العدد 952 صدر بتاريخ 24نوفمبر2025
فى إطار مشروع التوطين المسرحى لموسم 2025، تحت شعار :مشروع توطين آخر.. تحدٍ أكبر، وبدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، نظّمت جمعية مسرح المدينة الصغيرة – شفشاون، ورشات تكوينية ميمون،بالمركز الثقافى الفنيدق خلال فترات زمنية بحسب كل ورشة وهدفها العام وطبيعة المشاركين فيها. وهذه الورشات هى كالآتي:
ورشة :فن الدمى القفازية.. حين تتنفس الشخصيات من بين أنامل الفنان:
الورشة جاءت كامتداد لمسار فنى وتكوينى يسعى إلى نقل المهارات المسرحية والفنون البصرية إلى فئات شابة، وإشاعة ثقافة الإبداع اليدوى الذى يمزج بين الفن والتربية والخيال.
من الأقمشة إلى الحياة.. ولادة الشخصيات من العدم:
داخل فضاء الورشة، بدت الطاولات مزدحمة بالأقمشة، الخيوط، المقصات، والألوان، بينما راحت أنامل المشاركين تُحيك شخصيات صغيرة من القماش والورق، فى مشهد يعيد تعريف الفن بوصفه رحلة خلقٍ بصرى ووجدانى.
الفنان محمد بن ميمون، بحسه السينوغرافى العالى، قاد المشاركين فى تجربة ممتعة لاكتشاف جماليات هذا الفن الذى يجمع بين المسرح، التشكيل، والتعبير الحركى.
وقد ركّز فى بداية الورشة على الجانب الجمالى والتقنى فى تصميم الدمية القفازية، مبرزًا أن كل تفصيل صغير – من شكل العين إلى نغمة الصوت – يخلق حياةً جديدة داخل اليد. وفى سؤال لمؤطر الورشة عن: ما أبرز ما لاحظته خلال مجريات الورشة، قال بن ميمون: «شاركت المتدربون بحماس وإبداع ملحوظ، وكان شغفهم واضحًا فى تصميم الدمى وإحيائها بالحركة والصوت، مع اهتمام بكل تفاصيل الشخصية التى يصنعونها.»
من التصميم إلى الأداء: تلاقى الحرفة بالخيال
تدرّب المشاركون على مراحل متعددة:
تصميم الدمية القفازية باستخدام مواد بسيطة متاحة فى البيئة المحلية.
تحريكها وفق تقنيات خاصة تعتمد على توازن الحركة والإيقاع والتعبير بالصوت والجسد.
بناء مشاهد قصيرة تعبّر عن قيم إنسانية وتربوية، تستعمل فيها الدمى كوسيلة للتعبير والتعليم والتواصل مع الأطفال.
ومن خلال هذه التجربة التفاعلية، اكتشف المشاركون أن فن الدمى ليس مجرد تسلية، بل أداة بيداغوجية راقية قادرة على تبسيط القضايا الاجتماعية والإنسانية بشكل مرح وبليغ.
كما أتاحت الورشة مساحة للتعاون الجماعى، حيث تبادل المشاركون الأدوار فى الكتابة والتحريك والأداء، ما أضفى على التجربة طابعًا تشاركيًا مفعمًا بالفرح والابتكار. وفى سؤالنا لبن ميمون عن: ما الهدف الأساسى الذى أردت تحقيقه من الورشة؟ صرح محمد ب: «أردت أن أوضح أن الدمى القفازية ليست مجرد لعبة، بل وسيلة فنية وتربوية، قادرة على نقل رسائل، وبث مشاعر، وبناء حوار مع الأطفال بطريقة ممتعة وهادفة تجمع بين التعلم والمتعة.»
الدمى كمرآة للإنسان.. والمسرح كمساحة للتربية الجمالية:
أكد المؤطر محمد بن ميمون خلال الورشة أن «الدمية القفازية ليست مجرد لعبة، بل كائن رمزى يعكسنا ويُعلّمنا كيف نحكى قصصنا بطرق أكثر حرية وصدقًا».
وأوضح أن هذا الفن قادر على الجمع بين الخيال والتربية، وبين اللعب والتفكير، ما يجعله أداة مثالية فى المدارس والمراكز الثقافية ومجالات التنشيط التربوى.
وقد تُوجت الورشة بعروض تطبيقية جسّد فيها المشاركون مشاهد قصيرة من ابتكارهم، تميزت بالعفوية والإبداع والقدرة على إيصال رسائل تربوية عبر الحركة والصوت، مما أدهش الحضور وأبرز طاقات فنية واعدة فى مجال الإبداع المسرحى الموجّه للأطفال.
تجربة تتجاوز التقنية إلى بناء الحس الفنى:
تميزت الورشة بحضور قوى للحس الجماعى وروح التعاون، حيث عبّر المشاركون عن حماسهم الكبير للمشاركة فى أنشطة مشابهة مستقبلًا.
كما أظهرت العروض الختامية قدرة عالية على الدمج بين الفن والتربية، بما يعكس نجاح الورشة فى تحقيق أهدافها التكوينية والجمالية معًا.
الفضاء كان غنيًا بالتفاعل، بالمحبة، وبالرغبة فى التعلم والاكتشاف، مما جعل من التجربة مختبرًا فنيًا وإنسانيًا فى آنٍ واحد، يؤكد أن الدمية القفازية يمكن أن تكون وسيلة لبناء الوعى الجمالى لدى الناشئة وترسيخ قيم التعاون والتسامح.فاستفسرنا أخيرا المؤطر عن كيف يقيم تفاعل المشاركين مع مراحل الورشة المختلفة؟ صرح ب:»كان تفاعلهم ممتازًا؛ فقد ابتكروا شخصيات ومشاهد قصيرة، وجربوا تحريك الدمى بحرية، مع روح تعاون واضحة وتبادل للأفكار، مستوعبين العلاقة بين التصميم والحركة والصوت لإيصال الرسالة الفنية.»
ورشة: فى ثقافة الارتجال وارتجال الثقافة.. حين يتحوّل الصمت إلى مشهد حيّ:
وهى من تأطير الفنان والمخرج المسرحى رشيد أمحجور.
الارتجال بين العفوية والفكر:
جاءت هذه الورشة فى سياق انفتاح مسرح المدينة الصغيرة على الفعل التكوينى كخيار استراتيجى يسعى إلى ترسيخ ثقافة التكوين المستمر وبناء الحس المسرحى لدى الشباب، عبر ورشات تهتم بالجانب العملى والتطبيقى للفنون الأدائية.
وقد حرص المؤطر، الفنان رشيد أمحجور، على تقديم تجربة فنية تتجاوز التلقين النظرى إلى الممارسة الفعلية، حيث أبرز منذ الجلسة الأولى أن الارتجال ليس فعلًا عشوائيًا أو تيهًا لغويًا، بل هو وعى إبداعى منظم، يقوم على الإصغاء المتبادل، والتفاعل اللحظى، والقدرة على بناء المشهد المسرحى من لحظة غير متوقعة.
وأوضح أمحجور أن الارتجال ثقافة قائمة بذاتها، لأنه يُعلّم الممثل كيف يكون صادقًا فى لحظته، وكيف يحوّل الانفعال إلى معنى، والصمت إلى فعل، والفكرة إلى صورة فنية نابضة بالحياة. مؤكدا انطباعه عن تجاوب المشاركين مع مفهوم الارتجال، حيث لاحظ تجاوبًا سريعًا وحماسة كبيرة لدى المشاركين، فهم فهموا أن الارتجال ليس مجرد كلام عشوائى، بل ممارسة فنية واعية تعتمد على الإصغاء والبناء اللحظى للمشهد.
تجربة تطبيقية تجمع بين الإصغاء والأداء:
عرفت الورشة مشاركة مجموعة من الشابات والشبان من المضيق والنواحى ومؤسسات ثقافية محلية، خاضوا على مدى أربعة أيام تجربة غنية فى الارتجال المسرحى الجماعى، من خلال تمارين عملية اشتغلت على الإصغاء، التركيز، التفاعل اللحظى، والتعبير الحركى والجسدى. وسألنا المؤطر أمحجور ما الرسالة الأساسية التى أراد إيصالها من خلال الورشة فأجاب:أردت أن أوضح أن الارتجال ثقافة وفن فى الوقت ذاته، يعزز التواصل، ويفتح المجال للخيال، ويساعد على التعبير عن الأفكار والمشاعر بصراحة وصدق، مع بناء الثقة بالنفس والعمل الجماعى.
من التمرين إلى الوعى الجمالى:
تحوّلت الورشة، مع مرور أيامها، إلى رحلة اكتشاف للذات الفردية والجماعية، حيث نجح المشاركون فى خلق انسجام فنى وروحى داخل المجموعة، وهو ما جعل من التجربة مختبرًا للإبداع الجماعى أكثر منها تدريبًا تقنيًا.
وفى ختام الورشة، قُدّم عرض مرتجل شارك فيه الجميع، عبّروا من خلاله عن طاقاتهم التعبيرية، وقدرتهم على ترجمة الأفكار والمشاعر إلى مشاهد مسرحية نابضة بالصدق والعفوية.
العرض الختامى لم يكن مجرد تتويج لتدريب، بل كان بيانًا فنيًا صغيرًا يُعلن أن الارتجال يمكن أن يكون مدرسة للحرية والتعبير، وأن المسرح فضاء يعيد الاعتبار للصوت الإنسانى وللخيال كقوة تغيير. وفى معرض سؤالنا لرشيد أمحجور: هل تغير تصور المشاركين عن الارتجال بعد التجربة أجزم: «بالتأكيد، فمع بداية الورشة كان البعض يعتقد أن الارتجال مجرد عفوية أو تمثيل بلا خطة، لكن بعد التمارين، أصبحوا يدركون أنه عملية فنية متكاملة تتطلب خيالًا وانضباطًا ووعيًا بالمشهد والجماعة.»
المسرح كجسر بين الإبداع والوعي:
من خلال هذا النشاط، أكد مسرح المدينة الصغيرة أن الورشات التكوينية ليست مجرد أنشطة موازية، بل هى رافد أساسى لبناء جيل فنى جديد يؤمن بأن الثقافة فعل حياة.
فالارتجال – كما برهن المؤطر رشيد أمحجور – هو فن الحياة فى لحظتها الأكثر صفاءً، وحين يتحول الصمت إلى مشهد، والفكرة إلى جسد، يصبح المسرح بيتًا للإنسان فى أصفى حالاته.
ورشة :فى ثقافة الارتجال وارتجال الثقافة قدّمت درسًا فى الفن والإنسان، وأكدت أن الإبداع الحقيقى لا يولد من النصوص الجاهزة، بل من التجربة الصادقة ومن التفاعل الجماعى الذى يمنح للفن معناه الإنسانى الأعمق.
ورشة: الألعاب التمثيلية الابتكارية بالتعليم الأولي:
هى تجربة رائدة أؤطرها الدكتور مصطفى الستيتو ضمن مشروع “توطين مسرح المدينة الصغيرة”
بدورها شهدها المركز الثقافى بالفنيدق، وهى عبارة عن ورشة تكوينية متميزة حول الألعاب التمثيلية الابتكارية بالتعليم الأولى.
استقطبت الورشة مربيات ومربى التعليم الأولى وعددًا من الفاعلين التربويين المهتمين بسبل إدماج المسرح داخل الحياة المدرسية،وجمعيات مهتمة بمجال الطفل. وتركزت محاورها على تطوير مهارات التنشيط المسرحى لدى المربيات، وجعل فضاء القسم مساحة مفتوحة للخيال والحركة والتعلم النشط، من خلال ألعاب تمثيلية بسيطة وفعالة.
مراحل الورشة وطرائق تنشيطها البيداغوجية:
اعتمد الدكتور الستيتو فى تنشيط هذه الورشة على منهجية بيداغوجية حديثة تجمع بين التفاعل والممارسة والإبداع، وقد توزعت أشغالها على ثلاث مراحل رئيسية:
? المرحلة الأولى: التهيئ وبناء الثقة
بدأت الورشة بتمارين تنشيط أولية تهدف إلى كسر الجليد بين المشاركين، اعتمادًا على ألعاب حركية وصوتية تشجع على الانسجام داخل المجموعة. وركز المؤطر على خلق شعور بالأمان، باعتباره أساسًا لظهور الإبداع لدى المربى كما لدى الطفل. وعرفت الورشة مشاركة هامة ومتنوعة للعاملين فى حقل مسرح الطفل وتنشيطه ومجال التربية بشكل عام،وعن مشاركة المستفيدين، قال الدكتور الستيتو:
«المشاركة كانت مشرفة للغاية، إذ أبان المستفيدون عن حماس كبير ورغبة واضحة فى تطوير مهاراتهم المسرحية. ما أعجبنى هو قدرتهم على تحويل التمارين النظرية إلى ممارسات عملية بسرعة، إضافة إلى روح التعاون التى ميزت لحظات الورشة كافة».
? المرحلة الثانية: تجريب الألعاب التمثيلية الابتكارية
انتقل المشاركون إلى تجريب باقة من الألعاب التمثيلية المناسبة للتعليم الأولى، مثل ألعاب التعبير الجسدى، لعب الأدوار، الارتجال، وألعاب المحاكاة. وقد حرص المؤطر على ربط كل لعبة بسياق بيداغوجى عملى، موضحًا كيف يمكن اعتمادها فى القراءة والحساب وتربية القيم وأنشطة الموسيقى، بما يجعل المسرح جزءًا من الدرس لا نشاطًا هامشيًا. وعن الهدف العام من الورشة أوضح المؤطر:
«يهدف المشروع إلى تقريب المسرح من الفاعلين التربويين، وإبراز دوره فى تطوير شخصية الطفل فى التعليم الأولى. أما هذه الورشة تحديدًا فتروم منح أدوات بسيطة وفعّالة تسهّل على المربى إدماج اللعب التمثيلى داخل الدرس اليومى، بما يعزز الخيال والتواصل والتعلم بالممارسة لدى الأطفال.
? المرحلة الثالثة: التخطيط للتطبيق داخل القسم
اختُتمت الورشة بنقاش جماعى لتصميم وضعيات تربوية تعتمد على الألعاب التمثيلية، مع تقديم إرشادات حول كيفية تكييفها مع العدد، والفضاء، وخصوصيات كل مؤسسة. واعتمد المؤطر مقاربة تشاركية تصب فى تشجيع المربين على تبنى هذه الألعاب فى ممارستهم اليومية داخل الأقسام.
واعتمدت الورشة ثلاث بيداغوجيات أساسية: البيداغوجيا التفاعلية القائمة على إنتاج المعرفة عبر الممارسة، البيداغوجيا الدامجة التى تراعى اختلاف الخبرات وظروف العمل، والبيداغوجيا الإبداعية التى تجعل الخيال محورًا مركزيًا فى تعلم الطفل. أما بخصوص التقييم العام للورشة فأكد مصطفى أن:
«التقييم إيجابى على جميع المستويات. لقد نجحنا فى خلق مساحة آمنة للتجريب والإبداع، وخرج المشاركون بحقيبة من التقنيات الجاهزة للتطبيق داخل أقسامهم. وأعتقد أن الورشات المقبلة ستعمّق هذا التوجه وتطوّره».
لاغرو، أن هذه الورشات الثلاث التى احتضنها المركز الثقافى بالفنيدق من ألعاب تمثيلية ابتكارية، إلى تكوينات بيداغوجية، وصولًا إلى تدريبات مسرحية تطبيقية قد قدّمت نموذجًا حيًّا لكيفية توظيف المسرح فى خدمة التربية، وتكوين الأطر، وبناء جسور التواصل داخل المجتمع. لقد شكّلت هذه المحطات مجتمعة إطارًا تكوينيًا متكاملًا، أبرز قدرة الفعل الثقافى على ملامسة الواقع اليومى للمربين والمتعلمين، وإطلاق دينامية مهنية وفنية جديدة.والمساعدة فى مجال التكوين الحاضر الغائب الأكبر فى منطقة شمال المغرب باعتبار تمركزه فى العاصمة غالبا.
وبهذا، تواصل تجربة مسرح المدينة الصغيرة – شفشاون رسم ملامح مشروع ثقافى متجدد، يجعل من المسرح فضاءً للتفكير والمواطنة الجمالية، ومن الفنان مرآة للمجتمع وأفقًا للأمل.