة والطابع المرح، واحتوت على تنوع بين الأداء التمثيلى والغنائى، وفيها مؤثرات من الموسيقى التركية.