المسرح الكورى فى أمريكا

المسرح الكورى فى أمريكا

العدد 927 صدر بتاريخ 2يونيو2025

لانكاد نعرف الكثير عن المسرح الكورى سواء فى كوريا الشمالية او الجنوبية. هذا رغم ان من البديهى ان تكون هناك حركة مسرحية مزدهرة فى كوريا الشمالية على الأقل باعتبار المسرح وسيطا مناسبا لغرس المبادئ الشيوعية فى نفوس افراد الشعب. وعلى الجانب الآخر تتمتع كوريا الجنوبية بدرجة كبيرة من الحرية التى تساعد على ازدهار الفنون بوجه عام ومن بينها المسرح.
واليوم نلقى الضوء على المسرح الكورى فى الولايات المتحدة على امل ان نتعرف على بعض ملامح المسرح الكورى حيث يوجد نشاط مسرحى كورى مزدهر فى جميع أنحاء الولايات المتحدة وليس فى برودواى وحدها.
وسوف يكون ذلك من خلال عرض مسرحية تدور أحداثها بين كوريا الجنوبية والشمالية والولايات المتحدة بدا عرضها على أحد مسارح نيويورك. والملاحظ هنا أن المسرح الكورى فى الولايات المتحدة يهتم بإبراز الحياة فى كوريا ومشاكلها.

الأوزة الأب
المسرحية اسمها “الأوزة الأب أو “أحلام أوزة برية”. وتدور أحداثها بين مواطن كورى جنوبى يشعر بالوحدة والفراغ العاطفى ويلتقى فتاة منشقة هاربة من كوريا الشمالية وتقوم بينهما علاقة حب.
وكما يقول ناقد الكريستيان ساينس مونيتور فان هذا العرض الذى يقدم بالانجليزية خمسة أيام أسبوعيا وبالكورية يوما واحدا، يبرز أوجه تشابه غير متوقعة بين أشخاص من خلفيات مختلفة.
والمسرحية من من تأليف الكاتبة الكورية الامريكية “هانسول جونج” وإخراج لى سيلفرمان وهو ايضا ، وهى تُقدم نموذجًا مصغرًا حيًا للكوريتين المنقسمتين. كما تُقدم تقييمًا صريحًا للتكنولوجيا وتأثيرها على الشعور بالوحدة البشرية.
 تتناول المسرحية معاناة “الأوزة الأب” وهو مصطلح يرمز به مؤلف المسرحية إلى مواطن كورى جنوبى، يُدعى مينسونج، تُسافر زوجته -وهى أصلا هاربة من كوريا الشمالية - وابنته إلى أمريكا للدراسة، بينما يُكافح لكسب قوت يومه. يُرسل المال الذى يكسبه إلى عائلته، بينما يعيش حياةً بسيطة فى غرفة صغيرة مستأجرة فى سيول.
ويقول مؤلف المسرحية إن مينسونج شخصية خيالية، لكن محنته ليست خيالية.
فعلى مدى العقدين الماضيين انفصلت المزيد من العائلات الكورية الجنوبية جغرافيًا ليتمكن الأطفال من تعلم اللغة الإنجليزية والالتحاق بجامعات مرموقة فى الغرب.
وفى ذلك يقول الممثل بيتر كيم أحد المشاركين فى العرض ان أسرته على سبيل المثال ينطبق عليها هذا الوضع. ذلك ان ابن عمه المقيم فى كوريا الجنوبية هاربا من كوريا الشمالية وهو فى الواقع أبٌ لطفلين. وقد هاجرت زوجته وطفلاه إلى الولايات المتحدة، ولا يزال هو فى كوريا يحاول بدء وإدارة مشروع تجارى. ويقول إنها حياة صعبة للغاية، على ما أعتقد.
ويضيف كيم، الذى يلعب دور مينسونج وهو أمريكى من أصل كورى، إن المسرحية لامسته باعتباره ابن مهاجرين كوريين.
ويمضى قائلا “ما تُجيده المسرحية بأسلوبٍ إبداعيٍّ ومسرحيٍّ مُبتكر هو تناولها لموضوع الوحدة، وكذلك لشعور الاختلاف بين عالمين. أفكر كثيرًا فى والديّ اللذين قدما إلى الولايات المتحدة فى أواخر الستينيات”.

المؤلفة
وتلتقط سوزان جونج مؤلفة المسرحية خيط الحديث فتقول إنها كتبت المسرحية فور تخرجها من كلية الدراما بجامعة ييل، إن الموازنة بين الواقع والحياة أمرٌ واقعٌ يوميٌّ يعيشه أشخاصٌ مثلها: وُلِدوا ونشأوا فى كوريا الجنوبية، ثم هاجروا إلى الولايات المتحدة كشخصٍ بالغٍ لتحقيق أهدافهم المهنية.
وتمضى قائلة “إن مسألة الطموحات والجذور، والشعور بالحنين إلى الوطن بشكلٍ عام، هى التى أثّرت كثيرًا على مجرى المسرحية”، مضيفةً أنها واجهت صعوبةً فى الاختيار بين البقاء فى الولايات المتحدة، أو استئناف مسيرتها المهنية فى سيول. “أصبحت أشياءٌ أخرى أكثر قيمةً فى مجتمعنا من البقاء على مقربةٍ من أحبائنا”.
وتتعرض للشخصية النسائية الرئيسية فى المسرحية نانهى، المنشقة الكورية الشمالية وحبيبة مينسونج فى المسرحية، مدفوعة بالطموحات أيضًا. تقول يُطارد المرأة الكورية الشمالية شعورٌ بالذنب، لمغادرتها كوريا الشمالية ليس بدافع الضرورة، بل لكسب المال فى الجنوب الرأسمالى. تدفع ثمن قرارها ثمنًا عاطفيًا - فى بعض المشاهد، تتخيل تعذيب والدها وإعدامه على يد السلطات الكورية الشمالية.
ويلتقى مينسونج بها عبر خدمة مواعدة عبر الإنترنت، حيث تُسيطر التكنولوجيا على جميع العلاقات فى الحبكة - وغالبًا ما تُفرّق بينهما. وتضيف أنها تحدثت إلى منشقين لخلق شخصية نانهى.

حذر
وتضيف الكاتبة المسرحية: “كنت فى الواقع حذرة جدًا من تحيزاتى الشخصية”، مضيفةً أنها قرأت مذكرات المنشق الكورى الشمالى جانغ جين سونغ، “القائد العزيز”، لتتعرف على النظام السرى.
قالت كيم إن شخصية نانهى تُظهر السمات المختلفة للكوريين الشماليين والجنوبيين. وتضيف أنها تعتبر شخصية نانهى أقوى بكثير، فهى تعرف كيف تنجو. اختارت أن تعيش فى مواجهة محنة لا تُصدق. أما مينسونج فلا تملك مهارات البقاء.
وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة بين الزوج الكورى الجنوبى والزوجة الهاربة من كوريا الشمالية تبرز أوجه تشابه لافتة، إذ يتعامل مينسونج مع اقدامه على خيانة زوجته المقيمة فى الولايات المتحدة مع ابنته. وفى الوقت نفسه، بينما تكافح نانهى مع وسيط غير أمين فى الصين وثقت به لتحويل الأموال إلى عائلتها الكورية الشمالية.
وتضيف أن المسرحية أتاحت لها فرصة التأمل فى الوضع فى شبه الجزيرة الكورية، خاصة فى تقلبات التعامل مع كوريا الشمالية. وشبهت جونج العلاقات المتقلبة بـ”الفصام”، حيث تعاملت كل إدارة كورية جنوبية منذ الرئيس السابق كيم داى جونج مع الشمال بطرق متباينة.

دعوة
وفى النهاية تقول جونج: “فى كل مرة، تختلف القصة. إما أن تسير الأمور على ما يرام، أو تندلع ازمات بين البلدين تصل احيانا الى الاشتباكات المسلحة. لكننى سعيدٌة حقًا لأننا نحاول عن طريق المسرح إحلال السلام بين بلدين شقيقين يعيش فيهما شعب واحد او شعب كان واحدا يوما ما.
وفى النهاية تدعو بلدها كوريا الجنوبية إلى التواصل والحوار، بدلًا من التحدث مع دول أخرى حول الأسلحة التى يجب شراؤها.
قال كيم إن المسرحية “مضحكة ومؤثرة للغاية، وغنية بالموسيقى”، لكنها تحمل رسالةً جليلةً فى جوهرها.
ويؤمن على قولها كيم قائلا المسرحية بالنسبة لى مليئةٌ بالأسى. إنها استعارةٌ لما يشعر به الكوريون أحيانًا، لأن لدينا أعباءً ثقافية. ونحن نعيش فى بلد منقسم.


ترجمة هشام عبد الرءوف