العدد 933 صدر بتاريخ 14يوليو2025
فى خطوة جديدة لإحياء التراث الأدبى والمسرحى المصرى، أصدرت وزارة الثقافة فى الشهر الماضى، من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهى الدين، طبعة جديدة من المسرحية الشهيرة «الناس اللى فوق» للكاتب المسرحى الكبير نعمان عاشور، أحد أبرز أعلام المسرح الواقعى فى مصر والعالم العربى.
وتأتى هذه المبادرة ضمن جهود الوزارة المستمرة للحفاظ على الكنوز الأدبية وإبراز روائع المسرح المصرى للأجيال الجديدة، تأكيدًا على أهمية التراث الثقافى ودوره فى تشكيل الهوية الفنية.
وتأتى هذه المبادرة فى إطار مشروع متكامل تنفذه الهيئة لإعادة نشر أبرز الأعمال الكلاسيكية التى شكّلت وعى الأجيال السابقة، وساهمت فى بناء الثقافة والوجدان المصرى والعربى.
ويهدف هذا المشروع إلى تعريف القراء الجدد بتلك النصوص الخالدة، التى ما تزال تحمل بين سطورها رسائل اجتماعية وثقافية عميقة، تواصل تأثيرها رغم مرور السنين، رغم مرور عقود على كتابتها.
مسرحية «الناس اللى فوق».. هى واحدة من أبرز نصوص نعمان عاشور، وكتبها فى أواخر خمسينيات القرن الماضى، تحديدًا عام 1958م، وتنتمى المسرحية إلى اتجاه المسرح الواقعى الذى اشتهر به «عاشور»، ومن خلاله ترصد شخصياته التحولات التى طرأت على المجتمع المصرى بعد ثورة يوليو 1952م.
الصراع الطبقي
وتتناول المسرحية بعمق موضوع الصراع الطبقى، من خلال تصوير ثلاث طبقات اجتماعية رئيسية تعيش فى مبنى واحد: الطبقة العليا ممثلة فى شخصية عبد المقتدر باشا وعائلته، والطبقة المتوسطة من خلال المهندس حسن أفندى وزوجته وابنته، والطبقة الشعبية التى تتمثل فى الخادمة أم أنور وابنها، ومن خلال تفاعل هذه الشخصيات، يرسم نعمان عاشور صورة دقيقة للمجتمع المصرى فى تلك الحقبة، موضحًا كيف أثرت المتغيرات السياسية والاجتماعية على توازنات القوى بين الطبقات المختلفة.
أسلوب «الأوتشيرك»
وتنتهج المسرحية ما يُعرف بأسلوب «الأوتشيرك»، وهو شكل درامى مستوحى من المسرح الروسى، على نهج نصوص ومسرحيات الروسى العالمى مكسيم غوركى، والذى يقوم على المزج بين الطرح الاجتماعى والسرد المسرحى المبنى على التحليل النفسى والواقعية الاجتماعية.
عوالم مسرحية تفيض بالحياة
نعمان عاشور هو الكاتب المسرحى المتميز الذى حمل قلمه ليضيء عتمة المجتمع ويعكس نبض الشارع بحروف تنبض بالصدق والحقيقة، رمزًا للإبداع الأدبى الذى لا يهادن ولا يتجمّل، بل يواجه الواقع بقوة الكلمة وجرأة الطرح فى أعماله، تلاقت الفكاهة مع الحكمة، والحزن مع الأمل، ليخلق عوالم مسرحية تفيض بالحياة و تحاكى هموم الناس وتطلعاتهم.
وكان نعمان عاشور صوتًا لمن لا صوت لهم، يُعبّر عن أحلام البسطاء وآلامهم فى إطار فنى ساحر، لقد أعاد للمسرح العربى بريقه، وجعل منه منبرًا للتغيير والإصلاح، تاركًا إرثًا أدبيًا خالدًا يلهم الأجيال.
ولد نعمان عاشور بميت غمر بالدقهلية فى 17 يناير عام 1918م، وكان مولعًا بالقراءة منذ صباه، ودرس فى كلية الآداب جامعة الملك فؤاد «القاهرة حاليًا» وتخصص فى اللغة الإنجليزية وتخرج فيها 1942م
شخصيات مصرية واقعية
اتصل بالحركة الأدبية الصاعدة فى مصر فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتى اهتمت بمشكلات المجتمع وهمومه، ولمع اسمه بين كتيبةٍ من الأدباء والمثقفين الشباب من طليعة النهضة الأدبية والفنية فى الخمسينات والستينيات بالقرن الماضى، وكانت كتاباته دائمًا واقعية وتمثل شخصيات مصرية تكاد تكون موجودة بالفعل، مما أهله أن يصبح رائدًا للواقعية المصرية فى المسرح فيما بعد ثورة يوليو، هذه الواقعية لم تكن موجودة فى المسرح المصرى فى الأربعينيات والخمسينيات بالقرن الماضى.
رائد الدراما الواقعية
مارس نعمان عاشور التمثيل مع زملائه فى بعض المسرحيات لويليام شكسبير، واطلع على الأدب العالمى لمشاهير الكتاب أمثال إبسن وتشيكوف.
وظل عبر كتاباته المسرحية رائدًا للدراما الواقعية، على مدى ربع قرن وشارك فى الحركة السياسية النشطة قبيل ثورة يوليو، وبعد الثورة كان واحدًا من العناصر التى أثرت الحركة المسرحية، وجاءت تجربته المسرحية مواكبة للتغييرات فى المجتمع المصرى عقب ثورة 1952م من مجتمع يعتمد على الإقطاع وسيطرة رأس المال إلى مجتمع اشتراكى.
مؤلفات رائد الواقعية
ومن مؤلفات نعمان عاشور مسرحيات.. «المغماطيس، الناس اللى تحت، «الناس اللى فوق، بلاد برّه، عيلة الدوغرى، مولد وصاحبه غايب، سيما أونطه، رفاعة الطهطاوى، حملة تفوت ولا شعب يموت، عطوة أفندى قطاع عام، «ثلاث ليالى، الجيل الطالع، سر الكون، «يا حلم يا مصر».
«صنف الحريم» 1962م، «وابور الطحين» 1965م، «بلاد برة» 1967م، «بشير التقدم»، «برج المدابغ» 1975م.
وقدم نعمان عاشور فى مسرح الثقافة الجماهيرية عدة مسرحيات منها .. شهر زاد، وابور الطحين، لعبة الزمن، جنس الحريم».
وصدرت له مؤلفات أخرى فى مجال القصة منها:«حواديت عم فرح» 1954م، «فوانيس» 1957م، «سباق مع الصاروخ» 1964م، «بطولات مصرية» 1971م.
وعمل «عاشور» لفترة محررًا بدار أخبار اليوم، كما انتخب عضوًا فى لجنتى القصة والمسرح بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.
ثمار الرحلة.. جوائز الدولة
وحصل نعمان عاشور على جائزة التأليف المسرحى عام 1962م، وجائزة الدولة التشجيعية فى الآداب فى عام 1968، وسافر إلى إيطاليا فى بعثة قصيرة لدراسة فن دمج المسرح بالسينما وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عن مسرحيته «بلاد برة» عام 1969م، وجائزة الاحتفال باليوبيل الذهبى للمسرح القومى، كواحد من رواد الكتابة المسرحية.
وكانت آخر كتابات المبدع نعمان عاشور مسرحية «حملة تفوت ولا شعب يموت« 1987م، ورحل عن عالمنا فى العام نفسه، 5 إبريل عام 1987م، لكن أثره باق بكل ما خط به قلمه وأصبح أحد كبار مبدعين الأدب المصرى، خاصة المسرح المصرى.
وسيظل نعمان عاشور، من أبرز رواد المسرح العربى، بما كتبه من المسرحيات التى تناولت المجتمع المصرى بطبقاته المختلفة، وصاحب دور مهم فى تطوير شكل ومضمون المسرح العربى، لما قدمه من نصوص مسرحية تمزج بين النقد الاجتماعى والطرح الفكرى الجاد، فى قالب فنى قريب من الناس.