ياسمين فراج: لا أخشى من تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل المسرح الغنائي

ياسمين فراج: لا أخشى من تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل المسرح الغنائي

العدد 912 صدر بتاريخ 17فبراير2025

في سياق مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة عشرة التي تُعقد في مسقط “عمان”، يتم عرض مطبوعات الهيئة العربية للمسرح. هذه المطبوعات تتضمن مجموعة من الكتب لباحثين ومؤلفين مسرحيين من مختلف الدول العربية، تُباع تلك الكتب بأسعار تتراوح بين 300 و400 جنيه مصري، كان من أبرز إصدارات الهيئة كتاب المسرح الغنائي في مصر “ من البدايات وحتى نهاية القرن العشرين “ للكاتبة  المصرية الدكتورة ياسمين فراج، والتي نفذت جميع نسخ الكتاب في أول أيام طرحه بالمهرجان، مسرحنا حاورت د. ياسمين للتعرف أكثر على تفاصيل ومحاور الكتاب والحديث باستفاضة حول المسرح الغنائي في مصر وتحدياته ومعوقاته وما هو مستقبل المسرح الغنائي في مصر في ظل تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

كيف جاءت فكرة تأليف كتاب “المسرح الغنائي في مصر”؟ وما الذي دفعكِ لتوثيق تاريخ هذا النوع من الفن؟
دفعني إلى توثيق تاريخ هذا النوع من الفن، لأنني بدأت دراسة الفنون في سن مبكرة، وتحديداً خلال المرحلة الإعدادية، حيث مارست الموسيقى والغناء في المدرسة. وكان تركيزي الأساسي في تلك الفترة على الموسيقى.
وبدأت علاقتي بالمسرح عندما قمت بدور “بهية” في عرض مسرحي بعنوان “ياسين وبهية” على مسرح الغد، وكان هذا الدور بطولتي، إلى جانب الفنان أحمد إبراهيم. قدمت 12 عرضاً مسرحياً خلال الفترة من 1997 إلى 2005، تنوعت ما بين مسرح القطاع العام والقطاع الخاص، حيث شاركت في عروض مميزة، منها عرض “أربع ورود”.
وأثناء عملي المسرحي، كنت قد بدأت دراستي الأكاديمية أيضاً. وحصلت على الماجستير وبدأت العمل على رسالة الدكتوراه، وكانت رسالتي حول “برنامج مقترح لتحسين أداء الغناء الفردي والجماعي في المسرح”، وكان يشرف عليّ في هذه الرسالة الأستاذة الدكتورة سهير عبد العظيم من كلية التربية الموسيقية، والأستاذ الدكتور سامح مهران، رئيس أكاديمية الفنون.
وما دفعني للتفكير في المسرح الغنائي هو اهتمامي الدائم بالفرق بين “موسيقى المسرح” و”مسرح الموسيقى”. وقد تناولت هذا الموضوع في مقدمة كتابي. حيث اكتشفت أثناء دراستي أن العمل المسرحي يعتمد على عدة عناصر، منها الحبكة، الشخصيات، اللغة، الفكرة، المناظر المسرحية، وأيضاً الغناء، الذي يمثل جزءًا من البناء الكلي للعمل المسرحي.
وموسيقى المسرح تعتبر جزءًا من العرض المسرحي، حيث يتم اختيار الموسيقى المناسبة للمشاهد الدرامية أو الحالات الانفعالية التي يعبر عنها المؤلف. وقد تكون الموسيقى حية أو مسجلة، ولكنها تظل جزءا من البناء المسرحي الذي يتلقاه الجمهور.
أما عن “مسرح الموسيقى” فهو نوع مختلف تماماً. حيث يعتمد بشكل أساسي على الموسيقى، مثل الأوبرا، حيث تمثل الموسيقى العنصر الرئيسي في العرض. لا يمكن الاستغناء عن الموسيقى في هذا النوع من المسرح، لأن الموسيقى تشغل نصف مدة العرض أو أكثر، وهي جزء لا يتجزأ من الأداء.
ففي كتابي ركزت على هذه الفروق وأهمية الموسيقى في مختلف أنواع المسرح، وخصوصاً في المسرح الغنائي، الذي يتطلب مزيجاً فريداً من الدراما والموسيقى.

خلال رحلتك البحثية في إعداد الكتاب، ما هي أبرز التحديات التي واجهتكِ في توثيق تطور المسرح الغنائي في مصر؟
أبرز التحديات على الإطلاق كانت تتعلق بالنوتات الموسيقية. منذ بداية عملي على رسالة الدكتوراه وحتى إنهاء هذا الكتاب، كان الحصول على نوتات موسيقية صعبًا جدًا.
فعلى سبيل المثال، قد تمكنت من الحصول على نوتة أو اثنتين من عروض مسرح الدولة، كانت إحداها كتبها بليغ حمدي بشكل يدوي، وليست مطبوعة. لكن كان التحدي الأكبر في تفسير وتقطيع الكلمات عليها. لقد بذلت جهدًا كبيرًا في محاولة فهم تقطيع الكلمات، وأعدت كتابتها على الكمبيوتر وكانت هذه عملية مرهقة جدًا.
الشق الآخر من التحديات كان يتعلق بتدوين النوتات الموسيقية بنفسي لبعض العروض. لقد قمت بالفعل بتدوين بعض الأغنيات من عروض مثل “تمر حنة”، “يا ليل يا عين”، و”وداد الغازية”. كتبت النوتات الموسيقية بنفسي بسبب نقص المصادر.
أما فيما يتعلق بالمساعدات التي حصلت عليها، فأود أن أشير إلى فضل مؤلفي العروض المسرحية الغنائية أنفسهم. على سبيل المثال، لن أنسى الراحل محمد نوح الذي أهداني نوتة موسيقية كاملة لافتتاحية عرض “انقلاب” لصلاح جاهين، مما ساعدني كثيرًا في توثيق هذا العمل.
أعتقد أن ما يميز كتابي بشكل خاص هو وجود النوتات الموسيقية التي تعتبر بمثابة وثيقة مهمة لتاريخ المسرح الغنائي في مصر. هذه النوتات تحتاج إلى أماكن حفظ مخصصة، مثل المركز القومي للفنون الشعبية أو دار الوثائق والكتب، للحفاظ عليها من أجل الأجيال القادمة.
وأدعو مؤسسات الدولة الثقافية إلى وضع خطة لحفظ هذه النوتات ليس فقط ورقيًا، ولكن إلكترونيًا أيضًا، لضمان استمراريتها.
باختصار، كان التحدي الأبرز هو التعامل مع النوتات الموسيقية، وضرورة توثيقها وحفظها بعناية شديدة.

ما هي أبرز المحطات التاريخية التي تم تناولها في الكتاب وكيف ساهمت هذه المحطات في تشكيل المسرح الغنائي في مصر؟
بدأت من الحضارة المصرية القديمة، وليس العصر الفرعوني تحديدًا. الحضارة المصرية القديمة كانت من ضمن الحضارات التي شهدت ظهور الفن، بما في ذلك المسرح الغنائي. هذا يظهر من خلال عدة وثائق، أبرزها وثيقة “نصوص درامية” التي اكتشفها عالم المصريات الألماني كورت زيتي بين عامي 1928 و1929. تضمنت تلك الوثيقة أغنيات عند قدماء المصريين، وأكدت على وجود فن المسرح في القرن السابع قبل الميلاد.
كما تم اكتشاف “حجر شابكو” و”بردية الرامسيوم الدرامية” في عام 1896، والتي تضمنت ملامح أساسية للحوار وإرشادات مسرحية. هذه البردية قدمت تفاصيل حول مسرحية مقدسة تحتوي على عدة مناظر تجمع بين الحوار والرواية، مما يوضح وجود راوي وممثلين يقومون بأداء النص بشكل غنائي في مناسبات خاصة، مثل تتويج الملك سنوسرت الأول.
والمتحف البريطاني أشار أيضًا إلى مشهد يسمى “لعبة الرياح الأربع”، وهو مشهد غنائي من الأدب المصري القديم يحتوي على حركات بهلوانية ورقصات. كل هذا يؤكد وجود المسرح الغنائي منذ الحضارة المصرية القديمة.
بعد ذلك، استعرضت في الكتاب أبرز المحاولات لتقديم المسرح الغنائي في الوطن العربي بشكل عام. ومن ثم انتقلت إلى الحديث عن شخصيات مثل القباني وإسكندر فرح من الشام، اللذين أدرجا الغناء الشامي والقدود الحلبية في مسرحياتهم.
أما في مصر، كان رائد المسرح الغنائي الحديث هو سلامة حجازي، الذي أسس مسرحًا غنائيًا مصريًا خالصًا. قدم حجازي أعمالًا تناقش قضايا المجتمع المصري، حتى لو كانت النصوص الأجنبية معربة. وأسس فرقته الخاصة وكان هو المنتج، البطل، والملحن للعروض التي قدمها. وساهم في تطوير المسرح الغنائي بإدخال عناصر جديدة مثل القصيدة، الموال، والغناء الجماعي، مما أعطى المسرح الغنائي شكلاً مميزًا.

المحطة الثانية المهمة كانت مع سيد درويش، الذي أطلقت عليه لقب “رائد الموسيقى الدرامية في المسرح الغنائي الحديث”. سيد درويش جدد في الألحان وعبّر عن المشهد الدرامي من خلال الموسيقى، مستخدمًا أدوات موسيقية جديدة مثل آلات النفخ النحاسية والخشبية، والبيانو. لحن حوالي 21 عرضًا مسرحيًا، ويعد من أبرز المجددين في تاريخ المسرح الغنائي، على مستوى الحالة الانفعالية ، ومن خلال الادوات الموسيقية التي كان يستخدمها.
أما المحطة الثالثة فهي منيرة المهدية، التي تعتبر أول من أسس فرقة نسائية للمسرح الغنائي في تاريخ مصر الحديث. فكانت المنتجة وبطلة العروض التي قدمتها، وقدمت فرقتها أعمالًا غنائية أثرت في المجتمع المصري وكانت تنتقد الاحتلال الإنجليزي في بعض الأحيان.
المحطة الأخيرة كانت ملك في النصف الأول من القرن العشرين، وكان لها بصمة واضحة،  التي أسست مسرح أوبرا ملك التي كانت تملك المسرح وكانت منتجة العروض وملحنة للأغنيات التي تقدم ، فكانت أول ملحنة موسيقية في تاريخ المسرح الغنائي المصري الحديث، وكانت عازفة للعود والقانون وبعض الآلات الإيقاعية ومغنية من خلال مسرحها، تم اكتشاف بعض الأصوات منها محمد فوزي وإبراهيم حموده وشفيق جلال.

ما الدور الذي لعبته الشخصيات البارزة في تطوير المسرح الغنائي، مثل سيد درويش وزكريا أحمد وغيرهم، وما أثرهم في هذا المجال؟
في النصف الثاني من القرن العشرين، لاحظت أن الملحنين لم يكن لديهم نفس البصمة التجديدية التي ظهرت في الأعمال السابقة مثل تلك التي أحدثها سيد درويش. على سبيل المثال، زكريا أحمد لحن أكثر من 50 عرضًا مسرحيًا، وأعتقد أن الرقم الصحيح هو 54 عرضًا. ومع أن زكريا أحمد كان منتجًا غزيرًا على مستوى الكم، إلا أن بصمته التجديدية في التعبير الدرامي الموسيقي لم تكن بنفس الوضوح والتأثير كما كان الحال مع سيد درويش.
فعلى سبيل المثال إن أحد الأسماء التي تستحق الذكر أيضًا هو علي سعد، الذي لحن ما يقرب من 40 عرضًا مسرحيًا أو أكثر. كان سعد من الملحنين البارزين من حيث العدد في النصف الثاني من القرن العشرين. وأذكر أيضًا أحمد إبراهيم وأحمد الحجار، اللذين قاما بتلحين عدد كبير من العروض المسرحية الغنائية.
ولكن على الرغم من الكم الكبير من الأعمال التي لحنها هؤلاء الموسيقيون، لم ألاحظ ظهور تجديدات أو ظواهر جديدة تساهم في تطوير المسرح الغنائي المصري بشكل ملحوظ في تلك الفترة. الأعمال كانت غنية من حيث العدد، لكنها لم تقدم تغييرات كبيرة على مستوى النوع أو الابتكار في المسرح الغنائي، كما رأينا في أعمال سلامة حجازي أو سيد درويش في الفترات السابقة.

كيف تقيمين مستقبل المسرح الغنائي في مصر في ظل التحديات الحالية؟ وهل هناك بوادر لنهضة جديدة لهذا الفن؟
لتقييم مستقبل المسرح الغنائي في مصر في ظل التحديات الحالية، يمكن تقسيم النقاش إلى جزئين رئيسيين، أولهم التحديات الحالية والتي تتمثل في
التطور التكنولوجي ، فالمسرح الغنائي يتطلب تقنيات حديثة ومتطورة للإبهار في العروض، ولكن خشبات المسارح في مصر لا تزال غير مجهزة بشكل كافٍ لمواكبة هذه التطورات التكنولوجية الهائلة. واستخدام المؤثرات السمعية والبصرية المتقدمة ضروري لجذب الجمهور المعاصر، لكن هذه الخشبات “بعافية” وتحتاج لتطوير كبير، والذي بدوره يحتاج إلى ميزانيات ضخمة. هذا يمثل تحديًا كبيرًا، حيث تعاني الدولة من ضائقة مالية تحد من استثماراتها في هذا المجال.
وعلى الجانب الآخر لابد من تأهيل الممثلين، فالمسرح الغنائي يحتاج لممثل شامل يستطيع الغناء، والرقص، وأداء الحركات البهلوانية بمهارة. إلى جانب ذلك، يجب أن يكون لدى الممثل معرفة بالموسيقى الشعبية والتراثية ليستطيع توظيفها في بعض المواقف. ومع ذلك، المعاهد والكليات التي تخرج الممثلين لا تقدم تدريبًا كافيًا لإعداد ممثلين متخصصين في المسرح الغنائي بهذه القدرات.
وأيضا الأزمات الإنتاجية حيث إن إنتاج المسرح الغنائي يتطلب موارد ضخمة، سواء في تكاليف الإنتاج أو في أجور النجوم، وهو ما يجعل المسرح الغنائي المكلف بعيدًا عن إمكانيات ميزانيات مسارح الدولة. هذا يؤثر على الجودة والتنوع في الأعمال المقدمة ويحد من قدرة الدولة على تسويق عروضها بشكل فعال.
أما عن بوارد نهضة المسرح الغنائي فعلى الرغم من التحديات، إلا إن هناك بعض الإشارات الإيجابية التي قد تنبئ بعودة ازدهار المسرح الغنائي في مصر، ومنها عودة القطاع الخاص للإنتاج، وظهور عروض غنائية من إنتاج القطاع الخاص مثل عرض “ليله” وعرض “ ولا في الأحلام”،  من إنتاج إبراهيم موريس وإخراج هاني عفيفي، يعتبر من بوادر النهضة. ورغم أن النصوص قد تحتاج لتعميق أكبر، إلا أن العرض كان لا بأس به، واستخدم فرقة موسيقية حية بقيادة المايسترو محمد سعد باشا، مما أعطى العرض قيمة مضافة.
كمان أنه حدث توجه نحو العروض الغنائية الاستعراضية مثل عروض  “شارلي” تأليف مدحت العدل وألحان إيهاب عبد الواحد ، إنتاج سي سينما أحمد فهمي وهاني نجيب وإخراج أحمد البوهي ، ةالتي اعتمدت على الموسيقى المسجلة  ، قدمت نموذجًا آخر للمسرح الغنائي الاستعراضي ورغم أن العروض تعتمد على أسلوب الـ “playback” أي الموسيقى المسجلة، إلا أن هذه العروض استطاعت جذب جمهور واسع. فهذا التوجه نحو استعراضات الميوزيكال الأمريكي يعتبر خطوة نحو جذب الجماهير المصرية إلى نوع مختلف من المسرح الغنائي.
كما أن هناك مساعي حكومية رغم التحديات، حيث المسرح الغنائي الذي تقدمه الدولة لا يزال يعاني من مشاكل في التسويق وضعف الميزانيات، مما يحد من إمكانية إنتاج عروض مبهرة وقادرة على المنافسة. لكن الدولة ما زالت تقدم بعض العروض رغم التحديات، وهناك جهود لتحسين هذه العروض، على الرغم من محدودية الموارد المتاحة.
ففي النهاية يمكننا القول أن مستقبل المسرح الغنائي في مصر يتوقف على مدى قدرة القطاعين العام والخاص على تجاوز التحديات الحالية، خاصة في ظل التطورات التكنولوجية وتوفير التدريب اللازم للممثلين. فهناك بوادر إيجابية من خلال عودة القطاع الخاص، لكن الأمر يحتاج إلى استثمارات أكبر وتطوير مستمر للبنية التحتية وللمواهب الشابة.

من وجهة نظرك، ما هي الخطوات التي يجب أن تتخذها المؤسسات الثقافية والفنية لإحياء المسرح الغنائي مرة أخرى؟
أولاً، الإنتاج السخي، حيث  يعتبر الإنتاج الفاخر والمتكامل هو العنصر الأساسي لإحياء المسرح الغنائي بطريقة جاذبة. فعند إعادة المسرح الغنائي، يجب أن يتم ذلك بشكل يليق بمكانته، لأن عودته بشكل غير لائق ستؤدي إلى إحباط الجمهور الذي قد يزور العرض مرة واحدة ولن يعاود الحضور مرة أخرى، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم، ومصر جزء من هذه التحديات. الجمهور، مهما كان سعر التذكرة بسيطًا، لن يدفع لحضور عرض إذا كان المنتج الفني غير متميز وغير جاذب.
لذا، الإنتاج السخي يجب أن يشمل، نصوص جيدة: تكون النصوص ذات قيمة فنية وأدبية عالية، تعبر عن قضايا هامة وتجذب الجمهور، وألحان متميزة فالموسيقى جزء أساسي من المسرح الغنائي، لذا يجب أن تكون الألحان مبتكرة وتتناسب مع طبيعة العرض، وأيضا ممثلون مؤهلون، فيجب أن يكون الممثلون مدربين بشكل متقن لتأدية الأدوار الغنائية بمهارة، لأن المسرح الغنائي يتطلب مواهب تجمع بين التمثيل والغناء بشكل احترافي.
كما أن الحديث عن المؤسسات الثقافية، لا ينبغي أن ينصب التركيز فقط على المؤسسات التابعة للدولة أو وزارة الثقافة، بل يجب أن تشمل الجهود جميع قطاعات الإنتاج في مصر، بما في ذلك القطاع الخاص. من المهم أن يلتفت المنتجون في القطاع الخاص إلى هذا النوع من المسرح ويعملوا على دعمه وتطويره.
فيجب أن يكون لدينا مسارح متطورة مزودة بالتقنيات الحديثة التي تضمن تقديم العروض بأفضل شكل ممكن، إلى جانب توفير التدريب اللازم للممثلين ليكونوا مؤهلين لتقديم عروض مسرحية غنائية على أعلى مستوى.

كيف ترين تأثير التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والإنتاجات الموسيقية الرقمية على مستقبل المسرح الغنائي؟
المسرح الغنائي شهد تطوراً تكنولوجياً كبيراً منذ بدايات القرن العشرين. فإذا عدنا إلى الوراء، سنجد أن المسرح الغنائي كان يعتمد في النصف الأول من القرن العشرين على الغناء الحي بدون استخدام الميكروفونات. فنانون مثل سلامة حجازي وسيد درويش ومنيرة المهدية قدموا عروضهم بدون أي أجهزة تضخيم للصوت. ولكن مع بداية ظهور الميكروفونات في منتصف الأربعينات، حدثت أولى الطفرات التكنولوجية في المسرح الغنائي.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين، بدأ تسجيل الموسيقى والغناء في الاستوديوهات ليتم تقديم العروض على المسرح باستخدام تقنية البلاي باك. مثال على ذلك هو مسرحية “انقلاب” التي قدمتها شركة إنتاج مسرح النهار، وأخرجها جلال الشرقاوي بموسيقى محمد نوح. وكان العرض بالكامل يعتمد على الموسيقى والغناء المسجل مسبقًا، وهذا نتيجة للتطور التكنولوجي الذي دخل عالم المسرح في تلك الفترة.
أما فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، فأنا لا أعتقد أنه سيكون له تأثير كبير في مجال الموسيقى الغنائية للمسرح. والسبب هو أن العنصر البشري هو الأساس في هذا النوع من الفنون. رغم أن بعض المنتجين قد يلجأون إلى الحلول التقنية مثل البلاي باك لتقليل التكاليف، كما حدث في بعض العروض الحديثة مثل “مش روميو وجوليت” التي تعرض على المسرح القومي، فإن هذه التقنيات قد لا تعوض الأداء الحي والفني.
كما أنني أؤمن بأن الذكاء الاصطناعي لن يكون قادرًا على إنتاج موسيقى تعكس العواطف الإنسانية بصدق. فالموسيقى في المسرح الغنائي يجب أن تعبر عن عواطف المؤلف وتكون متناسبة مع النص والمشهد الدرامي، والذكاء الاصطناعي يفتقر إلى القدرة على الشعور بالعواطف الطبيعية التي خلقها الله في الإنسان. وبالتالي، فإنني لا أخشى من تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل المسرح الغنائي، لأنه لن يصل إلى مستوى العمق الإنساني المطلوب.
وفي النهاية، المسرح الغنائي يتطلب إنتاجاً ضخماً ليكون متوافقاً مع المعايير الفنية المعترف بها، والذكاء الاصطناعي قد يكون أداة مساعدة في بعض الجوانب التقنية، ولكنه لن يتمكن من الاستغناء عن العنصر الإنساني الذي يعتبر الأساس في هذا الفن.

هل تعتقدين أن الجمهور المصري لا يزال يمتلك شغفاً بالمسرح الغنائي؟ وكيف يمكن استقطاب الجيل الجديد لمتابعة هذا النوع الفني؟
نعم، مازال الجمهور المصري يمتلك شغفاً بالمسرح الغنائي، وكذلك بالسينما والرقص، رغم وجود العديد من التحديات التي قد تعيق هذا الشغف من الظهور بشكل قوي. فالشعب المصري محب للفنون ولديه طاقة فنية كبيرة، ولكن الظروف الاقتصادية تلعب دوراً كبيراً في منع بعض الفئات من ارتياد عروض المسرح الغنائي.
كما أن خيبة الأمل التي قد يشعر بها الجمهور عند مشاهدة عروض مسرحية دون المستوى تؤثر سلباً على رغبتهم في متابعة المسرح، مما يجعلهم يتجنبون الذهاب للعروض بحجة أن المسرح لم يعد يقدم لهم شيئًا جديدًا أو ذا قيمة.
أما استقطاب الجيل الجديد لمتابعة المسرح الغنائي، فهذا يتطلب عدة خطوات مهمة، منها إعادة المسرح المدرسي وحصة الموسيقى،  هذه هي الأساس في تكوين جيل جديد يعشق المسرح بمختلف أنواعه، بما في ذلك المسرح الغنائي، يجب أن يعود المسرح المدرسي وحصة الموسيقى إلى كل المدارس في مصر، لأن هذه الأنشطة تغرس حب الفن والمسرح في نفوس الطلاب منذ الصغر وتؤهلهم ليصبحوا جمهوراً مهتماً بالمسرح في المستقبل.
والتسويق الاحترافي أيضا من المهم جداً أن يتم التسويق للعروض المسرحية بشكل حرفي وموجه، فنحن اليوم أمام وسائل متعددة للتسويق، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، التلفزيون، الصحف، المجلات، الإعلانات في الشوارع، والملصقات. استخدام هذه الوسائل بشكل ذكي واحترافي يساعد في استقطاب الجمهور لمتابعة العروض المسرحية.
فالتسويق الجيد هو أحد العوامل الأساسية في نجاح أي عرض مسرحي، سواء كان عرضًا غنائيًا أو عرضًا عاديًا.
ما هي مشاريعكِ المستقبلية فيما يتعلق بالبحث أو التأليف في مجال الفنون المسرحية؟ وهل هناك نية لاستكمال البحث في تاريخ المسرح الغنائي في الفترات اللاحقة للقرن العشرين؟
أعمل حالياً على الجزء الثاني من كتاب “موسيقى دراما الشاشات”، والذي تم تقديم الجزء الأول منه في عام 2022، وهو متاح الآن في المجلس الأعلى للثقافة. ولكن هذا الكتاب ليس في مجال المسرح بشكل مباشر، بل في مجال الموسيقى الدرامية التي تخص الأعمال التلفزيونية والسينمائية.
أما في مجال التأليف المسرحي، فقد سبق لي أن ألفت موسيقى عرض مسرحي بعنوان  “شقة عم نجيب “ عام 2018. كما أنني وضعت موسيقى عرض “صبوحة”، الذي تم تقديمه في قطاع الفنون الشعبية منذ ثلاث سنوات، ولكن للأسف، حتى الآن لم يتم تحديد موعد لخروج هذا العرض إلى النور.
لذا، أناشد المسؤولين في مسرح البالون وقطاع الفنون الشعبية، وكذلك معالي وزير الثقافة، أن يلتفتوا لهذه النوعية من العروض الفنية التي تستحق الظهور، حيث أن عرض “صبوحة” يدور في بيئة فلاحية، وهو يعتمد بشكل كبير على الموسيقى التي أعتقد أنها ستكون عنصراً مهماً في العمل. كما أتمنى أن يتم اختيار مجموعة من الممثلين القادرين على الغناء لكي يكون العرض شاملاً ومتكاملاً، ويُقدم الغناء بشكل يومي على خشبة المسرح.
والعرض من تأليف الدكتور سامح مهران،وأتمنى أن نتمكن من تقديم هذا العمل في عام 2025.
أما بالنسبة لاستكمال البحث في تاريخ المسرح الغنائي، فقد قمت بالفعل بإعداد دراسة تناولت المسرح الغنائي في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وقدمت هذه الدراسة في مؤتمر عُقد على هامش مهرجان دبل حصن في عام 2022.
كما قمت ببحث في الربع الأول من القرن العشرين، لكن لم أتمكن من تضمين هذا الجزء في كتابي. إذا امتد بي العمر واستقرت الأوضاع في العالم، ربما أعمل على إصدار جزء جديد يغطي المسرح الغنائي في مصر خلال النصف الأول من القرن الواحد والعشرين.


صوفيا إسماعيل