النقد المسرحي السري والمجهول في مصر(23) الواقع وحكايات ألف ليلة وليلة!

النقد المسرحي السري والمجهول في مصر(23) الواقع وحكايات ألف ليلة وليلة!

العدد 927 صدر بتاريخ 2يونيو2025

مما سبق يتضح لنا أن الكاتب المسرحى «فتحى فضل» - منذ بداية تآليفه المسرحية عام 1962 – متمسك بمشروعه الإبداعى المتمثل فى إظهار أشكال الفساد المنتشر فى مصر أمام الجمهور، من أجل إصلاحه والتغلب عليه بصورة غير مباشرة، من خلال الرمز أو توظيف التاريخ أو استخدام التراث الشعبى، وفى أحوال قليلة كان يكتب بصورة معاصرة للحياة الواقعية! ومثال على ذلك مسرحية «نجوم فى عز الظهر»، حيث وجدت تقاريرها الرقابية المؤرخة فى عام 1983، والخاصة بعرض المسرحية لصالح فرقة المنصورة المسرحية، دون أن أجد النص المسرحى نفسه!
أول تقرير وجدته كان للرقيبة «شكرية السيد»، التى ذكرت ملخصًا للمسرحية فى تقريرها، قالت فيه: تحكى المسرحية قصة شاب يدعى إبراهيم، كان ينام فى يوم على صخرة فى إحدى الحدائق وعلى وجهه أحد الكتب الأدبية من تأليف «أحمد بصل» يدخل عليه المؤلف وينادى عليه فيستيقظ وعندما عرّفه بنفسه كونه المؤلف، أخذ إبراهيم يصب جام غضبه عليه.. وإبراهيم هذا يحب ابنة عمه فوزية، لكنها تتخلى عنه لفقره، وتتزوج من رجل ثرى يقوم بأعمال غير مشروعة فى سبيل الحصول على هذا المال، رغم أن إبراهيم شاب مثقف وحاصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة. ما يدفعه - أى يدفع إبراهيم - لكيلا يوافق على زواج شقيقته ماجدة من رجب هذا الشاب العصامى الذى يعمل شيالًا بادئًا من الصفر، ورغم موافقة والد أم إبراهيم على هذه الزيجة.. وتقابل أيمن صديق إبراهيم، ويعطيه خطابات التعيين بواسطة القوى العاملة ليعملا فى المطافئ، فيرفض إبراهيم وأيمن كذلك ويقررا السفر إلى ألمانيا للعمل هناك، لكنهما يقابلان الكثير من المشاكل فى العمل والمأكل والمسكن، وأخيرًا يقررا العودة لمصر.. ويكون إبراهيم من أصحاب الثروات.. ويتوجه لعمه يسأله عن فوزية فيخبره أنها تطلقت من زوجها لأنه دخل السجن، ويقابل شقيقته ماجدة وزوجها رجب، فتبارك زواجها.. وفى النهاية يتضح أن كل هذه الأحداث كانت حلمًا رآه إبراهيم عندما كان نائمًا فى الحديقة.. ولكن إبراهيم يصمم على البقاء فى بلدنا الحبيبة مهما كانت الظروف.
وتختتم الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: “لا مانع من الترخيص بعرض هذه المسرحية عرضًا عامًا، وذلك بعد حذف الملاحظات بالصفحات والأرقام 22، 23، 24. والمسرحية تعطى صورة مشرقة لشبابنا الذى يفضل البقاء فى مصر رغم كل الظروف التى نمر بها، مهما كانت أحلامه وآماله فى الثروة والهجرة لفتح آفاق جديدة، فإن حنينه إلى وطنه الأم وحبه لها يفوق هذه الآمال والأحلام.. مع رجاء إخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول. [توقيع] الرقيبة «شكرية السيد» 14/3/1983”.
أما الرقيبة «نبيلة حبيب» فقد قالت فى تقريرها: “تدور أحداث المسرحية حول شاب خريج حديث من الجامعة ينتظر خطاب تعيينه بأحد الوظائف ليبدأ حياته العملية بالحياة. يذهب إلى أحد الحدائق ليقرأ إحدى الروايات الغرامية ويفاجأ بأن الكاتب يجلس بجواره ويثور إبراهيم على الكاتب الذى يكتب سموما يضحك بها على الشباب.. يكتب أشياءً لا تمت للواقع بصلة فكيف يستطيع الشباب الفقير أن يستمتع بالحب الذى يصوره المؤلف. وكيف أنه لم يستطع الزواج بابنة عمه لأنها تزوجت من سباك يفوقه ثروة وليس علمًا. وينام إبراهيم وعلم أنه مسافر إلى الخارج وعمل بيديه واكتسب ثروة من العمل اليدوى ويفكر فى العودة إلى بلاده، ليعمل بيديه بدلًا من انتظار الوظيفة التى لن تمنحه أية ثروة أو اكتفاء. وتنهى الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: “المسرحية تعرضت إلى فكرة العمل اليدوى وأنه هو لباب الثروة والحياة الآمنة، وليست وظائف الحكومة التى أصبحت مكدسة بالموظفين.. هى الطريق إلى حياة كريمة وأن على الشباب المثقف النزول إلى مجال الحياة العملية لينتج ويحيا ويرتفع بمستوى البلد.. لا مانع من الترخيص بالمسرحية مع مراعاة الملاحظات الآتية: «ص 2، 23، 24، 25، 26، 30». [توقيع] الرقيبة «نبيلة حبيب».
أما التقرير الثالث فكان للرقيبة «تيسير حامد»، ولكنه للأسف غير مكتمل، حيث إنه مكون من صفحتين، والصفحة الأولى هى التى معى صورتها، وبها جزء من ملخص المسرحية، أما الصفحة الثانية والتى بها الرأى النهائى والملاحظات فغير موجودة! وبناء على ذلك فلا يوجد أمامنا غير التقريرين السابقين، وبهما تأشيرة المدير العام «صلاح صالح»، وفيها يقول: لا مانع من الترخيص بالمسرحية، بعد الاطلاع على هذه المسرحية «نجوم فى عز الظهر»، وبعد موافقة الرقباء عليها بملاحظات، وحيث إن هذه المسرحية تعرض فكرة العمل اليدوى وأنه يؤدى إلى الثروة والجاه بخلاف الوظيفة الحكومية ولا مانع من الترخيص بهذه المسرحية. [توقيع] يعتمد المدير العام صلاح صالح 14/3/1983.

فارس فى قصر السلطان
نص هذه المسرحية محفوظ لدى تحت رقم «375» من تأليف فتحى فضل، للثقافة الجماهيرية، وتحمل رقم وارد مسرحيات «36» بتاريخ 2/2/1988. والنص ليس به سوى تقرير واحد فقط للرقيب «شوقى شحاتة»، ذكر فيه ملخصًا للمسرحية، قال فيه: السلطان يستدعى وزيره ويطلب منه حقيقة ما يسمعه من أقوال الشحاتين مما يشاع عن استبداد السلطان، وأنه فرض الضرائب الباهظة على الشعب وأثقل كاهله بالديون لعيش هو وحاشيته فى رغد، بينما يعانى الشعب الفقر والجوع. وهنا يقرر السلطان أن يتنكر فى زى تاجر عراقى ويقوم بصحبة الوزير بجولة فى المدينة ليتعرف على الحقيقة، ويذهبان إلى قهوة الشحاتين كى يلتقيا بالذى يدعى أنه أعمى وينتقل بين الناس وينتقد السلطان، وكيف أنه يعيش حياة البذخ بأموال الشعب، وأثناء جلوسه يأتى فارس إلى القهوة التى تديره زوجته صباح لعقد اجتماع مع زملائه بغرض مقابلة السلطان، ويختارون زعيمهم فارس ليقوم بالمهمة وإبلاغ السلطان بما يفعله أعداؤه من قسوة فى جمع الضرائب. ويعود السلطان إلى قصره ومعه الوزير الذى كان يصدر له مدى حب الناس له كذبًا. ويأتى فارس إلى قصر السلطان، ليستقبله السلطان متنكرًا ويطلب منه أن يغير ملابسه حتى يستطيع مقابلة السلطان فى زى لائق، فيوافق ويرتدى ملابس من الحرير ويدخل على السلطان الذى يقابله بكل حفاوة وكرم، حيث يقدم له أفخر المشروبات وألذ الأطعمة فينغمس فارس فى الملذات وحياة القصور وينسى المهمة التى جاء من أجلها. وعندما يطول بقاءه داخل القصر يقلق عليه زملاؤه، وعندما يسألون عنه يخرج عليهم فارس فى زى جميل ومخمور ليمدح السلطان ويخيب أمل زملائه الذين أخذوا يتخلون عنه ويتندرون به. وهكذا استطاع السلطان أن يفرق بين فارس وزملائه وهنا يأمر بالقبض على فارس لينتقم منه ويسكت أفواه المعارضة.
وينهى الرقيب تقريره برأى قال فيه: «المسرحية دراما اجتماعية سياسية تبين أن بعض الذين يتمسكون بالمبادئ والقيم والمثل العليا يتخلون عنها فى سبيل تحقيق مصالحهم الشخصية، ولا مانع من الترخيص بالمسرحية حيث سبق الترخيص بها دون ملاحظات”. وبناء على هذا الرأى يتضح لنا لماذا وجدنا تقريرًا واحدًا، لأن النص تم الترخيص به من قبل عدة مرات، وواضح أنه نص ثابت لا تغيير فيه، لذلك لا يحتاج إلى رقباء أكثر! أما المهم فى هذا النص أنه يتفق مع مشروع المؤلف الإبداعى عن طريق الرمز، كونه يكشف عن بطانة السلطان، وكيف أن الحاكم يستطيع أن يكبت أى تفكير ثورى ضده، وكيف يغرى قادة الثورة بالمال والخمر والملذات!

مسرحية البخيل
للأسف الشديد نص هذه المسرحية مفقود، ولكنى أحتفظ بالوثائق الرقابية التى كانت مرفقة به! ففى نوفمبر 1985 تقدم مركز ثقافة الطفل بالمنصورة إلى الرقابة بطلب الترخيص لعرض مسرحية «البخيل» تأليف «فتحى فضل»، فكتبت الرقيبة «فايزة الجندي» تقريرًا ذكرت فيه ملخصًا للمسرحية، قالت فيه: اشتهر أبوالقاسم ببخله الشديد لدرجة البخل على نفسه فله مركوب [أى حذاء] عاش معه عشرين سنة لم يغيره، لدرجة أنه اشتهر به من كثرة الرُقع التى به! ويذهب أبوالقاسم إلى الحمام ويقابل صديقه أبوالحسن الذى يعده بتقديم مركوب جديد له كهدية. وحين يخرج أبوالقاسم من الحمام يجد مركوبًا مزركشًا جديدًا بجانب مركوبه القديم فيظن أنه الهدية فيلبسه ويترك مركوبه، وما يكاد يصل لمنزله حتى يطرق بابه القاضى ومعه الشرطى ليأخذ المركوب ويحكم على أبى القاسم بالسجن سنه وغرامة ألف دينار، ويقضى أبوالقاسم سنة يخرج بعدها مصممًا على ترك المركوب الذى تسبب فى سجنه فيلقى به فى النهر، ويريد أن يعوض الخسارة التى دفعها غرامة فيشترى التحف الذهبية من صاحبها الذى تميز بها، ويوهمه أن القاضى يتوعده بالسجن إلا أنه اشترى منه تحفة بها شرخ، ويريد عقابه بالسجن، فيبيع التاجر كل ما معه لأبى القاسم بألف دينار.. أى بالخسارة. ويحضر الصياد إلى منزل أبى القاسم إذ إنه وجد مركوبه فى شبكته، وهو يصطاد فمزق المركوب الشبكة وأراد أن يعطيه له فلم يجده فما كان منه إلا أن قذفه له من النافذة فكسرت التحف الذهبية ويمسك أبوالقاسم به فيسمع القاضى المشاجرة أثناء سيره فيحكم على أبى القاسم بغرامة يعطيها للصياد، وينصح أبا القاسم على التخلص من المركوب المنحوس! لذلك تلقى به زوجته فيصيب شخصًا سائرًا فى الطريق فيحكم القاضى على أبى القاسم بالسجن ستة أشهر يقضيها ويخرج ويحاول مرة أخرى التخلص من المركوب النحس فيلقى به فى حفرة عميقة فتسد لصاحب الفندق المجارى وتصيب الفندق بأضرار جسيمة، فيحكم القاضى عليه بغرامة ثلاثة آلاف دينار أو سجنه سنة علاوة على الغرامة، والسنة سجن التى حكم بها عليه لأنه لم يدفع الزكاة وأنه نصب على تاجر التحف! ويضطر أبوالقاسم لبيع داره فى مزاد لسداد الديون. ويظهر المركوب فى رؤيا لأبى القاسم يوبخه فيها على بخله وعدم التصدق على الفقراء وعدم دفع الزكاة، لذلك فهو وسيلة للانتقام منه، ويطلب منه التخلص من بخله حتى يتركه فى حاله. ويقص القاضى قصة أبى القاسم للسلطان الذى يضحك منها ويستدعى أبا القاسم ليعطيه عشرة آلاف دينار، كذلك زوجته، فيتغير أبوالقاسم من تصرفاته ويترك البخل ويتصدق ويدفع الزكاة! وتنهى الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: “تبين المسرحية أن البخل عادة سيئة تجعل صاحبه يعانى من كراهية الناس، بل يعيش هو محرومًا من متع الحياة، يحرم أمواله على نفسه كما يحرمها على الآخرين فلا يتصدق ولا يؤدى الزكاة عن أمواله، ولا عن نفسه فيعيش مكروهًا.. ويرخص بأداء نص مسرحية «البخيل» لمركز ثقافة الطفل».
وكتب الرقيب «عادل أحمد عيسى» تقريرًا آخر به تفاصيل عن موضوع المسرحية - لم تُذكر فى التقرير السابق – ويُفضل ذكرها كون النص غير موجود! يقول الرقيب: أبوالقاسم تاجر بخيل جدًا وزوجته أيضًا قمر الزمان بخيلة جدًا.. فهو لا يزكى ولا يكرم ضيفه ولا يُحسن إلى الفقير وبالرغم من ثرائه فهو يدعى الفقر ولا يغير مركوبه القديم منذ عشرين عامًا حتى أصبح المركوب شهيرًا جدًا لكثرة ما فيه من خياطة ووصلات.. وقد تسبب له هذا المركوب فى كثير من المشكلات، فدخل أبوالقاسم السجن أكثر من مرة بسببه وكل ما يتخلص منه فإذا به يأتى له عن طريق أهل البلد الذين عرفوا مركوب أبوالقاسم.. وذات مرة خرج من السجن بعد قضاء ستة أشهر لحُسن سيره وسلوكه خرج على العيد وما كاد يصل بيته ويلتقى بزوجته وإذا بالباب يطرق ويدخل القاضى ومعه شرطى وصاحب فندق وكاتب نزيل بالفندق ومعهم مركوب أبوالقاسم، وفى هذه المرة كان أبوالقاسم ألقى بمركوبه فى بالوعة كى يتخلص منه، فإذ به يسد البالوعة مما جعل الطابق الأول بالفندق يغرق فى مياه المجارى وأمر القاضى أبوالقاسم بدفع تعويض لصاحب الفندق قدره خمسة آلاف دينار لكن لم يكن معه إلا ألفى دينار، فأمر القاضى بعرض منزل أبوالقاسم فى المزاد.. وذلك جعل أبوالقاسم وزوجته يحزنان كثيرًا، وأثناء نوم أبوالقاسم يحلم بمركوبه وقد تجسد فى شكل رجل قبيح المنظر ويعترف له أن كل هذه المشاكل بسببه، وذلك لشدة بخل أبوالقاسم على نفسه وعلى الناس. ويخبره المركوب بأنه إذا استمر على حاله هكذا فسوف يستمر فى جلب المصائب له ولكن إذا وعده أبوالقاسم بعدم البخل إذا تغير حاله فسوف يبعد عنه إلى الأبد ويوعده أبوالقاسم بذلك.. ويقوم أبوالقاسم من النوم على صوت زوجته وقد أحضرت له الطعام، وهنا يأتى جنود السلطان ويأخذون أبوالقاسم إلى السلطان، وحين يصل الجميع إلى السلطان يفاجأ أبوالقاسم بالقاضى مع السلطان ويحزن أكثر ولكن السلطان يطمئنه، وهنا تأتى قمر الزمان إلى السلطان وتمدح السلطان مدحًا كثيرًا ويخبرها بأن زوجها فى أمان ويعطيها عشرة آلاف دينار، ويسأل عن خسائر أبوالقاسم فيجيبه بأنها عشرون ألف دينار فيعطى له العشرين ألف دينار، ويخرج السلطان والجنود والقاضى ويبقى أبوالقاسم وزوجته سعيدان بالنقود وتقول قمر الزمان لأبى القاسم يجب أن نكون حريصين أكثر على هذه الأموال، ولكنه يخبرها بأنه سوف يتخلى عن بخله وبأنه سوف يخرج الزكاة ويساعد الفقراء والمحتاجين.. وحين تسأله عن المركوب يخبرها بأنه سوف لا يظهر ثانية لأن كل منهما - «أبوالقاسم والمركوب» - قد وعد الآخر وكل منهما قد وفى بوعده.
ويختتم الرقيب تقريره بذكر رأيه، قائلًا: «المسرحية كوميدية تتناول دعوته إلى حق الفقير والمحتاج على الغنى وتظهر مساوئ البخل الشديد، وتدعو إلى إكرام الميت ومساعدة الفقراء حتى يزدهر المجتمع ويعيش الجميع فى سعادة، ولا مانع من الترخيص بالعرض دون ملاحظات”. وبعد اطلاع مديرة الرقابة على التقريرين، أشّرت، قائلة: “أرى اعتماد ترخيص النص لمركز ثقافة الطفل بالمنصورة دون ملاحظات”.


سيد علي إسماعيل